ونحن نخلد اليوم العالمي للمرأة، لا يمكن نفي الأدوار المهمة التي تقوم بها الحركات النسوية في سبيل تمكين المرأة من حقوقها، والنضال من أجل اكتساب أخرى، والدفع باتجاه مجتمع حديث يحفظ للمرأة مكانة مناسبة على مستوى الواقع عوض الشعارات الرنانة والواقع المرير.
لكن غالب حركات الإسلام السياسي تكن كرها دفينا للحركات النسوية، متهمة إياها بأنها جمعيات ذات تمويل أجنبي ، وبالتالي فهي ناطقة باسم الأجندات الأجنبية، بل يعتقد كثير من الإسلاميين أن هذه الحركات تهدم أسس الشريعة وتنسفها من أساسها.
لا زلت أذكر كيف كنا نشحن ضد امرأة باحثة وأكاديمية في قيمة وقدر الأستاذة فاطمة المرنيسي، لم نكن من شدة الشحن نفرق بينها وبين إبليس، نراها داعية للفجور والانحلال وضد كل قيم الخير والصلاح، كل هذا دون أن نقرأ ولو حرفا واحدا مما كتبته المرحومة وسطرته في كتبها، كم اندهشت يوم عدت لكتاباتها أقرؤها بكل موضوعية، فأجد نفسي أتقاطع معها في كثير من تحليلها ورصدها، ومحاولاتها لنقد التراث الديني حول المرأة، والعودة للاستشهاد بالعصور المزدهرة خلال القرون الأولى للإسلام، كثير مما كانت تطرحه ويواجه بحملات من التكفير والتجريح يقول به كثير من الإسلاميين اليوم!، العقل السلفي فقط من لا زال يحافظ على هذه المواقف المتشنجة، يعلق معلم اللغة الفرنسية محمد الفزازي على موت المرحومة فيقول: "لن أدعو للكاتبة الراحلة، فاطمة المرنيسي، لا بالجنة ولا بجهنم، لأنها كانت تقول إن الله ظالم... وعن آيته الكريمة: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين." إنها قسمة جائرة، إذن فالله جائر سبحانه عز وجل. إذا كانت تابت وماتت على ذمة الإسلام وهي تائبة من أباطيلها التي كتبت ، وقضت حياتها كلها وهي تدافع عنها وهي باطلة، فسأترحم عليها في السجود)
مثل هذا الشحن وأكثر منه، كان يطال أيقونة العمل النسوي الأستاذة عائشة الشنا، اتهامات لها بالجملة بالتشجيع على الفساد وإشاعة الفاحشة، لا يدرك هؤلاء جميعا ما تبذله هذه المرأة من جهود لرعاية النساء المتخلى عنهم، والأطفال دون مأوى، ما تقدمه هذه المرأة ومثيلاتها من خدمات للمجتمع أفيد وأنفع من صلاة كثير من المصلين وصيامهم.
كل المؤشرات تدل على أن هذه الحركات لا تقل وطنية عن باقي مكونات المجتمع، بل لربما تكون أكثر وطنية من عدد من المنتسبين للإسلام السياسي، الذين لم يكونوا يؤمنون بالوطن ولا حدوده ولا قوانينه!
لربما يكون سقف مطالب هذه الجمعيات المرتفع أحيانا غير مقبول في مجتمع لا زال يخطو خطواته الأولى نحو الانفتاح، ولا يعرف من مفهوم الحرية سوى اسمه على الحقيقة، ومع أنني أتفق مع الكثير من هذه المطالب التي لا زالت غير مقبولة في الوسط المجتمعي والسياسي، فإنني لا أنكر أن هناك مجالات اختلاف بشأن بعض الملفات المحصورة أصلا، والتي لا ترقى لتشكل ظاهرة شرخ ثقافي في المجتمع، كما يصور السلفيون وبعض الحركيين هذا الأمر !.
قد يكون لبعض النسويات يد في تلك الصورة القاتمة التي كونها الإسلاميون، من خلال استيرادهن لخطاب معاد للرجل، أو مغرق في الخطاب النسوي على سبيل الصراع كما هو موجود عند بعض الحركات المغالية في العالم الغربي ، لكن الأمر في المغرب لا يرقى لمستوى "الظاهرة" على الإطلاق، مما يعيد إلى الأذهان أصل المشكل في التصور التراثي للمرأة الذي يحمله المنتسبون إلى بعض الحركات السلفية، والذي يرون بموجبه أن وضع المرأة بشكله الحالي غارق في "الانحلال" و"الفسق"!..
أعتقد أنه من الواجب تثمين الدور الكبير الذي تلعبه الحركات النسائية في سبيل الحد من الظلم والاستغلال الواقع على المرأة، أكان في جانبه المادي أو المعنوي، وسواء تعلق باستغلال تأويل خاص للدين أو استغلال رأسمالي يسعى إلى ابتذال المرأة كسلعة في سوق الإنتاج الاقتصادي، الذي لا يفهم إلا لغة الأرقام، ولا تحضر فيه القيم الإنسانية.
في عالم اليوم، أصبح تسليع كل شيء وتنميط كل شيء هدفا أساسا لرؤوس الأموال الساعية إلى مراكمة المزيد من الأرباح، وهي في تضاعيف ذلك تستخدم الجسد الأنثوي كأداة مثالية لتحقيق الربح، في ضرب صارخ للقيم الدينية والإنسانية عرض الحائط.
ينبغي – في موضوع خطير كهذا- استحضار القيم الإسلامية، واستلهام مضامينها الحكيمة من أجل إيجاد منطقة وسطى، تضمن حق المرأة ومتطلباتها، وتنأى بها عن أي تسيب لا يخدم المجتمع، ويلقي به في براثن الانحلال الخلقي والمجتمعي.