لحماية الأطفال.. الشامي يطالب بوضع آليات لتحديد سن الرشد الرقمي

خديجة قدوري

أكد أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، خلال اللقاء التواصلي الذي عُقد اليوم الخميس 30 من الشهر الجاري، على أهمية توفير بيئة رقمية دامجة وآمنة للأطفال. ويأتي هذا في ظل التزايد المستمر لاستخدام خدمات الإنترنت، والتجهيزات الذكية، وشبكات التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية، وتطبيقات التراسل الفوري، بالإضافة إلى برمجيات الذكاء الاصطناعي.

وأشار الشامي إلى أن التحول الرقمي المتسارع، وهو مسار لا رجعة فيه، يوفر فرصًا هامة للأطفال، حيث يسهم في تعزيز نموهم الشخصي، وتنمية قدراتهم التعبيرية والإبداعية، وتوسيع آفاقهم المعرفية. كما يمنحهم إمكانيات غير محدودة للانخراط في أنشطة تفاعلية وترفيهية متنوعة، مما يفتح أمامهم آفاقًا جديدة للتعلم والتطوير.

وأوضح الشامي، أن الحياة اليومية أصبحت تتشكل بشكل متزايد داخل بيئة رقمية دائمة التطور، تحمل في طياتها فرصًا هامة للتعليم والتعلم والانفتاح والإنتاج وتطوير المهارات. ومع ذلك، فإنها تنطوي أيضًا على مخاطر قد تهدد السلامة الجسدية والمعنوية، والحياة الخاصة، والمعطيات الشخصية، لا سيما بالنسبة للأطفال، مما يستدعي تعزيز سبل الحماية والوعي الرقمي. وبالتالي، كيف يمكننا ضمان بيئة رقمية آمنة لأطفالنا دون أن نحرمهم من الاستفادة الكاملة من منافع الفضاء الرقمي؟.

وفي هذا السياق، قال إن رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يأتي في ظل تزايد الاستعمال المفرط لشبكات التواصل الاجتماعي من قِبل الأطفال، سواء على المستوى الوطني أو الدولي. فقد بلغ عدد مستخدمي منصات مثل فيسبوك وواتساب وإنستغرام مليارات الأشخاص حول العالم خلال سنة 2023، مما يعكس الانتشار الواسع لهذه الوسائل وتأثيرها المتزايد على الحياة اليومية للأطفال.

وكشف أنه في المغرب، يستخدم حوالي 9 من كل 10 أشخاص المنصات الاجتماعية، فيما بلغت نسبة الأطفال دون 18 سنة الذين يستعملون هذه المنصات حوالي 97 بالمائة مع بداية سنة 2024. كما أن 31 بالمائة من المغاربة يستخدمون فيسبوك، و27.8 بالمائة يوتيوب، إلى جانب منصات أخرى تحظى بشعبية واسعة بين مختلف الفئات العمرية.

ولفت إلى أن العديد من الدراسات أكدت أن الاستخدام المفرط وغير الملائم لهذه التكنولوجيات والمنصات الرقمية يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة الجسدية والنفسية للأطفال، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة مثل السلوكيات الإهمالية، والعنف، واضطرابات القلق، والانغلاق على الذات، والعزلة، وإيذاء النفس، واضطرابات النوم، ومشاكل التركيز، والاكتئاب، وقد يصل الأمر أحيانًا إلى محاولات الانتحار.

واستطرد قائلاً: "وتتفاقم هذه المخاطر في ظل غياب أو ضعف الآليات القانونية والتكنولوجية الملائمة لحماية الأطفال، وضبط ولوجهم إلى البيئة الرقمية. وهذا التحدي مطروح على الصعيد العالمي وتعاني منه مختلف البلدان بما فيها المغرب. إذ أن الالتزامات الدولية والتشريعات الوطنية الحالية ذات الصلة بحماية حقوق الطفل تبقى غير كافية لمواجهة العواقب المحتملة الناتجة عن استخدام الأطفال للرقميات، بما في ذلك التعرض للاستغلال الجنسي، والتحرش الإلكتروني، والعنف، والابتزاز، وغيرها من المخاطر".

وأفاد أنه وعلى الرغم من وجود تدابير ومبادرات للوقاية والتوعية والتحسيس التي ينفذها فاعلون عموميون ومجتمع مدني، إلا أن هذه الجهود تظل مجزأة ومعزولة، ولا تلتئم ضمن رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى حماية الأطفال بشكل فعال ومستدام في البيئة الرقمية.

وأضاف الشامي، قائلاً: "هناك تردد وحيرة في أوساط الأسر بين إيجابيات وسلبيات ولوج الأطفال إلى الفضاء الرقمي، كما لاحظنا ذلك من خلال نتائج الاستشارة المواطنة التي أطلقها المجلس في إطار إعداده لهذا الرأي. فقد أشار حوالي 58 بالمائة من المشاركين إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي ليست مفيدة للأطفال، بينما اعتبر حوالي 42 بالمائة أن هذه الشبكات قد تحمل آثارًا إيجابية محتملة ابتداءً من سن 15 عامًا".

وذكر الشامي،  أن 69 بالمائة من المشاركين عبروا عن قلقهم بخصوص استخدام الأطفال لشبكات التواصل الاجتماعي، حيث أفاد أغلب المشاركين بأنها تشكل خطرًا كبيرًا على الأطفال الذين يقل عمرهم عن 12 سنة. كما أشار أكثر من 30 بالمائة من المشاركين إلى أنهم عاينوا أو سمعوا عن حالة واحدة على الأقل من حالات الانتهاك النفسي أو الجسدي للطفل المرتبطة بالبيئة الرقمية.

ولفت إلى أن 88 بالمائة من المشاركين يؤكدون على أهمية إدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية، كوسيلة للوقاية من المخاطر المرتبطة بشبكات التواصل الاجتماعي على المدى البعيد.

في سياق متصل، قال الشامي: "استنادًا إلى هذا التشخيص، يوصي المجلس بإنشاء بيئة رقمية دامجة تضمن حماية الأطفال، وهو ما يستدعي تكثيف الجهود والتعاون بين مختلف الأطراف المعنية. ويجب أن يتم ذلك من خلال إدراج حماية الأطفال على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ضمن أولويات السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة".

وأضاف في هذا الصدد أن المجلس يرى ضرورة إيجاد التوازن الملائم بين مزايا التكنولوجيات الرقمية من جهة، وضرورة وضع آليات لتحديد سن الرشد الرقمي، الذي يتيح للطفل قانونًا الولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعي، مع اتخاذ تدابير تقييدية لمنصات مثل الالتزام برفض تسجيل القاصرين دون موافقة الوالدين.

واستطرد الشامي، قائلاً: "ثانيًا، يجب ملاءمة الإطار القانوني الوطني مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، لاسيما ما يتعلق بتوصيف الجرائم المرتكبة على الإنترنت، وتوضيح المسؤوليات بالنسبة للمقاولات التكنولوجية والمتعهدين في مجال الاتصالات. كما يجب تحديد القواعد المؤطرة لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي من طرف الأطفال، لضمان حماية حقوقهم وسلامتهم في الفضاء الرقمي".

واسترسل قائلاً: "يجب تحديد بروتوكولات واضحة وسريعة للإبلاغ عن المحتويات غير الملائمة أو الخطيرة ومعالجتها، مثل التحرش الإلكتروني والمحتويات المتضمنة للعنف، وذلك من خلال تكثيف التعاون بين السلطات العمومية والمنصات الرقمية. كما ينبغي استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف بشكل استباقي عن المحتويات غير اللائقة للقاصرين، لضمان بيئة آمنة لهم في الفضاء الرقمي".

وقال الشامي: "يجب إدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية منذ سن مبكرة، مع التركيز على تطوير الروح النقدية والتحقق من المعلومات. وأخيرًا، ينبغي تنظيم حملات للتوعية والتحسيس موجهة للأسر، وأمهات وآباء الأطفال، والمستعملين بشكل عام بشأن المخاطر المرتبطة بشبكات التواصل الاجتماعي".