مؤشر الحرية الأكاديمية 2025.. لماذا لا يزال المغرب خارج التصنيفات المتقدمة؟

بشرى الردادي

احتل المغرب المركز 97 عالميا من بين 179 دولة في مؤشر الحرية الأكاديمية لعام 2025؛ مما يعكس وضعا متوسطا إلى متدن، مقارنة بالمعايير الدولية.

وحسب تقرير صادر حديثا عن جامعة "Friedrich-Alexander" ومعهد "V-Dem"، حصل المغرب على نقاط بلغت 0.42 من أصل 1، وهو ما يضعه في فئة الدول ذات الحرية الأكاديمية المقيدة، بشكل معتدل.

وعلى مستوى القارة الإفريقية، جاء المغرب في المرتبة 14؛ حيث يتفوق على عدد من الدول التي تعاني من قيود صارمة، لكنه لا يزال بعيدا عن المراتب الأولى التي تتصدرها دول؛ مثل جنوب إفريقيا، وناميبيا، وبوتسوانا.

أما في السياق العربي، فاحتل المغرب المرتبة الخامسة؛ حيث سجل نقاطا أعلى من عدة دول خليجية؛ مثل الإمارات، والسعودية، لكنه جاء خلف تونس التي تُعتبر أكثر الدول العربية احتراما للحرية الأكاديمية.

ويعدّ مؤشر الحرية الأكاديمية (Academic Freedom Index - AFI) أحد أهم الأدوات العالمية لقياس مدى استقلالية المؤسسات الأكاديمية والبحثية، ومدى تمتع الباحثين بحرية البحث والنشر والتدريس.

ويعتمد المؤشر على خمسة معايير رئيسية، تشمل حرية البحث والتدريس، وحرية التبادل الأكاديمي، واستقلالية الجامعات، وسلامة الحرم الجامعي، وحرية التعبير الأكاديمي والثقافي.

ويتم تقييم هذه الجوانب بناء على دراسات وتحليلات لمئات الأكاديميين والخبراء الدوليين؛ ما يجعله أحد أكثر المؤشرات دقة في هذا المجال.

تحليل ترتيب المغرب مقارنة بالدول الأخرى

ويبرز ترتيب المغرب في مؤشر الحرية الأكاديمية عددا من الاتجاهات المهمة التي يمكن ملاحظتها عند مقارنته بدول أخرى. فعلى الرغم من أنه يتفوق على بعض الدول المجاورة؛ مثل الجزائر، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة تمنعه من التقدم إلى مستويات أعلى.

في المقابل، تتصدر تونس المنطقة العربية، بفضل استقلالية جامعاتها النسبية، وقلة التدخلات السياسية في القرارات الأكاديمية.

وعلى المستوى الإفريقي، هناك فجوة واضحة بين المغرب والدول التي تحتل المراتب الأولى؛ مثل جنوب إفريقيا، التي تعدّ نموذجا للاستقلال الأكاديمي في القارة.

ويعود ذلك، حسب التقرير، إلى السياسات الداعمة للبحث العلمي والاستقلالية المؤسسية التي تتبناها هذه الدول، وهو ما لا يزال المغرب بحاجة إلى تحسينه.

أما عالميا، فإن تصنيف المغرب يأتي في مرتبة متأخرة، خاصة عند مقارنته بالدول الأوروبية؛ حيث تتصدر دول مثل ألمانيا، والسويد، وفنلندا، المؤشر، نظرا إلى استقلالية مؤسساتها الأكاديمية والقوانين التي تحمي حرية البحث والتدريس.

التحديات التي تؤثر على الحرية الأكاديمية في المغرب

وسجل التقرير أن المغرب يواجه عددا من العوائق التي تحول دون تحقيقه مستويات أعلى من الحرية الأكاديمية، والتي يمكن تصنيفها في عدة محاور رئيسية؛ هي التأثير الحكومي والقيود السياسية؛ حيث لا تزال الحكومة المغربية تمارس تأثيرا كبيرا على الجامعات، خاصة في ما يتعلق بتعيين رؤساء الجامعات، وتمويل الأبحاث الأكاديمية. وفي بعض الحالات، تؤدي القيود المفروضة على بعض المواضيع البحثية؛ مثل القضايا السياسية أو الحساسة، إلى تقييد حرية الباحثين ومنعهم من العمل بحرية تامة.

أما المحور الثاني؛ فيتجلى في ضعف التمويل البحثي؛ إذ تعاني الجامعات المغربية من ضعف الميزانية المخصصة للبحث العلمي، مقارنة بدول أخرى في المنطقة؛ ما يجعل المؤسسات الأكاديمية تعتمد، بشكل أكبر، على التمويل الحكومي؛ مما يقلل من استقلاليتها ويحد من قدرتها على دعم البحث الأكاديمي المستقل.

بينما يتمثل المحور الثالث في القيود على حرية التعبير الأكاديمي. فرغم أن المغرب لا يشهد حملات قمع ممنهجة ضد الأكاديميين، كما هو الحال في بعض الدول الأخرى، إلا أن بعض الباحثين يواجهون تحديات عند مناقشة مواضيع حساسة أو التعبير عن آرائهم بحرية؛ مما قد يحد من الإبداع والابتكار في البحث العلمي.

وتابع التقرير أن المغرب يعاني، كذلك، من البيروقراطية والقيود الإدارية؛ حيث تشكل التعقيدات الإدارية والروتين الحكومي عقبة أمام تطوير البحث العلمي في المغرب؛ إذ يجد الأكاديميون أنفسهم مضطرين للامتثال لمجموعة من الإجراءات المعقدة التي تحد من حريتهم في التعاون الدولي وإجراء الأبحاث المستقلة.

كيفية تحسين وضع الحرية الأكاديمية في المغرب

وللنهوض بمستوى الحرية الأكاديمية في المغرب وتحقيق تصنيفات أفضل في المؤشرات العالمية، أوصى التقرير باتخاذ عدد من الخطوات والإصلاحات الجوهرية؛ منها "تعزيز استقلالية الجامعات"، موضحا أنه "ينبغي منح هذه الأخيرة المزيد من الاستقلالية في اتخاذ قراراتها الإدارية والأكاديمية، دون تدخل مباشر من الحكومة أو الجهات السياسية. ويجب أن تشمل هذه الاستقلالية تعيين رؤساء الجامعات بحرية، وتحديد المناهج الدراسية بشكل مستقل، وإدارة الميزانيات بمرونة أكبر".

كما أوصى بـ"إصلاحات تشريعية لحماية الحرية الأكاديمية، من خلال تطوير قوانين تحمي الأكاديميين من أي ضغوط سياسية أو قانونية قد تعيق عملهم البحثي، مع ضمان حقهم في مناقشة المواضيع الحساسة بحرية دون خوف من العقوبات"، و"زيادة التمويل المخصص للبحث العلمي؛ حيث يجب على الحكومة المغربية رفع الميزانية المخصصة للبحث العلمي، مع تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الأبحاث الأكاديمية، بما يعزز  استقلالية الجامعات ويدعم المشاريع البحثية الكبرى"، بالإضافة إلى "تشجيع التعاون الأكاديمي الدولي؛ إذ يمكن للمغرب الاستفادة من الشراكات الدولية في مجال البحث العلمي، من خلال تسهيل إجراءات التعاون مع الجامعات العالمية الكبرى، وتبسيط الإجراءات الإدارية التي تعيق مشاركة الأكاديميين المغاربة في مشاريع بحثية دولية".

ومن بين التوصيات، أيضا، "حماية حرية التعبير في المؤسسات الأكاديمية، من خلال إنشاء آليات قانونية تكفل حرية التعبير الأكاديمي، بحيث يتمكن الأساتذة والطلاب من مناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية والعلمية، بحرية، ودون مخاوف من التعرض لأي ضغوط أو مضايقات".