مع سقوط عبد العزيز بوتفليقة، الذي أجبر في أبريل على الاستقالة بعد 20 عاما في السلطة تحت ضغط حراك شعبي غير مسبوق، "وجدت القيادة العسكرية العليا رغما عن إرادتها في الواجهة، تمارس السلطة الحقيقية" كما ذكر مصعب حمودي، الباحث وطالب الدكتوراه في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية في باريس.
واضاف الباحث الذي ينجز دراسة حول الاستبداد في الجزائر "هذا وضع غير مريح للغاية بالنسبة (للجيش) لأنه لا يحب الظهور" في نظام يتصف بالغموض.
وتتجسد هذه "القيادة العسكرية العليا" ذات الملامح غير الواضحة لدى الجزائريين في شخص الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش منذ 15 عاما، فهو الذي يعطي علنا "التوجيهات" لرئيس مؤقت قليل الظهور - عبدالقادر بن صالح - ولحكومة مسؤولة عن تصريف الأعمال.
فالفريق قايد صالح، "الذي لا يشغل من الناحية الرسمية سوى منصب نائب وزير الدفاع، يظهر كالمسؤول الأول في البلاد. وهذا وضع غير مسبوق تماما" حتى لو أن "الجيش كان دائما في قلب السلطة"، كما أوضح جان بيار فيليو، الأستاذ في معهد العلوم السياسية بباريس وصاحب مؤلف "الجزائر، الاستقلال الجديد".
وجد الجيش نفسه في الخطوط الأمامية في مواجهة الحراك الشعبي واعتقد مخطئا أنه يمكن إخماده عن طريق دفع بوتفليقة للاستقالة، ثم سجن رموز نظامه.
وفي التظاهرات، تم استبدال شعار "جيش شعب خاوة خاوة (إخوة)" بـ"الجنرالات في سلة المهملات" أو حتى "قايد صالح مع الخونة".
ومنذ الاستقلال العام 1962، أصبح الجيش "دولة داخل الدولة" و"السياسة كانت دائما شأنا عسكريا"، كما أوضح كمال شكلات، الباحث في المنطقة المغاربية بمركز البحوث الاجتماعية والسياسية في باريس.
وأضاف ان "الحراك يريد إعادة النظر في كل ذلك" مع شعارات مثل "ترحلون جميعا" أو "دولة مدنية ، وليس دولة الثكنات"، معتبرا ان هذه "قطيعة حقيقية".
لكنه تدارك أن تلبية مطالب الحركة الاحتجاجية "ليست على أجندة 'صانعي القرار' في الجيش، والدليل هو تنظيم انتخابات رئاسية بالقوة رغم رفضها من قبل غالبية الجزائريين".
وتابع "يريد الجيش مجرد واجهة مدنية لسلطته، وتوريث الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للرئيس المقبل إلى حين إعياء الحراك".
ويرى شكلات أن "قيادة الجيش تريد تغييرا داخل النظام " في حين "يريد الحراك تغيير النظام".
وبحسب جان بيار فيليو فإنه "إذا كانت الأزمة الجزائرية قد أظهرت شيئا واحدا، فهو النقص الصارخ في الوعي السياسي لدى 'صانعي القرار' العسكريين" الذين "يأملون بإخلاص في إبقاء الوضع القائم وخنق الحراك بفرض إعادة رئاسة مدنية للواجهة".
وعبر رفض أي تنازل للحراك ، يرفض الجيش "رؤية عملية انتقال سياسي تفلت من سيطرته"، مع خطر "إسقاط نظام قائم منذ الاستقلال"، كما اعتبر فلافيان بورات، الباحث في شؤون المغرب العربي والشرق الأوسط في معهد الأبحاث الاستراتيجية التابع للمدرسة المدرسة العسكرية بباريس.
وعند بورات، بقي الجيش متأثرا بـ"فشل الانتقال الديموقراطي في أوائل التسعينات"، عندما أجبرت المؤسسة العسكرية الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة وألغت الانتخابات التشريعية التي كان الاسلاميون على وشك الفوز بها.
من هنا، فإن "القيادة العسكرية لا ترغب في العودة إلى الإدارة السياسية للبلاد" بشكل مباشر أو تحت الضغط، على حد قوله، وخصوصا أن قمع تظاهرات العام 1988 ودورها خلال الحرب الأهلية (1992-2002) أضر كثيرا بصورة المؤسسة العسكرية.
وتابع الباحث "الجيش سيخسر حتما بإقحام نفسه مباشرة في الإدارة السياسة" وخصوصا "أن الوضع الاقتصادي صعب للغاية ومقلق للغاية وقلة من الناس يريدون تحمل مسؤولية كهذه وبالتأكيد الجيش لا يريد أيضا تحملها".
ومع ذلك، لا تزال أسئلة كثيرة بدون إجابة.
وتساءل فلافيان بورات "هل هناك إجماع على قيادة رئيس الأركان؟" و"هل هناك نقاشات داخلية على أعلى مستوى في قيادة الجيش؟"، مضيفا "أميل إلى الاعتقاد بأن ذلك موجود، ولكن هناك رغبة مشتركة في عدم إظهار أي شيء" لأن "الجيش يريد الظهور ككتلة واحدة".
أما مصعب حمودي، فأشار الى "انشقاقات داخلية" و"توترات واضحة للغاية" تفسر الحاجة الملحة للجيش "للذهاب إلى الانتخابات".
وبالنسبة إلى الرئيس المنتخب، قال محمودي "لن يكون له أي سلطة في القضايا الرئيسية، وسيتلقى أوامر (من رئاسة الأركان)، ضمنيا في بعض الأحيان ، كما كانت الحال دائما".