تطعيم ضد "المتحور الجزائري المستجد"

أحمد مدياني
أحمد مدياني

دون الاحتكام إلى شروط العرض والطلب، وضع بائعٌ بارت تجارته، كل بضاعته منتهية الصلاحية، أمام من لا يرغب في شرائها أصلا. اختار كرها وفق ما تم ترويضه عليه، جعل كل ثروات شعبه فداء لتهوره. ذبح قرابين خراطيم البترول والغاز، وجعل من إيراداتها أضحية على أعتاب من يغازل وده منذ العقود القليلة على نشأة "دولته"، لأجل غرض واحد دون غيره..

محاولة تجاوز عقدة التاريخ والجغرافيا.

مستهل هذا المقال ليس استعارة أو قصة قصيرة، ولا حتى مسلسلا أو فيلما، تسبقه عبارة: "ما ورد هنا هو فقط من وحي خيال الكاتب..".

بل إنه واقع، تتكرر انتكاسات من تعنيهم حروفه، بتسارع، يوميا.

شهر مارس الماضي، استفاق الشعب الجزائري، ومعه شعوب العالم، على فقرة نشرتها وكالات الأنباء الدولية. وهللت لها تلك التي تتقاسم مع جنرالات الجارة الشرقية، في السر قبل العلن، عقدة التاريخ والجغرافيا.

جاء فيها: "في خطوة جديدة نحو تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الجزائر والولايات المتحدة، أعلن السفير الجزائري لدى واشنطن، صبري بوقادوم، عن العمل المشترك على تنفيذ خطط تنفيذية قصيرة المدى لتوسيع الشراكة بين البلدين".

ماذا تتضمن هذه الخطط؟

حسب السفير شخصيا، ولا نزيد عليه أي حرفٍ.

"عرض ما تحت تراب أرض الجزائر وما فوقها وما يطير في سمائها.. بل حتى ما يمكن أن يعوض صفقات السلاح التي اعتاد شراءها من حلفائه، عند مشرق الشمس وليس مغربها..."

جعل السفير الجزائري صبري بوقادوم لدى الولايات المتحدة الأمريكية، العلاقات الدبلوماسية، من موقع تحالف المصالح الاستراتيجية بكل تفرعاتها، ما يشبه عرض أجزاء خردة سيارة انتهت صلاحية تجوالها على الطرق الفرعية منذ سنوات، وعلى الطرق السيارة الرئيسية منذ عقود.

أثقلت المقال بالتهكم. نعم، لأن واقع الحال لا يقبل غير ذلك.

لماذا؟

يجب أن ينتظر الشعب الجزائري، قبل شعوب العالم وقبلهم مواطنو دول إفريقيا، بلاغا "حازما" من وزارة خارجيتهم.

يعلن سحب السفير بوقادوم الذي لم ينل أي شيء من كنيته.

ألم تسحب الجزائر سفيرها من فرنسا!؟ حين أعلن ماكرون اعتراف جمهوريته بمغربية الصحراء. وغيره كثير.

اعتدنا مع خارجية الجزائر، ووكالتها الإعلامية الرسمية، أنهما تنشطان فقط حين يتعلق الأمر بالنواح حين توضع حفة تراب إضافية فوق قبر مخططات دعمها للانفصال وتفتيت الدول وتهديد مصالح استفادتها من التنظيمات التي تنشط في زعزعة استقرارها.

اليوم، من وجهة قناعاتها الوهمية، الولايات المتحدة الأمريكية، تجدد، بل تشدد على دعمها لما يخرج جنرالات الجزائر عن صوابهم الجماعي.

مع ذلك، لم نقرأ أي بلاغ طارئ ضد أمريكا ورئيسها ترامب. لم تفاجئنا بموقف "يوبخ"، مايك والتز، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.

تلك البلاغات التي تصبغ باللون الأخضر في مقدتها، مثل لون العملة الصعبة، التي بدونها، وبدون رائحتها والحقائب التي يتم حشوها بها، لما استمرت أسطوانة الانفصال تزعج آذان العقلاء داخل الجزائر قبل خارجها.

يوم 30 يوليوز من سنة 2024، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج عن سحب سفير الجزائر لدى فرنسا بأثر فوري.

وربطت ذلك بالموقف الفرنسي الذي أنهى تهور دعم الانفصال، واعترف بأن الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية جزء لا يتجزأ منها.

أو كما قال الرئيس الفرنسي ماكرون تحت قبة البرلمان المغربي، بعد بلاغ الخارجية الجزائرية البائد، بأشهر: "حاضر ومستقبل الصحراء تحت السيادة المغربية..."

وأجاب المغاربة، رغم كل ما قاله القاطن بقصر الإيليزي، بأن حتى التاريخ القديم يعترف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء وما يتجاوز تلك الحدود شرقا، ولو لم تكن لدى المملكة المغربية قناعة التضحية لأجل استقلال الجيران، قبل التفاوض على ترسيم الجغرافيا، لا كانت تحوز آلاف الكيلومترات المربعة المستحقة.

لنترك هذا الفاصل الجدي جانبا.

نود أن نلعب لعبة تعجب الجيران.

ما هي؟

لعبة سحب السفراء.

هنا، ينتظر أشقاؤنا الأفارقة أساسا، بلاغا للخارجية الجزائرية، بعد تجديد إدارة الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بمغربية الصحراء.

تتضمن هذه الفقرة أساسا:

"باعترافها بالمخطط المغربي للحكم الذاتي كأساس وحيد لحل نزاع الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة، فإنّ الحكومة الأمريكية تنتهك الشرعية الدولية وتتنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتناقض كل الجهود الحثيثة والدؤوبة التي تبذلها الأمم المتحدة بهدف استكمال مسار تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، فضلاً عن كونها تتنصل من المسؤوليات الخاصة التي تترتب عن عضويتها الدائمة بمجلس الأمن الأممي".

وتضيف بعدها:

"قررت الحكومة الجزائرية سحب سفيرها لدى الولايات المتحدة الأمريكية بأثر فوري، على أن يتولى مسؤولية التمثيل الدبلوماسي الجزائري في أمريكا من الآن فصاعداً قائم بالأعمال".

هل يمكن أن تنشر خارجية الجزائر ما سبق؟!

لا نعتقد ذلك، لأنها، ودون علمها، طور المغرب مجانا ودون بهرجة، التطعيم المناسب للشفاء من فيروس "المتحور الجزائري المستجد"، ونشهد منذ فترة تسريع شروط استئصاله.

استئصال الانفصال وزعزعة الاستقرار، لأجل غنائم "نياشين" من يكنزون الثروات على حساب شعوب القارة ككل، وليس شعبهم فقط.

التطعيم طرحه المغرب والطلب عليه يفوق العرض.

أما الداء، كما قلنا في مستهل المقال، فبضاعته بارت، ورغم كل التخفيضات والعروض الخاصة والمغازلة بحقائب العملة الخضراء وما ينتجها، فإنه يحاصر، بل تتسع دائرة الراغبين في اقتناء جرعات التطعيم ضده.

استرادك: نشر هذا المقال قبل بلاغ وزارة الخارجية الجزائرية بخصوص الموقف الأمريكي، صدق الأول في توقعاته، ولم تُخلف الثانية موعدها مع دس رأسها في الرمال المتحركة.