يسلط القضاء المتخصص في تونس الذي باشر النظر في الجرائم المتعلقة بالعدالة الانتقالية الثلاثاء، الضوء على عمليات التعذيب التي حصلت خلال عهد الدكتاتورية، في خطوة نادرة حتى الآن. وعدد الشهود الذين تكلموا في الجلسة عن تجاوزات نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي المتمثلة في تقييد المساجين عراة في وضع "الدجاجة المصلية"، والجلوس عاريا على قارورة، والبقاء مكبلا بالنافذة لمدة 36 ساعة، وعمليات اغتصاب باستعمال الهراوة، والضرب حتى الموت.
وأصغى خمس قضاة مختصون في مسار العدالة الانتقالية لمدة خمس ساعات، إلى الشهود وأفراد عائلة كمال المطماطي، الإسلامي الذي عذب حتى الموت في أكتوبر1991.
وروى الطبيب علي عامر العضو في حزب النهضة الذي تم توقيفه وكان شاهدا على "ثلاث أو أربع ساعات" من تعذيب المطماطي، أن رجال الشرطة "طلبوا منا إدارة وجوهنا عرض الحائط، وشرع ثلاثة شرطيين رياض وأنور ومصطفى في ضربه بوحشية بعصي كبيرة".
وتابع الطبيب "قلت لهم إن لديه كسورا على مستوى يده وعليهم التوقف عن تعذيبه، لكن رئيس الفريق سمير زعتور قال "إنه يتظاهر" وانهال عليه بنفسه ضربا بعصا حتى فقد الوعي".
وأضاف الطبيب معتذرا عن الاجابة عن بعض الأسئلة بسبب قدم المسألة، ومشيرا إلى أنه تعرض للتعذيب بدوره في تلك الفترة، "عندما قلت للشرطيين إنه مات، أخرجوه مباشرة من الغرفة".
وحاولت المحكمة تسليط الضوء على هذه الأحداث، وأعاد القاضي مساءلة الشهود لفهم التفاصيل، بالرغم من مرور ثلاثة عقود تقريبا وإنكار الشرطيين الذين تم استدعاؤهم الى الجلسة.
حتى الآن، لم يتم التطرق الى هذه الجرائم إلا في وسائل إعلامية، او في جلسات علنية لهيئة الحقيقة والكرامة التي استحدثت في 2014 للنظر في انتهاكات لحقوق الانسان وقعت في تونس بين 1955 و2013.
وتقول ممثلة المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب كاميل هنري إن في القضايا المتعلقة بالتعذيب وتجاوزات الشرطة أمام القضاء المتخصص في القانون العام "يوجد إجمالا الكثير من الإجراءات وقليل من النقاش المعمق"، مضيفة أن "توصيف الحيثيات يبقى سطحيا".
وتوضح مسؤولة مكتب تونس لمنظمة "هيومن رايتس وواتش" آمنة القلالي أنه لم يتم تجريم التعذيب إلا في 1999 "ولم يكن محور اهتمام في أي قضية ولم يسع القضاة لتفكيك آلياته".
ويبقى مهما اعتماد منهج قضائي في هذه الممارسات التي ما زالت موجودة بالرغم من تطور الأداء الأمني.
وخلال جلسة المحاكمة الثلاثاء، كشفت شهادات رجال الشرطة عن وجود ثقافة عنف بتأكيدهم أنهم لم يشاهدوا سوى ضرب على الساق وصفعات، وهي أمور لا يزالون يعتبرونها مقبولة.
وقال رجل شرطة عمل في القسم الذي ض رب فيه كمال المطماطي حتى الموت، في شهادة أدلى بها من وراء ساتر، "لم يكن هناك عنف ممنهج، كان هناك عنف خفيف لمعرفة الحقيقة".
وتقول آمنة القلالي إنه "من النادر أن نحصل خلال جلسات على شهادات متأتية من داخل الجهاز الأمني"، مضيفة "الإنكار وعدم الندم وابتذال العنف كلها ترسم ضمنا ملامح" نظام قمعي.
وتضيف "بالكشف عن هذه الآليات المتجذرة في ثقافة الشرطة يمكن أن نفهم أكثر وأن نعمل على اجتثاثها... بالرغم من أن الطريق لا يزال طويلا".
وتأمل المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب من خلال هذه القضية التي ستليها ثلاثون قضية أخرى على الأقل أمام القضاء، أن يخلق "إطار أفضل داخل القضاء" من أجل مقاضاة ممارسات التعذيب وعمليات العنف التي تقوم بها الشرطة.
وتبقى معرفة ما إذا كانت العدالة الانتقالية ستنجح في القضاء على ظاهرة الافلات من العقاب خصوصا أن أي متهم لم يحضر جلسة الثلاثاء. كما لم يحضر أي ممثل عن المتهمين.
وصدر حتى اليوم حكم واحد في حالة تعذيب استنادا للفصل 101 مكرر من المجلة الجزائية التونسية، وقضى بالسجن مع تعليق تنفيذ العقوبة.