العرجة: الشرقي الحرش
لم يكن أبناء الجماعة السلالية "أولاد سليمان" بمدينة فكيك يتوقعون أن يأتي يوم يتم فيه إجبارهم على مغادرة واحة "العرجة"، التي أقاموا عليها ضيعات من التمور تضم حوالي 30 ألف نخلة، بعضها توارثوه أبا عن جد، بدعوى أنها تقع ضمن التراب الجزائري وليس المغربي ضدا على منطق التاريخ والجغرافيا.
ففي 18 من فبراير الماضي، فوجئ عبد المالك بوبكري، وهو مالك إحدى الضيعات بالمنطقة بقدوم عناصر عسكرية جزائرية إلى ضيعته، وطلبوا منه حمل أغراضه ومغادرة المنطقة رفقة باقي المستغلين دون عودة، وهو الخبر الذي لم يصدقه في البداية، حيث قرر التوجه للسلطات المغربية من أجل الاستيضاح، إلا أنه لم يتلقى الجواب إلا في 8 مارس الجاري.
ولم يكن الجواب سوى اقرار السلطات المغربية بأن تلك المنطقة تقع ضمن التراب الجزائري وفقا لاتفاقية الحدود المبرمة بين البلدين سنة 1972، وهو جواب نزل كالصاعقة على عبد المالك وأبناء عمومته، الذين قضوا زهرة في غرس نخيل الواحة وجني ثمارها.
وبحسب عبد المالك، فإن العسكريين الجزائريين منحوه رفقة باقي المستغلين مهلة تنتهي بداية يوم 18 مارس من أجل حمل أغراضهم، ومغادرة المنطقة التي لا يفصلها عن فكيك سوى 4 كيلومترات إلى الأبد.
ومن أجل تسليط الضوء على هذه القضية من كافة جوانبها، حل "تيلكيل عربي" يوم 17 مارس بمنطقة "العرجة" وعاش جو الساعات الأخيرة، التي قضاها عدد من أبناء مدينة فجيج في ضيعاتهم، قبل أن يودعوها بالدموع.
الطريق إلى "العرجة"
صبيحة أمس الأربعاء 17 مارس الجاري، انطلقنا رفقة مصطفى اللالي، وهو أستاذ في مادة التاريخ، ورئيس سابق لجماعة فجيج نحو منطقة العرجة عبر أحد المسالك.
طيلة مسارنا، بحثنا يمنة ويسرة، لعلنا نعثر على علامة تدل على أن أقدامنا ستطأ أرضا جزائرية باستثناء عنصرين من أفراد القوات المساعدة كانا يرابطان بالقرب من واد "العرجة"، وهو واد غير دائم الجريان ويتغذى على مياه الأمطار فقط، حيث كانا يقومان بالتحقق من هوية القادمين إلى الواحة.
وطيلة الرحلة صادفنا شاحنات ودراجات ثلاثية العجلات تنقل فسائل النخل المغروسة حديثا إلى مناطق أخرى من أجل إعادة غرسها أو بيعها، وذلك في صراع مع الزمن، حيث لم تتبقى سوى ساعات على منعهم من المستغلين من ولوج ضيعاتهم ثانية.
وداع وعزاء
بخطى متثاقلة يتوجه عبد المالك نحو البيت الذي كان يخزن فيه محصوله السنوي من ثمر واحة العرجة، قبل أن يخرج المفتاح من جيبه ويفتح الباب لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة.
كانت ملامحه لا تخفي مشاعر الحزن وخيبة الأمل، يبدو كشخص فقد قريبا عزيزا، كيف لا، وهو الذي تفيأ ظلال الواحة وارتوى من مائها حتى أصبحت جزء لا يتجزأ من كيانه ووجدانه.
عبد المالك، الذي قضى جل عمره في هذه الواحة لم يكن يتصور أن يأتي يوم يتم فيه إخباره بأنه يقيم فوق أرض جزائرية رفقة عدد من أبناء مدينة "فكيك"، فهذه الأرض، التي يقول أنها ورثها أبا عن جد قبل أن تحصل الجزائر على استقلالها أصبحت هي مورد رزقه الوحيد، الذي لا بديل عنه. قبل أن يخرج يلوح بوثيقة تؤكد ملكيته للأرض منذ 1939.
يقول عبد المالك"منذ أخبرنا بضرورة إخلاء المنطقة وعدم العودة مرة أخرى ابتداء من يوم 18 مارس الجاري، وأنا محبط كليا".
ويضيف " ما يزيد من إحباطي هو أنني لن أجد عملا أقضي فيه وقتي ابتداء من يوم غد، فأنا ألفت العمل والإنتاج هنا منذ 30 سنة، أما اليوم فأنا بدون عمل".
وبحسب عبد المالك، فإن ضيعته التي تضم 1500 نخلة كانت تدر عليه أرباحا سنوية تتراوح ما بين 25 مليون و30 مليون سنتيم، كما كانت تساهم في تشغيل عدد من أبناء ونساء المنطقة، وهو ما لم يعد ممكنا الآن، حيث تبخر كل شيء.
ويتابع "الأرض ذهبت ولن تعود، واليوم يجب أن تبحث لنا السلطات عن حل".
وخلال تجولنا في الواحة، التقينا بعامل يبلغ من العمر 63 سنة، صرح لنا أنه ظل يعمل في هذه الواحة منذ سنة1971 وأنا اشتغل في هذه الواحة.
ويضيف عمر بعض هذه الضيعات يتجاوز 100 سنة، وقد ورثها أبناء فكيك عن أجدادهم.
وقد أكد لنا أن هذه الواحة تشكل مصدر رزقه الوحيد، حيث يعمل في إحدى الضيعات الكبيرة التي تعود لأحد أبناء الجالية المغربية في فرنسا بمبلغ 4 آلاف درهم شهريا، لكنه ابتداء من اليوم سيصبح بدون عمل.
لا يعرف هذا العامل لا ما يخبئه له القدر، لكنه يستبعد أن يحصل على عمل بعد إجباره على مغادرة الضيعة، التي يقدر حجم الاستثمار فيها بحوالي 400 مليون.
ويقول من الواضح أنني لن أجد عملا كهذا، ثم من سيشغل شخصا في مثل سني. مؤكدا "لدي خمسة أطفال يحتاجون إلى القوت اليومي، فمن أين سأصرف عليهم، بعدما شردت من عملي قصرا، قبل أن يختم حديثه قائلا: "وكلنا عليهم الله".
من جهته، يؤكد محمد عبو، وهو واحد من مستغلي الضيعات أنه بدأ عمله في الواحة منذ سنة 1991، وكان يعتقد دوما أنه في أرض مغربية. فبحسبه لا يستقيم الحديث عن أرض جزائرية في ملكية مغاربة.
يعرف محمد عبو المنطقة بشكل دقيق جدا، فقد قاد "تليكيل عربي" في جولة وسط الضيعات وبدـ يشير بيده قائلا: هنا الحيز الخاص بولاد حسون وهنا الحيز الخاص باولاد يحيى وهناك الحيز الخاص بلودانة.
ويضيف "أملك هنا 180 نخلة وبئرا للسقي وبيتا، ومنذ سنة 1991 لم يمنعني أحد من الولوج إلى ضيعتي"، قبل أن يستدرك قائلا: حينما اندلعت الحرب الأهلية في الجزائر زارني بعض عناصر الجيش المغربي وطلبوا مني المغادرة حفاظا على سلامتي من المسلحين الجزائريين، الذين كانوا يمرون بالقرب من مقر إقامتي من أجل الوصول إلى مدينة بشار، لكنني رفضت بشدة، إذ قلت لهم حينها أنا بنيت منزلا هنا، ولا يمكنني المغادرة".
ويتابع "قلت لهم حينها إذا أردتم حمايتي فيمكنكم أن تقيموا معسكرا بالقرب مني، أما أن أغادر أرض أجدادي، فهذا غير ممكن".
ويزيد عبو قائلا" هذه الواحة لا تهم الفلاحين فقط، بل هي بيئة متكاملة تعيش فيها الطيور والحشرات والحيوانات، التي قد لا تجد ماء غدا"
ويبدو أن عبو لا يعول كثيرا على وعود السلطات بإيجاد حل لقضيته وقضية باقي الفلاحين والمستثمرين من أبناء فكيك، إذ صرح لـ"تيلكيل عربي" قائلا: "حنا دايرينها في يد الله، وعند الله سنعرف لمن هذه الأرض، هل هي لأبناء فكيك أم للجزائر".
وبينما نحن نتبادل الحديث مع أبناء المنطقة، حضرت إلى عين المكان عدد من العائلات التي قدمت من مدن أخرى من أجل مواساة أبناء عمومتهم، حيث ظلت عبارة "الله يصبركم" تتردد في كل لقاء، بينما لم يستطع آخرون حبس دموعهم حزنا على ضياع مكان كان بمثابة متنفس لمدينتهم، فضلا عن أهميته الاقتصادية والإنتاجية.
من يملك السيادة على العرجة؟
هل منطقة العرجة جزائرية؟، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا ترك هؤلاء الفلاحون يستغلون هذه الضيعات طيلة عقود؟ وهل تم تطبيق اتفاقية ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر كما وقعت؟
للإجابة عن هذه الأسئلة كان لا بد من العودة إلى تاريخ المنطقة، خاصة في ظل الحقبة الاستعمارية وبداية التوغل الفرنسي في المغرب من بوابة الجزائر.
ويعتبر عبد الرحمان الحرادجي، أستاذ الجغرافيا السياسية وباحث في تاريخ المنطقة أن هذا المشكل القائم حاليا بين المغرب والجزائر ليس بمشكل ظرفي، بل إنه بنيوي وجذوره قديمة، ونحن لا نعيش سوى حلقة من حلقاته المتكررة عبر الزمن ليس فقط بين الجزائر والمغرب، فالجزائر وليدة سنة 1962 أي سنة استقلالها عن فرنسا، وإنما المشكل قائم منذ بدأت فرنسا تتجه نحو التخوم المغربية من غرب الجزائر المحتلة.
عبد الرحمان الحرادجي أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة وجدة
ويضيف في تصريح لـ"تيلكيل عربي" هذه التحرشات كانت تقع في منطقة لم تكن خاضعة لأي سيادة باستثناء أهل فكيك، وأهل فكيك هم مغاربة ولم يكن لهم قبل ذلك أي انتماء لأي سلطة غير السلطة المغربية. مبرزا أن فرنسا بدأت باحتلال بني ونيف وبشار وضمها للجزائر، حيث كانت تعتقد أنها ستؤبد وجودها في الجزائر.
ورغم احتلال فرنسا لبني ونيف القريبة من فكيك، إلا أن منطقة العرجة لم يتم الحاقها بالجزائر، بل إن هناك وثيقة حصلنا عليها تعود إلى سنة 1950 وقعها شيوخ المنطقة، والتي رفضوا فيها بشكل واضح أداء ضريبة التمور لدى حاكم قصر بني ونيف، وأكدوا انتماؤهم للمغرب.
كما حصل "تيلكيل عربي" على وثيقة أخرى، تؤكد إقرار إدارة الضرائب المغربية بملكية أبناء قصر "أولاد سليمان" لمنطقة العرجة، وهي وثيقة تعود إلى تسعينات القرن الماضي، أي بعد اتفاقية ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر.
وبحسب الحرادجي فإن المغرب ترك أمر الحدود مع الجزائر معلقا، ولم يوافق على استرجاع ما أخذته منه فرنسا مقابل التخلي عن دعم الثورة الجزائرية، وظل داعما للمقاومين الجزائريين
ويؤكد أستاذ الجغرافيا السياسية أن المغاربة كانوا يعتقدون أن مشكل الحدود سيحل بشكل أخوي مع الجزائريين، لأن هناك مجالات دأب أهل فكيك على استغلالها أبا عن جد، وبالتالي كانوا يعتقدون أن مشكل الحدود غير مطروح بينهما، لأنهم يعرفون المنطقة معرفة دقيقة وميدانية، لكن الذي حدث أن سلطة الاستقلال الجزائري، رفضت المساس بالحدود الاستعمارية، وهو ما أدى لاندلاع حرب الرمال في هذه المنطقة عام 1963.
ويلفت الحرادجي أن هذه الحرب، لم تعد لنا الأرض التي كنا ننوي استرجاعها، ولكن رغم ذلك استمر أهل فكيك في استغلال الأراضي التي تقع شرق الحدود الحالية. قبل أن يبدأ الوضع في التغير بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر سنة 1972
وضعية العرجة في اتفاقية ترسيم الحدود
في 15 يونيو من سنة 1972 وقع المغرب والجزائر اتفاقية من أجل ترسيم الحدود بينهما. وجاءت المعاهدة مرفوقة بمعاهدة أخرى تتعلق بالاستثمار المشترك لمنجم غارة جبيلات في تندوف، إلا أن ذلك لم يتم.
ويؤكد الحرادجي أن الفقرة من المادة الأولى في الاتفاقية التي تم الاستناد إليها لادخال منطقة العرجة هي التي تنص على أنه "وتسير، أي الحدود، عبر خط القمم مارة بالنقطة المرقومة 1544 . 1026، (جبل ملياس) وتمر بعد ذلك بخط القمم على المرتفعات التي تفصل واحات بني ونيف وفجيج، متجنبة منطقة الكثبان الرملية شرق هذه القرية مارة بالواد غير المسمى حتى التقائها بواد حلوف، تابعة هذا الواد شمالا حتى رأس بني سمير.
والملاحظ أن هذه الاتفاقية لم يتم نشرها في الجريدة الرسمية إلا في سنة 1992 دون أن تعرض على البرلمان من أجل المصادقة عليها، حيث كان الحسن الثاني يأمل في الحصول على موقف ايجابي من الرئيس الجزائري بوضياف بخصوص قضية الصحراء، إلا أن بوضياف اغتيل بأسبوع بعد نشر هذه الاتفاقية التي عارضها رئيس البرلمان حينها، أحمد عصمان.
ويصف الحرادجي هذه الاتفاقية بالمشؤومة لأنها تخلت عن أراضي مغربية، واستغلتها الجزائر لطرد الفلاحين المغاربة من واحات تاغلة والملياس وتمزورت والمراجي.
بعد توقيع هذه الاتفاقية أصبح استغلال أهل فكيك لهذه المناطق رهين بالعلاقات التي تسود بين الدولتين المغربية والجزائرية، فحينما تكون هذه العلاقات جيدة كنا نستغل هذه الأراضي بدون أي مشكل، وهذا اعتراف صريح بأن الأراضي الواقعة شرق الحدود ملك للمغاربة، وأهل فكيك يتوفرون على عقود ملكية، مقابل ذلك لا يوجد هناك جزائري واحد يملك شبرا في هذه الأراضي، يؤكد الحرادجي.
وبخصوص وضعية العرجة ضمن هذه الاتفاقية، قال أستاذ الجغرافيا السياسية "يبدو أن فيها غموض ناتج عن سببين، فأولا هناك بعض الأوصاف التي لا تطابق الواقع في هذه الاتفاقية، فحينما نتحدث عن واد غير مسمى فالأمر يقبل عدة تأويلات، فهناك أودية أخرى شرق العرجة، أما السبب الثاني فهو هو ترسيم هذه الحدود على الأرض، فلو تم رسم الحدود ميدانيا بوضع العلامات الحجرية لما استمر أهل فكيك في استغلال هذه الأراضي ولما حدث سوء تفاهم، مضيفا أن الجزائر دأبت على ضم الأراضي التي تعود للمغاربة بعد أكتوبر ع 1976 أي بعد عام تقريب على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء.
ويضيف" في أكتوبر 1976 منع أهل فكيك من الوصول إلى أراضي تاغلة والمراجي وتمزوغت وأمغرور والمياس، ولم يتم الحديث عن العرجة التي بقوا يستغلونها بضفتيها اليمنى واليسرى إلى حدود 18 فبراير من العام الجاري.
ورغم اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين تنص على تشكيل لجنة مشتركة لمباشرة وضع المعالم الحجرية للحدود الجزائرية المغربية، إلا أن هذه اللجنة لم تشكل ولم تنجز أي عمل ميداني.
ويرى الحرادجي أن السلطات الجزائرية قامت لترسم الحدود بمفردها ، ولكن يظهر أن السلطات المغربية لم تعترض على هذه الخطوة بل نفتها في البداية.
ولفت الحرادجي أن الحدود ينبغي أن تراعي ما يملكه البشر. مضيفا أن هذه الاتفاقية منحت الجزائر أرض لا تملكها، كما أن هذه اللجنة التقنية التي رسمت هذا الخط لا تعرف الميدان، ولم يكن لها أي اهتمام بالسكان وربما أنجزت في ظرفية صعبة وفي مكاتب بعيدة عن فجيج.
ويتابع "عندما احتج أهل فجيج، قال لهم الجزائريون هذه أراضي جزائرية وأنتم لا تملكون فوقها سوى النخل فإذا اندثر النخل اندثرت الملكية، وسيجري عليها ما جرى على باقي الأراضي التي لم يستغلها أحد"، لكن رغم اعتراف المغرب بأن تلك المنطقة تقع ضمن النفوذ الجزائري فإن القانون الدولي حقوق الملاك المتضررين.
وبينما تؤكد الجزائر عبر وسائل إعلامها أن هذا القرار جاء لضمان أمن حدودها ضد تهريب المخدرات، يعتبر الحرادجي أن هذه الخطوة جاءت ردا على النجاحات التي حققها المغرب، خاصة على مستوى قضية الصحراء. بينما تعيش الجزائر أوضاعا صعبة من الناحية السياسية.
هل هو قرار مؤقت وظرفي؟
لم تتفاعل السلطات المغربية مع هذه القضية بشكل علني في البداية رغم تناول وسائل الاعلام لها على نطاق واسع، وقد أجرى "تيلكيل عربي" مساء الأحد الماضي اتصالا مع والي جهة الشرق من أجل الحصول على توضيحات، لكن جوابه كان أنه لا يتوفر على معطيات حاليا، وأن الموضوع تتابعه السلطات الإقليمية، لكن يوم الثلاثاء الماضي أفاد بلاغ لعمالة اقليم فجيج بعقد لقاء مع عدد من مستغلي الأراضي الفلاحية المتواجدة بالمنطقة المسماة "العرجة" بحضور نائب أراضي الجماعة السلالية "أولاد سليمان" ومجموعة من أعضاء المجلس النيابي
وكشف البلاغ الذي توصل "تيلكيل عربي" بنسخة منه، أن اللقاء "خصص لتدارس التطورات المرتبطة بوضعية الأراضي الفلاحية المتواجدة بالجزء الواقع شمال وادي (العرجة) على الحدود المغربية – الجزائرية، وذلك على إثر اتخاذ السلطات الجزائرية لقرار مؤقت وظرفي يقضي بمنع ولوج هذه المنطقة ابتداء من تاريخ 18 مارس الجاري".
وبحسب عدد من الذين حضروا الاجتماع مع عامل الإقليم، فإن هذا الأخير أخبرهم أن السلطات الجزائرية بررت اتخاذ هذا القرار بمحاصرة فيروس كورونا المستجد، وهو التبرير الذي أثار استغرابهم واعتبروه لا أساس له، إذ أنه لا يوجد أصلا أي احتكاك بين المغاربة والجزائريين، فمن جهة هناك حدود طبيعية متمثلة في الجبال، ومن جهة أخرى هناك انتشار لحرس الحدود الجزائري، الذي يقوم بتمشيط المنطقة.
من جهة أخرى، يعيب أبناء المنطقة على السلطات المغربية تأخرها في التواصل معهم واطلاعهم على حقيقة الوضع، خاصة أن هناك اجتماعا عقد بين عناصر عسكرية مغربية وأخرى جزائرية على مقربة من الضيعات التي يستغلونها، معبرين عن أسفهم لإخبارهم من قبل الطرف الجزائري.
في هذا الصدد، يقول حسن مقران، واحد من مستغلي ضيعات العرجة في حديث مع "تيلكيل عربي" حينما طلب منا الجزائريون مغادرة المنطقة عقدنا اجتماعا مع الباشا، لكنه لم يقدم جوابا على تساؤلاتنا، ولم يخبرنا أننا داخل التراب الجزائري، قبل أن يطلب منا في لقاء ثان نقل أمتعتنا من المنطقة حفاظا على سلامتنا.
ويضيف "بعد ذلك أخبرتنا السلطات المغربية أنه لن يسمح لنا بدخول المنطقة بعد 18 مارس الجاري حفاظا على سلامتنا".
ويستهجن مقران حديث السلطات المغربية عن كون القرار الجزائري ظرفي ومؤقت، معتبرا أن الجزائريين لم يتقدموا للأمام كي يعودوا مرة أخرى للوراء.
وبحسب أمقران فإن مضايقات الجزائريين لملاك أرض العرجة ليس جديدا، بل كانت هناك مضايقات سابقة لكنها كانت ظرفية.
في هذا الصدد، يحكي مقران أنه في سنة 1976 انتظرت السلطات الجزائرية والده حتى قام بجني محصول النخيل وقاموا بمصادرته، بل إنهم قاموا باعتقاله قبل أن يطلقوا سراحه دون تدخل من السلطات المغربية، بحسبه.
ويضيف "السلطات المغربية لم تمنعنا من استغلال الأرض، ولم تحمينا من مضايقات الجزائريين، وهذا هو الخلل"، بحسبه
وبالنسبة لمقران، فإن الأرض لا ثمن لها وغير قابلة للتعويض، فهذه الأرض ليست ملكا لأصحابها فقط، بل هي جزء اقتطع من المغرب كما اقتطعت أجزاء أخرى
أي مستقبل للفلاحين والمستثمرين؟
يبدو أن هناك إرادة لدي السلطات المغربية في إيجاد حل لمأساة المتضررين، فقد أشار بلاغ عمال فجيج أن الاجتماع، الذي عقد مع عدد من مستغلي الأراضي الفلاحية المتواجدة بالمنطقة المسماة "العرجة" بحضور نائب أراضي الجماعة السلالية "أولاد سليمان" ومجموعة من أعضاء المجلس النيابي خصص لتدارس الحلول الممكنة للتخفيف من تداعيات قرار منعهم من استغلال الضيعات الفلاحية، وأكد أن "السلطة الإقليمية وبتنسيق وتشاور مستمرين مع الهيئات التمثيلية للجماعة السلالية ومستغلي الأراضي الفلاحية المعنية بقرار السلطات الجزائرية، ستبقى منكبة على دراسة وإعداد صيغ حلول تأخذ بعين الاعتبار كافة الاحتمالات الواردة"، لكن هذه الحلول قد لا تلاءم هؤلاء الفلاحين لأسباب متعددة.
مصطفى اللالي :الرئيس السابق لجماعة فجيج
وبحسب مصطفى اللالي، الرئيس السابق للمجلس الجماعي لفجيج فإن العرجة هي المجال الحيوي لفكيك، فهي منطقة تتميز بوفرة المياه الجوفية على عكس باقي المناطق، وهو ما سيطرح إشكالا على مستوى السقي، فضلا عن كون زراعة النخيل لا تمثل حلا آنيا لمشكلتهم، إذ أن شجرة النخيل تحتاج 15 سنة، حتى يمكن الحديث عن الاستفادة من غلتها.
بدوره، يقول عبد المالك البوبكري "حينما جلسنا مع العامل طلب منا تقديم اقتراحات وحلول، لكن أية مقترحات سنقدم، نحن كل ما نعرفه هو العمل في الواحة".
ويؤكد مصطفى اللالي أن السلطات المغربية مطالبة بإيجاد حل لهذه المعضلة باتفاق مع السلطات الجزائرية، مقترحا أن يتم منح أبناء المنطقة "إذن مرور" من أجل العمل في ضيعاتهم على غرار ما هو معمول في سبتة ومليلية.
وإلى ذلك، ينظم أبناء المنطقة مسيرات يومية لمطالبة السلطات بإيجاد حل للمتضررين، بينما توجهت عدد من سيارات الجيش إلى النقطة الحدودية لمنع وصول أي مواطن إلى العرجة ابتداء من يوم أمس
وأمس الخميس، خرج المئات من أبناء مدينة فجيج احتجاجا على منع السلطات الجزائرية لأبناء المنطقة من ولوج منطقة العرجة.
وعرفت المسيرة ترديد شعارات ضد النظام الجزائري، كما طالب المتظاهرون السلطات المغربية بضرورة التدخل من اجل انصافهم.