محطة تحلية المياه الجرف الأصفر.. إنقاذ الجديدة من العطش والطموح بلوغ صنابير الدار البيضاء وخريبكة

تصوير: سامي سهيل
محمد فرنان

محمد فرنان/سامي سهيل - الجديدة

عند زاوية هادئة داخل مقهى بمدينة الجديدة، لم يتأخر الوقت كثيرا قبل أن نخوض مع نادلها الحديث عن أحوال المدينة، وسرعان ما تحول النقاش نحو أثار الجفاف التي تشغل بال الجميع، وكيف انعكس على حاضرة دكالة ونواحيها.

 وفي خضم النقاش، قطع النادل الخوف من شح العطش بالأمل، قال وهو يبتسم: "شتي هاذ الما حسن من ديال الروبيني... راه بحال تنشرب ماء معدني".

وأضاف، وهو يشير بيده إلى مكان بعيد عن حيث نجلس: "كون مكانت محطة تحلية المياه لي فالجرف الأصفر، لي عتقاتنا كون تزيرنا وما لقاو ما نشربو اليوم".

لم يكن يعرف النادل أننا هنا لأجل هذا الغرض بالضبط، وأن "تيلكيل عربي" حل بالجديدة للوصول إلى محطة تحلية المياه التي تحدث عنها.

وما إن أخبرناه بأننا هنا لأجل زيارتها، عرض علينا المساعدة، بالقول: "راه تنعرف ناس خدامين تما... ممكن يوصلوكم ليها... منين تمشيو تماك سولو علاش باق تزويد المنطقة بالماء في مستوياته الطبيعية... راه بسبب المحطة ديال التحلية... ما عرفتش كون مكانتش، كيف سيكون حالنا؟"

منطقة الرحلة

في قلب المركب الصناعي الجرف الأصفر التابع للمكتب الشريف للفوسفاط، الذي يقع على مساحة 2000 هكتار وعلى مقربة من الجديدة بـ 17 كيلومترا، والدار البيضاء 170 كيلومترا، تنتصب محطة تحلية مياه البحر.

قبل سنوات من بروز أزمة الجفاف بالمغرب، دشن الملك محمد السادس يوم الإثنين 01 فبراير 2016 بالمركب الصناعي الجرف الأصفر المرحلة الأولى من مشروع معمل لتحلية مياه البحر بتكلفة 800 مليون درهم.

كان الطموح حينها إنتاج 25 مليون متر مكعب في السنة (أي 75 ألف و800 متر مكعب/ يوم)، وعند اكتمال إنجازه الوصول إلى 75 مليون متر مكعب في السنة، هذه الأرقام تم تجاوزها.

العين كانت حينها على سد خصاص المركب الصناعي الجرف الأصفر من الماء، إلا الطموح كبر، ثم تحقق بعد الشروع في إنتاج المياه الصالحة للشرب الموجهة للساكنة.

هذا الطموح، عند من يشتغلون في المحطة، يواصل الكبر مع تزايد حجم التحديات، ويرون خلال الحديث معهم، أن رؤيتهم لمستقبل تأمين الحاجيات المائية لجزء كبير من المغاربة، عززها الخطاب الأخير، للملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش، عبر قوله: "يتعين كذلك تسريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر، حسب البرنامج المحدد لها، والذي يستهدف تعبئة أكثر من 1,7 مليار متر مكعب سنويا، وهو ما سيمكن المغرب، في أفق 2030، من تغطية أكثر من نصف حاجياته من الماء الصالح للشرب، من هذه المحطات، إضافة إلى سقي مساحات فلاحية كبرى، بما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي للبلاد".

في حضرة محطة تحلية المياه

بالمركب الصناعي للجرف الأصفر، التقى "تيلكيل عربي" بمحمد لوحز، مسؤول وحدة تحلية المياه، الذي أبرز أن "الوحدة أصبحت تنتج 220 ألف متر مكعب يوميا، والوحدة تعمل 24 على 24 بدون توقف".

وذكر خريج المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط أن "الوحدة تنتج 80 مليون متر مكعب سنويا، ونطمح لإيصالها إلى 140 مليون متر مكعب سنويا في الأشهر القليلة المقبلة، من أجل تزويد السكان بماء الشرب، وطبعا لتوفير الماء للصناعة، وكما ترون هناك وحدات جديدة تبنى، مما سيجعلنا نصل إلى 220 مليون متر مكعب سنويا".

وتابع: "نسعى للوصول مستقبلا إلى 300 مليون متر مكعب سنويا، ليصل الماء خريبكة".

وأشار إلى أن "هذا سيمكن من مد الدار البيضاء الجنوبية عبر أنابيب يجري بناؤها بالماء الصالح للشرب، بحوالي 60 مليون متر مكعب سنويا، كما أن هناك وحدة تم تركيبها مؤخرا، تنتج حوالي 40 مليون متر مكعب وهي مدرجة في الأرقام أعلاه".

وجوابا عن سؤال "تيلكيل عربي" حول مشروع ضخ ماء الوحدة إلى الدار البيضاء الجنوبية، لفت الانتباه إلى أن "هذا الأمر نعمل عليه ليل نهار لكي يتحقق في أقرب وقت، لكي يتم ضخ حوالي 60 مليون متر مكعب سنويا إلى الدار البيضاء، مع العلم أن الدار البيضاء تحتاج إلى 300 مليون متر مكعب سنويا، وبعد إنجاز محطة تحلية المياه التي دشنها ولي العهد، الأمير مولاي الحسن بجماعة المهارزة الساحل، قد توجه هذه المياه إلى مدن أبعد".

 ثم سألناه: "مراكش، والرباط، مثلا"، فرد بابتسامة.

وحول سؤال "تيلكيل عربي" بخصوص التكلفة المالية للتر الواحد، أوضح المتحدث ذاته أن "المسألة حاليا ليست بالتكلفة، إنما بمادة حيوية يجب توفيرها في الوقت الحالي، في مثل هذه الظروف تصبح التكلفة غير مهمة بتاتا، ليس هناك أسوأ من العطش".

سامي سهيل

وأثناء جولة "تيلكيل عربي" في الوحدة، أشار إلى أن "جميع الأطر العاملة في محطة تحلية المياه كلهم مغاربة، درسوا في معاهد ومؤسسات مغربية، كما أن الوحدة تستقبل طلبة متدربين من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية".

حالة الطوارئ 

في هذا السياق، قال مسؤول بوزارة الداخلية بعمالة الجديدة، لـ"تيلكيل عربي": "يكفي أن أقول لكم، إن تحلية المياه بجرف الأصفر ساهمت في عدم إغلاق أو توقيف نشاطات حيوية بإقليم الجديدة، لنعرف ماذا جنبتنا المحطة".

وأوضح المتحدث ذاته، أن "وزارة الداخلية تعطي لقضية الماء أولوية قصوى، وقد يرى البعض أنها تتخذ إجراءات قاسية ولكن لوعيها بأهمية هذه المادة الحيوية، وبسبب احتكاكي بهذا الموضوع منذ سنوات، في منزلي أكون قاسيا على أبنائي بخصوص حسن التعامل مع الموارد المائية، فأهم شيء هو الوعي، والجميع عليه المساهمة في ترسيخه".

وأبرز أن "الأهم في أي عملية هو الإنسان... تصور أن لا يجد الناس الماء، وحبى الله المغرب بالبحر، لذلك هناك دينامية في تحلية المياه".

وأكد المسؤول بعمالة الجديدة أن "ماء وحدة تحلية المياه بمركب الجرف الأصفر سوف يصل قريبا إلى أزمور والحوزية، كما أن هناك مشروع تزويد الدار البيضاء بما تنتجه".

نصيب القرى

في هذا الصدد، أوضح المسؤول في وزارة الداخلية أنه "في المدن تسهل عملية ضخ المياه وتركيب الأنابيب، ولكن في المناطق البعيدة والقروية، تم اللجوء إلى وحدات تحلية المياه المتنقلة، وحاليا توجد في إقليم الجديدة وحدتين بإنتاجية ما بين 5 إلى 20 متر مكعب في الثانية".

وتابع: "حاليا يتم تزويد 146 دوار بالإقليم، مما يمثل 70 ألف نسمة، موزعين على 21 جماعة، بالماء عبر الصهاريج التي تملأ من وحدات تحلية المياه مما يمثل 2200 متر مكعب يوميا".

ونبه إلى أن "المكان الذي توضع فيه هذه الوحدة التي يصل ثمنها إلى مليون درهم، يجب اختياره بعناية، بمواصفات تراعي البيئة وصفاء المياه التي في جوف البحر".

وحول الخطوات المقبلة، أشار إلى أنه "سوف تضاف خمس وحدات، سيتم توزيعها في مناطق عدة بإقليم الجديدة، ونتوفر على 25 شاحنة صهريج، وسوف تضاف 5 صهاريج أخرى".

وجوابا عن كيفية تعامل الداخلية مع موضوع الماء، استرسل قائلا: "نتعامل مع الموضوع كأن الجفاف مستدام، ولن يأتي المطر، وحتى إذا امتلأت السدود كلها لن تتوقف هذه المشاريع الخاصة بتحلية المياه، لأن ضمان المستقبل أهم شيء، والإنسان لا يمكنه العيش بدون ماء، هناك عدد من الأشياء يمكن الاستغناء عنها، لكن الماء، لا يمكن".

وشدد المسؤول ذاته على أن "التصور الذي يحكم عملنا، إلا جات الشتاء مزيانة ومخيرة وفيها ربح كبير، وإذا توقفت لنا آليات أخرى، والماء في النهاية نحتاج إليه، وقد يوجه حينها للسقي أو الاستعمال الصناعي، وكاين (ما يدار) بالماء الزائد".