أثرت سينما "كوستا غافراس"، الملتزمة والمشحونة بالعواطف، في الكثير من أجيال المناضلين وعشاق السينما. خلال زيارته للمغرب، التقينا المخرج العالمي وحدثنا عن أفلامه وتأثيرها السياسي في المجتمع.
بابتسامته وبساطته ومرحه، استقبلنا المخرج العالمي كوستا غافراس ذو 84 عاما، قبل سنتين في مدينة الرباط، حيث زارها لتقديم فيلمه "Le Capital"، في إطار أسبوع السينما الفرونوكفونية. حياة هذا المخرج السينمائي، تعتبر سيناريو قابلا للتجسيد. فقد اضطر إلى الهروب من اليونان وهو في سن التاسعة عشر، بسبب موقف والده المعادي للملكية، فتوجه إلى باريس، التي أصبحت أرض منفاه في سنوات الخمسينيات.
في سنة 1965 حقق غافراس نجاحا باهرا بأول أفلامه الطويلة، "مقصورة القتلة". ثم استمر بعدد من الأفلام الناجحة مثل: "Z"، "الاعتراف"، "آمين" و"المفقودين".. واقترنت هذه الأعمال بالانحياز لعدد من القضايا التي صاحبها الجدل. بكل تواضع، يعود معنا كوستا غافراس في هذا الحوار إلى إلهامه، لقاءاته، ومساره الغير العادي.
في أغلب أفلامكم، هل السياسة محرك أساسي؟
جميع الأفلام سياسية. وحسب رولان بارث، يمكن القيام بتحليل سياسي لجميع الأعمال السينمائية. شخصيا، أومن بعمق هذه المقولة. فعندما نقدم فيلما، فإننا نتوجه للآلاف، إن لم نقل للملايين من الأشخاص، وهو ما يمكن لتأثيره أن يلعب دورا سياسيا، حتى لو كان المتلقي لا يهتم بذلك. الأمر مماثل بالنسبة للمسرح أو الأدب، كونهما يؤثران علينا بشكل سياسي. وبالتالي لا يجب اختزال السياسة في التصويت مرة في السنة، أو كل أربع أو خمس سنوات.
كيف يمكن ممارسة السياسة في اليومي؟
تكمن السياسة في تصرفاتنا اليومية، وفي علاقة السلطة التي لدينا مع بعضنا البعض. الإغريق كانوا يقولون أن الإيديولوجيا، تولد وتكبر، ثم تموت.. ثم تنشأ إيديولوجيا أخرى. هكذا هو العالم منذ الأزل، لا يوجد موت للإيديولوجيات، وإلا فإن هذا موقف إيديولوجي في حد ذاته.
خلال دراستي للسينما في المدرسة العليا للدراسات السينماتوغرافية، كان يبدو لي أن أهم الأعمال هي تلك التي تتحدث عن العالم. مثلا فيلم Les Rapaces 1924، لإيريك فون ستروهيم، كان صامتا لكنه معاصر، وقد أثر في كثيرا. فقد اكتشفت من خلاله عالما استثنائيا، لأنه يتحدث عن المال، الرغبة المتجددة، والجشع الذي يعيشه المجتمع منذ الأبد. وتأثرت أيضا بالمسرح التقليدي الإغريقي في مواقفي السياسية.
بعض أفلامكم أثارت الكثير من الجدل، فمثلا فيلم الاعتراف، الذي أزلتم فيه الغموض عن ستالين، وفيلم المفقودين، الذي يندد بتورط المخابرات الأمريكية في الانقلاب العسكري على "سالفادور أليندي" بالشيلي، وصولا إلى فيلمكم الأخير، الرأسمال (Le Capital)، الذي تصفون فيه الرأسمالية المتوحشة. هل ساهمت هذه النقاشات في تكوينكم السينمائي؟
بعد كل نقاش حول فيلمي، تزداد مسؤوليتي تجاه العمل القادم. على سبيل المثال، عندما قمت بإخراج Z، أحسست بعده بالمسؤولية الكبيرة من أجل إخراج "الاعتراف". كان يجب أن يكون كل شيء في محله، وحقيقي، دون أن نستعمل "قوالب" سينماتوغرافية أو درامية لإثارة المشاهد. نفس الشيء بالنسبة للمفقودون أو آمين. أفضّل أدبيات الأفلام والشخصيات، على الجاذبية من أجل إثارة المشاهد.
فيلمكم الأخير، "الرأسمال"، الذي لعب البطولة فيه جاد المالح، لم يحقق النجاح المتوقع، ما السبب في نظركم؟
هذه الأشياء تحصل بشكل عادي، وتعلمون ذلك. المهم أنني عندما أخوض تجربة فيلم، لا أعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك. أحرص على أخلاقيات العمل، وأعمل كل ما في وسعي دون غش. بالنسبة لفيلم "الرأسمال"، فهو يعتمد على عدد من القصص الحقيقية. لم ينجح الأمر، أو بالأحرى، لم ينجح بالدرجة التي كنا نتمناها. وعلى الرغم من ذلك، فإن عرضه استمر حول العالم منذ أكثر من عامين. كوكتو كان يقول:"هناك قواعد من أجل النجاح، لكننا لا نعرفها"، وأظن أن هذا الأمر صحيح. لكن في المقابل، بعض الأفلام يجب أن تصنع، مهما كانت درجة نجاحها.
أنتجتم فيلم "اليوم يمكنهم المجيء"، لسالم براهيمي. لكنه لم يجد موزعا لغاية اليوم. هل الرقابة الاقتصادية أكثر حدة من الرقابة السياسية؟
لا يمكننا محاربة الرقابة الاقتصادية. ففيلمك إذا لم يعجب الموزع، فهي حرية شخصية وعلينا احترامها. أنا مؤمن أننا سننجح في توزيعه لأنه فيلم جميل. جاء إلينا سالم إبراهيم كمساعد مخرج ثاني، ثم مساعد أول، ثم أصبح مستشارا لسيناريوهات أفلامي. في يوم ما قدم إلينا بقصة تدور أحداثها في الجزائر في فترة التسعينات. تحكي القصة كيفية وصول قطار الإسلاميين خطوة خطوة إلى أن وصلوا للسلطة. هذه الدراما، لا تزال موضوع الساعة، وسنحل مشكل التوزيع.
بصفتكم رجلا يساريا، كيف عشتم الأحداث الأخيرة في اليونان؟
بمنظور جيوسياسي، لطالما أثارت اليونان الغيرة. هناك مسؤولان عن الوضع الراهن، القوى العظمى: ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، وبعض رجال السياسة اليونانيين. لكن في يوم أمل، ظهر شاب جديد (أليكسيس تسيبرا، زعيم سيريزا، والوزير الأول حاليا)، من حيث لا ندري. فهو لا ينتمي إلى أي تيار سياسي أو اقتصادي في اليونان. لقد قدم أليكسيس تسيبرا نموذجا جديدا. في ماي الماضي، التقيته بباريس، وبعد قرائتي لبرنامجه ومناقشته، اعتقدت أن طريقه سليم ويستحق الفوز في الانتخابات اليونانية. فعلى المستوى الثقافي والتعليمي، هو رائع، لم يسبق لأحد أن قدم مثل تلك المقترحات من أجل النهوض بالبلاد. لا أريد أن أحسب على أي جهة سياسية، لكني بصراحة، تمنيته أن يفوز عندما ترشح للانتخابات.