في الوقت الذي تسير فيه المؤسسات الرسمية وغير الرسمية نحو النشر الاستباقي للمعلومة لمحاربة الأخبار الزائفة والشائعات، قرّر كل من مجلس النواب والوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان منذ مدة حجب أجوبة الوزراء على الأسئلة الكتابية.
لم يقتصر الأمر على حجب الأجوبة فقط، بل شمل أيضا حجب نص السؤال الكتابي من موقع العلاقات مع البرلمان، واكتفاء الموقع بتقديم معلومات حول موضوع السؤال والقطاع المحال عليه، ورقم السؤال وتاريخ استلامه، ومن تقدم به.
في السابق، كان يتم نشر السؤال كاملا مع جواب الوزير على الموقع الرسمي للوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان.
أما مجلس النواب، أصبحت وتيرة نشر الأسئلة الكتابية في الموقع، لا تتم بشكل متزامن كما كانت في عهد الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب السابق، فآخر سؤال منشور إلى حدود كتابة هذه الأسطر تعود إلى الثلاثاء 13 فبراير 2024.
بشأن أجوبة الوزراء توقف الموقع عن نشرها منذ مدة.
خرق للنظام الداخلي
في هذا الصدد، قال محمد معاش، الباحث في العلوم السياسية، إن "الأسئلة التي يتقدم بها النواب والنائبات تعتبر وسيلة من الوسائل الدستورية من أجل ممارسة الرقابة على الحكومة والتي هي الاختصاص الثاني للبرلمان بعد اختصاص التشريع، ذلك أن الفصل 100 من الدستور المغربي نص على تخصص جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة، كما نص ذات الفصل على إدلاء الحكومة بأجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال عليها، وهو نفس الأمر الذي نصت عليه المادة 259 من النظام الداخلي لمجلس النواب".
وأوضح أن "تراجع مجلس النواب عن نشر أجوبة الحكومة على الأسئلة الكتابية لنائبات والنواب فيه خرق للنظام الداخلي للمجلس الذي ينص في المادة 277 على أن تنشر الأسئلة الكتابية وأجوبة الحكومة عنها في الجريدة الرسمية للبرلمان، غير أن الملاحظ أن الجريدة الرسمية للبرلمان تخصص فقط لمحاضر الجلسات العمومية".
أين الحق في الحصول على المعلومات؟
ولفت إلى أن "هذا التراجع يتعارض كذلك مع القانون رقم 31.13 يتعلق بالحق في الحصول على المعلومات الذي صادق عليه المجلس بالأغلبية بتاريخ 20 يوليوز 2016 والذي ينص في المادة 10 على النشر الاستباقي للمعلومات، فمن المفترض أن يكون البرلمان أول من يحرص على تفعيل القانون الذي صادق عليه".
وأكد المتحدث ذاته، أن "هذا التراجع يتعارض مع توجه مجلس النواب نحو الانفتاح البرلماني والذي يتجسد في انخراطه في برنامج الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة التي انخرط فيها سنة 2019".
شفافية العمل البرلماني
وشدد على أنه "لا يوجد ما يدفع مجلس النواب إلى حجب نشر الأجوبة عن الأسئلة الكتابية التي يتقدم بها النواب والنائبات بل العكس من ذلك أن نشر هذه الأجوبة من شأنه أن يعزز شفافية العمل البرلماني ويمكن العموم من معرفة أجوبة الحكومة عن الأسئلة الكتابية التي تتميز بكونها تمس انشغالاتهم، فبالعودة إلى موقع مجلس النواب نجد أنه تم طرح 14492 سؤال كتابي، أجابت الحكومة عن 10280 سؤال، ما يعني أن المجلس حجب عن العموم أزيد من 10280 معلومة تهمهم وهو أمر لا يستجيب إلى مبادئ الشفافية والحق في الحصول على المعلومة الذي هو نص دستوري بمقتضى الفصل 27 من الدستور".
ظل معلقا
ويشار إلى أن هند الرطل بناني البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، وجهت سؤالا كتابيا إلى الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، حول "أسباب حجب نصوص الأجوبة الحكومية على الأسئلة الكتابية للبرلمانيين في الموقع الإلكتروني الخاص بمجلس النواب"، يوم 14 دجنبر 2023.
هذا السؤال ظل معلقا بدون جواب، منذ ذلك الوقت.
من المسؤول؟
وممن توجه لهم أصابع الاتهام الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان في هذا الموضوع، لكن أورد مصدر مطلع لـ"تيلكيل عربي" أن "اختصاص الوزارة ينحصر أساسا في ضبط الأسئلة الشفوية والكتابية لأعضاء مجلسي البرلمان الموجهة للحكومة، بالإضافة إلى إعداد مشروع جدول زمني للإجابة عنها، طبقا لمقتضيات المادة الرابعة من المرسوم رقم 2.22.771 الصادر في 9 فبراير 2023 بتحديد اختصاصات وتنظيم الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 27 فبراير 2023 تحت عدد 7173".
ولفت إلى أن "مساءلة الحكومة حق شخصي لأعضاء مجلسي البرلمان طبقا لأحكام دستور المملكة لسنة 2011، واجتهاد القضاء الدستوري من خلال قرار المجلس الدستوري رقم 52/95 الصادر في فاتح شعبان 1415 (3 يناير 1995)، حيث نص في إحدى حيثياته على أن "ما تضمنته الفقرة الثانية من هذه المادة من كون تقديم الأسئلة الشفهية من النواب المنتمين إلى فرق نيابية يتم بواسطة رئيس الفريق الذي ينتمون إليه غير مطابق لأحكام الفصل 55 من الدستور الذي ينص على أن مساءلة الحكومة حق شخصي لأعضاء مجلس النواب يمارسونه دون واسطة، شأنهم في ذلك شأن النواب غير المنتمين إلى فرق نيابية".
وأكد المتحدث ذاته، أن "نشر الأسئلة الكتابية الموجهة من لدن النواب وأجوبة أعضاء الحكومة يسهر عليها مجلس النواب، طبقا لأحكام المادة 277 من نظامه الداخلي التي تنص على أن "تنشر الأسئلة الكتابية، وأجوبة أعضاء الحكومة عنها في الجريدة الرسمية للبرلمان".
وأوضح أن "المجلس المعني هو الجهة المخول لها الإدلاء بالمعلومات المطلوبة، أو النائب أو المستشار المعني بالجواب عن السؤال المذكور. كما أن إلزامية نشر هذه الأسئلة الكتابية، وأجوبة أعضاء الحكومة عنها تنحصر في الجريدة الرسمية للبرلمان، دون غيرها".
"صمت" مجلس النواب
في الأسبوع الجاري، حاولت "تيلكيل عربي" التواصل مع مجلس النواب للتعليق عن الموضوع، لكن ظلت أسئلتنا في النهاية بدون إجابة.
الجريدة الرسمية للبرلمان
إذا كان النظام الداخلي لمجلس النواب في مادته المادة 277 ينص على أنه "تنشر الأسئلة الكتابية، وأجوبة أعضاء الحكومة عنها في الجريدة الرسمية للبرلمان"، فعند الإطلاع على الجريدة الرسمية للبرلمان لا وجود لأي أسئلة كتابية وأجوبة أعضاء الحكومة.