حميد أقروط
تسود حالة من الذعر حاليا في صفوف سكان البلدان الواقعة بمنطقة إفريقيا الجنوبية، وفي مقدمتها جنوب إفريقيا، حيث أدى اكتشاف متحور جديد لوباء كوفيد-19 مثير للقلق إلى بث الخوف في نفوس السياح واستنفار في صفوف السلطات.
ولم يتسبب أي متحور آخر في مثل هذه الحالة من الهلع عبر العالم منذ ظهور متحور "دلتا"، خاصة وأنه لم ي عرف الكثير حتى الآن بخصوص السلالة الجديدة التي أطلقت عليها منظمة الصحة العالمية اسم "أوميكرون"، سوى كونها "مثيرة للقلق" وذات طفرات متعددة. وفي هذا الصدد، قال ريتشارد ليسيل، الأخصائي في الأمراض المعدية بجامعة كوازولو- ناتال الجنوب إفريقية "إن هذا الفيروس يتطور ويجد دائما طرقا للانتشار بين السكان وهو مصدر قلق في أي مرحلة من مراحل هذا الوباء".
وبعد إعلان علماء بجنوب إفريقيا، يوم الخميس الماضي، عن اكتشاف هذا المتحور الجديد لكوفيد-19، الذي و صف بأنه "من المحتمل أن يكون شديد العدوى"، تزايدت المخاوف في جميع أنحاء العالم ولم تتأخر ردود الأفعال إزاء هذا المعطى الجديد.
وهكذا، سارعت العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم إلى إعلان حالة الطوارئ، من خلال حظر دخول مسافرين قادمين من منطقة إفريقيا الجنوبية، ولا سيما جنوب إفريقيا ، وبوتسوانا ، وزيمبابوي ، وناميبيا ، ولوسوتو ، وإسواتيني ، والموزمبيق ، وملاوي، إلى أراضيها.
وقد وصفت السلطات بجنوب إفريقيا قرار هذه الدول بعزل البلاد ومنطقة إفريقيا الجنوبية برمتها، بأنه "محبط" و"مربك" و"متسرع"، معتبرة أنه تم اتخاذه قبل الكشف عن جميع الجوانب المتعلقة بهذه السلالة الجديدة من الفيروس. وبالنظر إلى الانعكاسات السلبية لإغلاق الحدود الذي فرضته عدة دول، على اقتصاد جنوب إفريقيا الذي يوجد أصلا على حافة الهاوية، دعا الرئيس سيريل رامافوزا أول أمس السبت إلى اجتماع طارئ للمجلس الوطني لقيادة حملة مكافحة فيروس كورونا.
وردا على قرار الإغلاق، قالت وزيرة الشؤون الخارجية الجنوب إفريقية، ناليدي باندور، إن "هذه القرارات الأخيرة القاضية بحظر السفر هي بمثابة عقاب لجنوب إفريقيا على التسلسل الجيني المتقدم فيها وقدرتها على اكتشاف متحورات جديدة بشكل سريع". من جانبه، قال وزير الصحة في جنوب إفريقيا، جو بفاهلا، إنه لم يتم بعد تحديد أصل المتحور الجديد، معتبرا أن قرارات المنع من السفر المفروضة على بلاده "سابقة لأوانها ولا تتوافق مع قواعد ومعايير منظمة الصحة العالمية".
وكذلك الأمر بالنسبة لأوساط الأعمال التي تقاسمت الانشغالات نفسها، معتبرة أن الحظر سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد الوطني الذي يعاني الأمرين. وفي الواقع، فإن مصدر القلق الرئيسي بالبلاد هو الضرر الذي ستلحقه هذه القرارات بصناعات السياحة والشركات التي تكافح أصلا من أجل التعافي. ومن جانبه، دافع رئيس المجلس الطبي الجنوب إفريقي للبحوث عن قرار علماء جنوب إفريقيا بالكشف عن وجود متغير B1.1.529، على الرغم من محدودية المعلومات المتعلقة به. واعتبرت الباحثة غليندا غراي، في هذا الصدد، أن إخبار الناس بالمتحور الجديد كان أمرا حيويا، لأن من شأن ذلك أن يساعد في تغيير السلوكات والحد من انتشار الوباء. وكان المعهد الوطني الجنوب إفريقي للأمراض المعدية قد أعلن يوم الخميس الماضي عن رصد 22 حالة إصابة بالمتحور الجديد.
ويترقب سكان جنوب إفريقيا الأسوأ منذ الكشف عن متحور "أوميكرون" والعدد المتزايد لحالات الإصابة الجديدة بكوفيد-19 في البلاد. وقد اضطر الآلاف من المسافرين إلى اتخاذ ترتيبات أخرى عقب إعلان شركات الطيران فجأة عن تعليق رحلاتها القادمة من جنوب إفريقيا، في وقت تتسع فيه يوميا قائمة البلدان التي تحظر الربط الجوي مع هذا البلد. كما أن مواطني جنوب إفريقيا وغيرهم من مواطني المنطقة الجنوبية من القارة الذين لا يخططون للسفر إلى الخارج لا يعرفون ما إذا كانت حكوماتهم ستفرض قيودا أكثر صرامة قد تكون لها انعكاسات على حياتهم.
وفي انتظار الكشف عن مدى خطورة "أوميكرون"، يتفق العلماء على أن التلقيح الكامل والمعمم، بالإضافة إلى احترام الإجراءات الحاجزية، يظلان في الوقت الحالي أفضل الوسائل المتاحة للحد من خطر انتشار الفيروس. وتعتبر جنوب إفريقيا البلد الأكثر تضررا من فيروس كورونا في إفريقيا. فمنذ ظهور الوباء، سجلت البلاد أزيد من 3 ملايين حالة إيجابية، من بينها أكثر من 90 ألف حالة وفاة.