كيف سلطت قصة إسماعيل بلمعلم الضوء على الجانب المظلم من حياة لاعبي كرة القدم؟

أمينة مودن

بوجه مكشوف وعبر مقطع فيديو بثه عبر حساباته الرسمية  على مواقع التواصل الاجتماعي، رد الدولي المغربي إسماعيل بلمعلم على أخبار تشرده، بعد توقف اضطراري ومبكر عن ممارسة كرة القدم منذ بداية الموسم الكروي الجاري، لعدم وجود أي عرض طرق بابه، بعد آخر تجربة خاضها مع فريق الجيش الملكي، خلال موسم 2018/2019.

خطوة بلمعلم وعائلته بالظهور علناً والدفاع عن "حياة التشرد" التي لاحقته منذ أيام، بسبب صورة تم تداولها من طرف الجماهير تظهر الحالة الغير الطبيعية التي يمُر منها مدافع الرجاء الرياضي السابق، فتحت الباب أمام نقاش كبير داخل الأوساط الرياضية المحلية، بخصوص أهمية مراعاة الصحة النفسية للاعبين، لمحاربة فيروس "الإدمان" والضياع الذي يمكن أن يفتك بأي واحد منهم واجهته عقبات مهنية، أو أغلقت في وجهه أبواب، بعد أن كان في سابق عهده واحدا من نجوم الساحرة المستديرة، واسماً تتهافت الأندية لنيل وده، والظفر بخدماته.

"وليس كل شيء يقال"، فما عاشه بلمعلم سرا خلال أشهر من معاناة نفسية،  وعزلة عن محيط الساحرة المستديرة، أظهره أول فيديو طل به على الجماهير بكلماته الغير الموزونة، حرك أصدقاء الأمس، وأيضا أعطى انطلاق مبادرات لانتشال لاعب لم يتجاوز سنه الـ 32، من المشاكل النفسية التي يمكنها أن تجعل حالته أكثر سوءاً إن لم يتم التعامل معها بشكل صحيح.

 

التشرد.. رُبَّ ضارةٍ نافعة!

"أتمنى أن تكون قصة إسماعيل بلمعلم درساً للغافلين"..هكذا استهل دولي مغربي سابق حديثه عن واقعة" التشرد" التي عرت عن الحالة النفسية والوضعية الغير مستقرة، لواحد من زملائه القدامى، الذي توقفت مسيرته الكروية بطريقة غير مفهومة وبشكل مبكر.

اللاعب الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، إن ما يعيشه زميله السابق يمكن أن يحدث مع أي شخص، لأن المجال الكروي يحمل مفاجآت غير متوقعة حتى لأولئك الذين صنعوا أسمائهم بثبات وحصدوا الألقاب المحلية والقارية، وأسماؤهم حفرت بذهب في ذاكرة الجماهير المغربية، مستدلا بقصص مأساوية لنجوم في الرياضة، انقلبت حياتهم رأسا على عقب.

ولم يخف المتحدث ذاته، أن تنكر الأندية والمقربين للاعب، توقف بشكل مفاجئ عن ممارسة كرة القدم بسبب إصابة بليغة، أو ظرف خاص، وحتى عقوبة تأديبية طويلة، وهو الذي كانت حياته تحت الأضواء وأصداء الجماهير، قد تدفعه إلى اليأس والعزلة، وما قد يجره الأمر من ممارسات غير صحيحة.

اللاعب الذي كان من بين الحريصين على التواصل مع إسماعيل بلمعلم عبر مكالمات بتقنية "الفيديو"، شدد على أن المساندة الكبيرة التي حظي بها زميله السابق، قد أعادت الكثير من التوازن والثقة إليه، كما كان لها وقع كبير على عائلته الصغيرة والكبيرة، التي واجهت الظروف الأخيرة وحيدة.

كما أشار الدولي المغربي إلى أن الرياضيين بصفة عامة يجب أن يكونوا مستعدين نفسياً لأي تقلبات في مسيرتهم، ويضعوا حياة مهنية أخرى بالموازاة مع كرة القدم، يمكنها أن تنتشلهم من الفراغ، في حال قرروا الاعتزال، أو سبقت ظروف لإنهاء مشوارهم بشكل مبكر.

 

تدخل مؤسسة محمد السادس  للأبطال الرياضيين

أكد سعيد بلخياط، المدير التنفيذي، لمؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، بأن الأخيرة تواصلت فوراً مع عائلة اللاعب بعد الاطلاع على مقطع فيديو إسماعيل بلمعلم، والحالة السيئة التي ظهر بها لشرح وضعيته، واستفساره بخصوص مجموعة من التفاصيل  ذات الطابع الإداري لتوفير التغطية الصحية له.

وعن آخر المستجدات بخصوص التكفل بحالة اللاعب، قال بلخياط لـ"تيكلي عربي"، إن مؤسسة محمد السادس للأبطال كان لها لقاء مباشر مع اللاعب وزوجته، وتوصلت بعدد من الوثائق الشخصية وأخرى طبية، لإعداد ملف التكفل بحالته وتسجيله بالتأمين، بتنسيق مع الطبيب الذي تابع حالته في وقت سابق.

سعيد بلخياط اعتذر عن كشف معطيات دقيقة بشأن طبيعة المرض أو الحالة التي يعاني منها اللاعب، مشيراً إلى أن الأمر يدخل ضمن خصوصية إسماعيل بلمعلم، ولا يمكن الإفصاح عنه، مشددا بأن الأهم حاليا هو المواكبة الصحية، ومرافقته إلى حين تجاوز الأزمة التي يمر منها.

وردا على استفسار الموقع، بخصوص تعامل مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، مع هذا النوع من المشاكل الصحية للرياضيين، تابع المتحدث ذاته:" شركة التأمين التي نتعامل معها تتعامل بمرونة مع الملفات الموضوعة أمامها، والجانب النفسي يدخل ضمن التغطية التي يستفيد منها الرياضيون في حدود نسبة معينة، لكننا سنقوم بكل الأمور التي يمكنها مساعدة اللاعب على تجاوز هذه المحنة".

من جهته فريق الرجاء الرياضي، نقل للمسؤولين داخل مؤسسة محمد السادس للأبطال، جميع المعلومات الخاصة  بلاعبه السابق للتأكيد على  استيفائه لجميع شروط الاستفادة من التغطية الصحية، بعد مشاركته رفقة المجموعة بكأس العالم للأندية والوصول إلى مباراة النهائي، والتي تمنح الحق لعناصر الفريق في الحصول على تغطية صحية من طرف المؤسسة، كما أن اللاعب حمل قميص المنتخب الوطني خلال مناسبات سابقة، منذ سنة 2012.

 

"كوتش مونتال"..عندما بادرت الأندية إلى إعطاء حيز أكبر للجانب النفسي للاعبيها

 

لعل الاستعانة بخبراء نفسيين داخل البطولة الاحترافية خلال السنوات الأخيرة، عرض الأندية وحتى المنتخبات الوطنية إلى السخرية والتراشق بين الجماهير، إلا أن الفكرة سرعان ما أعطت ثمارها، بسبب الحاجة الماسة لمواكبة اللاعبين ذهنياً ليس داخل الملاعب فقط بل خارجها أيضاً.

ياسين ماجد، خبير نفسي اشتغل مع رياضيين على جانب الإعداد الذهني أوضح في حديث مع "تيلكيل عربي"، أن مردود الرياضيين ليس مرتبطاً فقط بما هو تقني وبدني، بل وجب إعطاء حيز هام للتهيء النفسي، الذي يكون بالموازاة مع العمل الذي يقوم به باقي المدربين.

المتحدث ذاته، شدد على أن الرياضيين بصفة عامة في جميع مجالات اشتغالهم سواء تعلق الأمر بكرة القدم أو ألعاب القوى وغيرها  من الرياضات، بحاجة إلى المواكبة الذهنية، ليس فقط لإخراجهم من فترة صعبة قد تواجههم خلال مسارهم وقد تمتد بعده، بل لفهم متطلباتهم والاستماع  إلى هواجسهم، وإخراجهم من دائرة التوتر والشد العصبي، اللذين يكون لها تأثير مباشر على أدائهم.

وأشار ماجد إلى أن انتظار كبوة في النتائج أو التعرض لإصابة قد تسبب في توقف طويل للرياضي للاستعانة بخبير ذهني فكرة خاطئة، بل وجب دمج المعدين النفسيين ضمن الأطقم المشرفة على الأندية، والاحتكاك بشكل مباشر مع الأشخاص المعنيين بشكل مستمر، وتنظيم لقاءات فردية وجماعية معهم، موضحاً بأن فترة الحجر الصحي الأخير وتبعات انتشار فيروس "كورونا" دفع كبار أندية العالم، إلى تخصيص مواكبة خاصة للاعبيها طيلة هاته الفترة، لشرح التطورات وطمئنتهم، تفادياً لأن تصبح عودتهم للمنافسات معقدة أو صعبة.

وسبق للحسين عموتة، مدرب المنتخب الوطني المغربي المحلي، أن أوضح خلال أولى اللقاءات الصحافية بعد توليه مهمة الإشراف على "أسود البطولة"، أنه استعان بمدرب ذهني لإعداد بطائق خاصة عن كل لاعب يتم استدعاؤه لتمثيل المنتخب، تشمل معلومات عامة عنه،  وأيضاً ملاحظات تهم صحته النفسية.

ودافع الإطار الوطني عن فكرة ضرورة تواجد مدرب ذهني يرافق تجمعات المنتخب الوطني المحلي، لمساعدة باقي الأطقم المرافقة خلال اشتغالها، معتبرا بأن اللاعب المحلي وخبرته القليلة في التعامل مع المواقف قد تجعله عرضة للمؤثرات الخارجية، التي تنعكس على أدائه، وكان المثال الذي بسطه عموتة في حديثه مرحلة الانتقالات وما قد تجره من توتر وأيضا تراجع أداء وضياع داخل رقعة الملعب على العناصر الكروية، خصوصا بدخول أطراف عديدة في الموضوع وتضارب الأخبار بشأن وجهته، والعروض المالية المغربية، إضافة إلى موقف الجماهير من هاته التفاصيل.