أمام استمرار الجدل حول المصادقة على مشروع القانون الجنائي الجديد، وما أثير حول المواد التي تجرم الإثراء غير المشروع، خاصة الشق المتعلق بمنح اختصاصات للنايبة العامة من أجل تحريك المتابعة، وما قد يترتب عنه من "خرق لقرينة" البراءة، أطلق محمد عبد النباوي، الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، صباح اليوم الاثنين 17 فبراير، بالمعهد العالي للقضاء، أشغال دورات تكوينية متخصصة في الجرائم المالية.
وسيتفيد من هذه الدورة حسب ما توصل به "تيلكيل عربي" من رئاسة النيابة العامة، قضاتها بالأقسام المختصة بالجرائم المالية بمحاكم الاستئناف بالرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس، وضباط الشرطة القضائية المكلفين بالبحث في الجرائم المالية.
عبد النباوي وخلال كلمته التي جاءت كرد على مجموعة من النقاشات التي أثيرت في سياق تعثر المصادقة على مشروع القانون الجنائي الجديد، شدد على ضرورة "قيام قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية بواجبهم في التصدي لجرائم الفساد وحماية المال العام أو الخاص، ولا يجب أن يتأثر بالنقاشات المجتمعية التي تتم في الفضاءات العامة، ومن بينها الفضاء الأزرق، إلاّ عن طريق التحري القانوني، والبحث عن الحجج والإثباتات المشروعة'.
وقال رئيس النيابة العامة، أن الهدف هو "التصدي للفساد ومحاربته بالآليات القانونية، وعليها أن تطور مهارات القضاة وباقي مكونات العدالة للقيام بهذه المهمة".
وأشار المتحدث ذاته في كلمته، إلى أن هذه "المهمة مستمرة في الزمان حتى يتم التغلب على الفساد، وتعم مظاهر دولة الحق والقانون والمؤسسات التي رسمها الملك، ووجه أعضاء النيابة العامة إلى العمل في إطارها إلى جانب باقي سلطات الدولة".
وأكد محمد عبد النباوي على المكلفين بمكافحة الجرائم المالية، بأن "دورهم في محاربة الفساد، ليس ضرورة اجتماعية وقانونية فقط، ولكنه تنفيذ لمقتضى دستوري، ولحق من حقوق الإنسان التي تجمع عليها الإنسانية، كما تبنته الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، لما له من تأثير على تمتع المواطن والإنسان بالحقوق الأخرى المخولة له شرعاً وقانوناً".
وفي ما يخص النقاشات التي دفعت بمبدأ قرينة البراءة في تحريك المتابعات المرتبطة بالإغتناء غير المشروع، أوضح رئيس النيابة العامة، أنه من "الضروري تقيد قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية باحترام قرينة البراءة، والمساطر القانونية المشروعة، مشيرا إلى أن البحث في الجرائم وإثباتها لا يمكن أن يتم عن طريق خرق قواعد المحاكمة العادلة، وعدم مراعاة الضمانات القانونية للمتهمين والضحايا والشهود على حد سواء".
وأضاف في هذا الصدد: "فقرينة البراءة، تفترض أن كل مشتبه فيه أو متهم يعتبر بريئا إلى أن تسقط براءته عن طريق إثبات التهمة بالوسائل المشروعة، في محاكمة عادلة منصفة ومحايدة، لا تؤثر فيها العواطف ولا الرغبات، ولا النوازع الشخصية. إنّها مهمة صعبة، ولكنها جوهر العدالة التي نحن جميعاً مؤتمنون عليها خلال قيامنا بمهامنا".
واعتبر رئيس النيابة العامة، أن "التكوين المستمر، هو خيار استراتيجي ينبغي التمسك به، وإعطاؤه الأولوية في السياسات القضائية، من أجل تمكينكم من مواكبة المستجدات القانونية والواقعية، التي أصبحت وثيرة سيرها مقلقة بالنسبة لآليات العدالة الجنائية على الخصوص. وتتطلب منكم الحرص واليقظة المستمرين للإلمام العميق بكل هذه المتغيرات، وإتقان التعامل معها ومواجهتها والتصدي لها".
للإشارة، يمتد برنامج التكوين الذي أعطى انطلاقته رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي، على أربع دورات (فبراير، مارس، أبريل ويونيو). كما سيساهم في تأطير هذه الدورات مكونين متمرسين من النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة المالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية ووحدة معالجة المعلومات المالية وبنك المغرب والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها والخزينة العامة والمختبر العمومي للتجارب والدراسات.
ويذكر أن تنظيم هذه الدورات التكوينية، يأتي إطار دعم التخصص والرفع من قدرات قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية في مجال مكافحة جرائم الفساد المالي.