الإسبان يعتقدون جازمين أن الأمر يتعلق بحصان طروادة يفرخ الإرهاب. القاضي الاسباني "إيلوي فيلاسكو"، قال إن اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين"، تمثل امتدادا لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بالمغرب. موقف لا يبدو أن الأجهزة الأمنية المغربية تتقاسمه مع نظيرتها الإسبانية، لكنها لا تنظر بعين الرضا لعملها وأعضائها، لذلك تستنطق العشرات من أعضائها مرتين كل عام، خاصة قبيل المناسبات الكبرى كاحتفالات أعياد الميلاد، تحسبا ل" كل ما من شأنه". اللجنة من جهتها تنفي ادعاءات الإسبان، وتعتبر استدعاء أفرادها أمرا أمنيا روتينيا. فما حقيقة تحول لجنة الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين في السجون المغربية إلى حاضنة لتفريخ الجهاديين ؟
عطب الولادة
المدافعون عن اللجنة يربطون نشأتها بالأخطاء الأمنية التي ارتكبت عقب أحداث أحدثت تفجيرات ماي 2003 بالدار البيضاء، وخلفت عشرات القتلى والجرحى، وزجت بآلاف السلفيين في السجون وفتحت ملفا اسمه "السلفية الجهادية" في المغرب. أخطاء أقرها الملك سنة 2005 في حواره مع جريدة "إلباييس" الإسبانية.
تصريحات استبشر بها المعتقلون خيرا فقاموا بعدة إضرابات، أسفرت عن سلسلة من الانفراجات. بعض هؤلاء المفرج عنهم حاولوا التعريف بقضية المعتقلين وما يعانونه داخل السجن. ومع ظهور حركة "20 فبراير" وما عرف بالربيع العربي، انطلقت شرارة الاحتجاج أمام مرأى الجميع، فاستغل بعض السلفيين الوضع وقاموا بعدة اعتصامات داخل السجن وخارجه، أسفرت عن توحيد جهودهم في تنسيقية سميت "تنسيقية الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين السابقين"، ستتوحد يوم 14 ماي 2011 مع "تنسيقية الحقيقة للدفاع عن معتقلي الرأي والعقيدة"، التي أسستها فتيحة المجاطي (المعروفة بأم آدم)، واشتركت التنسيقيتان في جسم واحد سيطلق عليه "اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين".
المجاطي، وهي أحد المؤسسين، سرعان ما ستغادر إلى العراق بمجرد إعلان قيام دولة "داعش"، لتبدأ الشبهات تحوم حول اللجنة وأدوارها الحقيقية، خاصة بعد رحيل آخرين، اختاروا القتال إلى جانب فصائل من الجهاديين، تختلف تسمياتها لكن يجمع المنتسبين لها الهاجس الجهادي.
قافلة الجهاديين من رحم اللجنة
لم يحرج أي حدث اللجنة منذ إنشاءها، كما سفر قيادييها البارزين إلى بؤر التوتر، إذ خلقت هجرتهم واعتقال بعضهم خلخلة لملف "الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين" بالمغرب. وتكشف اللائحة غير النهائية لأعضائها الذين هاجروا إلى أرض الجهاد، أو اعتقلوا على خلفية علاقتهم ببؤر التوتر، أن الاتهامات الموجهة لها لا تنطلق من فراغ:
ابراهيم بنشقرون: مؤسس حركة "شام الإسلام" بسوريا. كان من نشطاء "اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين". قضى سنتين بسجن غوانتانامو ثم تم ترحيله سنة 2004 إلى المغرب فتوبع في حالة سراح، لكنه عاد للسجن بعد اتهامه بتكوين خلية إرهابية ومحاولة الهجرة للجهاد، وقضى به أربع سنوات. بعد خروج اشتغل وساند بوادر العمل الأولى للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين في تنسيقيات الدفاع الأولى حيث كان داعما وعضوا بها، إلى أن وقعت أحداث سوريا سنة 2011 فهاجر إلى هناك وأسس ما عرف بحركة "شام الإسلام" التي استقطب عددا كبيرا من الجهاديين المغاربة.
أنس الحلوي: الناطق الرسمي باسم اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين. سجن على خلفية ملف السلفية الجهادية بعد أحداث 2003، وتم إطلاق سراحه سنة 2007. كان نشيطا وله علاقات قوية مع مختلف الفاعلين الحقوقيين والإعلاميين بالمغرب وخارجه. سافر إلى سوريا سنة 2013 للالتحاق بجبهة النصرة (فتح الشام حاليا) الموالية للقاعدة، فشكل ذلك صدمة للجميع. قدم استقالته من اللجنة قبل أيام قليلى من مغادرته، وكأنه كان يحاول أن يخلي مسؤولية اللجنة وعلمها بسفره. وقد لقي مصرعه سنة 2014 على إثر غارة جوية.
خالد التاجري: المنسق الجهوي لفرع فاس، وعضو اللجنة المركزية للجنة المشتركة. كان محكوما بعشر سنوات، قضى منها 5 سنوات ثم خرج ونشط في صفوف اللجنة، لكنه ما لبث أن التحق بدولة البغدادي سنة 2013، وأصبحت له مكانة مميزة في سلك القضاء بدولة البغدادي، قبل أن تنقطع أخباره بعد بداية أفول نظام الدولة.
عبد الكريم الحليوي: كان من المؤسسين والفاعلين في اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين بمدينة فاس، لبى هو الآخر نداء "دولة الخلافة" سنة 2013، فأضحى أميرا بولاية الخير بتنظيم "داعش"، ويجهل إن كان لا يزال على قيد الحياة .
ياسين أمغان: المنسق المحلي للجنة المشتركة بمدينة الدار البيضاء. وقد التحق بسوريا سنة 2013، لكنه عاد بعد سنة من سفره، فاعتقلته السلطات المغربية وأفرج عنه بعد 3 سنوات.
عبد الرزاق أجاحا: منذ سنة 2012 كانت اللجنة تلقبه بالداعية الإسلامي الشيخ عبد الرزاق أجاحا، وتقدمه في وقفاتها من أجل خطبه القوية. سجن أجاحا 3 سنوات على خلفية قانون الإرهاب عقب أحداث 16 ماي. وكان حادا في تدويناته على الفايسبوك، حيث كان يمجد قيام الدولة الإسلامية ويدعو للجهاد. أوقفته السلطات المغربية سنة 2015 بمطار محمد الخامس متوجها إلى تركيا. اللجنة تتبرأ منه حاليا وأسقطت عضويته
إصرار غريب
وخلافا للذين تمكنوا من المغادرة إلى مناطق النزاع، لا يتردد الذين يسقطون في شباك الأجهزة الأمنية /، في تكرار المحاولة، وبإصرار غريب. ففي سنة 2012 سيتم اعتقال خلية جهادية، أعضاؤها ناشطون في اللجنة المشتركة. وحسب الرواية الرسمية لوزارة الداخلية فإنهم كانوا ينشطون في مجال الاستقطاب وتجنيد مغاربة إلى تنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي. وهم: زكرياء الزهور، رضوان حروش، عبد الإله الرضواني، خالد الحميدي.
زكرياء الزهور، الكاتب المحلي لفرع اللجنة بفاس، ورضوان حروش (مول الطاكسي)، قضيا سنة ونصف بالسجن، وبعد خروجهما التحقا بسوريا سنة 2014.
سعيد بنمالك: كان محكوما بعشر سنوات ومن المساهمين في اللجنة بفاس. خرج سنة 2013 واستقبلته اللجنة استقبالا حافلا. اعتقل سنة 2016 ضمن خلية وجهت لأعضائها تهم استقطاب وإرسال عناصر متطرفة إلى سوريا والعراق. يعتبر حلقة وصل بين الجهاديين هنا وداعش، معتقل حاليا في حالة عود، بسبب انتمائه لداعش.
محمد بوزيد: منسق اللجنة في جهة تطوان، تمت إدانته سنة 2016 بالانتماء إلى جماعة محظورة وعقد اجتماعات غير مرخصة، وإقناع الآخرين بارتكاب أعمال إرهابية بنية الهجرة. خفف عنه الحكم إلى سنة ونصف ولا يزال قابعا في السجن.
الرد الوحيد الذي تملكه اللجنة للرد على هذه اللائحة الطويلة، حسب مسؤولها الإعلامي، هي القول بأن اللوم يلقى على "الدولة التي تختم جوازات سفر 'الجهاديين' إلى مناطق التوتر".
هل اللجنة مجرد غطاء؟
تقرير القاضي الاسباني "إيلوي فيلاسكو"، الذي يضم تقارير مخابرات الشرطة الإسبانية والمغربية، أشار إلى أن أفرادا من اللجنة سافروا إلى مناطق النزاع؛ كأيوب خزاني الذي هاجم ركاب قطار بين أمستردام وباريس ببندقية كلاشنكوف، كما أمر القاضي بمحاكمة أنور مرابط وعبد الإله ميغو، وهما مغربيان مقيمان بإسبانيا.
عصام شويدر في معرض حديثه، يؤكد أنهم تحرّوا الأمر فوجدوا أن المعتقلين "كانا يحضران الوقفات فقط، وليسا عضوين، لكنهما قاما باستغلال اللجنة كغطاء لهما". وزادت اللجنة في ردها على حكم القاضي الإسباني بأن "جميع من غادر صوب سوريا وتم الادعاء على أنه عضو في اللجنة، كان إما مواطنا مغربيا يحضر الوقفات الاحتجاجية المنظمة.. أو عضوا قدم الاستقالة من اللجنة واختار لنفسه طريقا خاصا به حسب قناعاته". صحيح أنه مواطن يحق له الحضور أو السفر أينما يشاء، لكن لم يسبق للجنة أن قدمت بيان طرد أو استقالة قبل ذهاب أحد أعضائها !
راية أقرب إلى "داعش"
كان من اللافت للنظر أثناء خروج السلفيين المنضوين تحت لواء اللجنة المشتركة للتظاهر، غياب العلم الوطني، فيما تحضر بقوة رايات باللون الأبيض والأسود، وقد خط عليها شعار التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله". في بعض الوقفات تكون هذه الرايات بيضاء والشعار بالأسود، لكن في بعضها الآخر، يحصل تماهي كبير بينها وبين رايات داعش، إذ تكون مع رايات سوداء وقد خطت فوقها كلمة التوحيد بالأبيض.
معظم شيوخ المراجعات الذين تحدثت إليهم "تيلكيل عربي"، أثاروا قضية غياب العلم المغربي، وتعويضه بعلم آخر، لكن المسؤول الإعلامي للجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين ، عصام شويدر، يقدم تفسيرا لا يرفع التهمة بل يثبتها ويقول: "كل أعضائنا تمسهم قضايا الإسلام والاعتقال، وبالتالي فالوقفات نتعمد فيها تمييز شعاراتنا وراياتنا؛ بأن نكتب لا إله إلا الله كشعار إسلامي وحقوقي" !
هذه الجزئية بخصوص العلم المغربي، وحمل رايات ترمز إلى "الجهاد"، يرى فيها المتخصص في الحركات الإسلامية والجهادية منتصر حمادة، أنها "تعبير عن أفق المشروع الإسلاموي لهذه المشاريع، أي أفق "الدولة الإسلامية" الذي يتجاوز سقف الدولة الوطنية، لذلك لا ترفع الرايات الوطنية".
الحرب على كفار الداخل
اللجنة لا تدافع فقط عن المعتقلين الإسلاميين، بل تخوض أيضا معارك ضد من تصنفهم كـ"علمانيين" و"كفار". حدث ذلك في وقفاتها التضامنية مع "أبو النعيم"، الخطيب الشهير بتكفير عدد من السياسيين والحقوقيين، كإدريس لشكر وأحمد عصيد وغيرهم. محمد ضريف، الباحث الذي قضى دهرا في البحث في قضايا الحركة الإسلامية، يعتبر أن "هذه المعارك لا تقتصر عليهم فقط، بل هي قواسم مشتركة في التيار السلفي عموما، لكن ورغم ذلك، يجب التفريق بين تيار يكفر وتيار آخر يدعو إلى الجهاد"، بينما يذهب أخرون إلى صعوبة التمييز بين الاتجاهين، انطلاقا من إمكانية ترتيب الجزاءات على التصنيف، فعندما يتهم شخص ما بأنه كافر أو خارج عن الملة أو مرتد، فإن جزاء المرتد طبقا للقراءة السلفية المتشددة والسطحية للنصوص هي القتل .
الجهاد كلما سنحت الفرصة
لا تخفي اللجنة دعوتها، في وقفاتها، إلى ضرورة الجهاد ومساندة الشعوب الإسلامية. وتبرر التصريحات التي صدرت عن مسؤوليها في هذا الباب بأن "السياق الإقليمي أثناء قولها بذلك كان يدعو للجهاد؛ بما فيه الفتوى التي صدرت عن مؤتمر علماء المسلمين بمصر سنة 2013، الذي دعا للنفير من أجل مساندة الشعب السوري، وكذا موقف المغرب الايجابي من المعارضة السورية"، لكن لما تغير السياق، وأصبحت الدولة تحاسب العائدين من مناطق الصراع، أو الراغبين في الالتحاق بها فإن اللجنة أصبح لها موقف آخر، إذ يؤكد مسؤولها الإعلامي أن "من ثبت تورطه في أي شي يتعلق بسوريا يتم طرده".
ومع ذلك، ظلت اللجنة ترفع شعارات تدعو من خلالها الدولة المغربية، بأن "تفتح لها الحدود من أجل الجهاد في سوريا"، ويكفي في هذا الباب الاستشهاد بفيديوهات رشيد الزنطار وعبد الرزاق أجاحا، الناشطين في مدن الشمال.
إحدى المؤشرات القوية على توجه اللجنة تجسده قناتها على اليوتوب "الراصد"، التي تدمج أناشيد "قوافل الشهداء" ذات الصلة بـ"القاعدة" في كل إصداراتها. ويعود منتصر حمادة ليعلق على ذلك بالقول إن تيارهم "ينهل من نفس المعين السلفي الوهابي، الذي قد يتحول أحيانا إلى تيار جهادي.. فبعض أتباع التيار السلفي، قد ينتصرون أيضاً للخطاب السلفي الجهادي، ولكن لا يكشفون عن تلك الآراء لاحتياطات أمنية".
كراهية أصحاب المراجعات !
يذهب الكثيرون ممن تحدثت إليهم "تيل كيل عربي " إلى أن إحدى المؤشرات على توجهات اللجنة أو التيار السلفي الذي يتحكم فيها يفضحه موثقهم من شيوخ المراجعات ، الذين راجعوا موقفهم من العنف وإمارة المؤمنين والجهاد.
يؤكد عبد الرزاق سوماح، الساعد الأيمن سابقا للشيخ حسن الخطاب، أن أصحاب اللجنة "تنقصهم الخبرة في الحياة والعلم، وكانوا يمثلون تيارا يرفض تيار المراجعات، لهذا لم نطلب منهم الحديث باسمنا". ويؤكد هذا الأمر (م.ج) أحد مؤسسي اللجنة، الذي رفض كشف اسمه، ويسر لنا بأنه توارى إلى الخلف "بسبب كره اللجنة لأصحاب المراجعات الفكرية".
يرد عصام شويدر بأنهم يولون أهمية للحوار على المراجعات؛ "إذ لا يمكن الثقة في الذين يتبنون المراجعات مقابل الحوار الذي يفضي إلى نتيجة متقدمة".