اعتبر يوسف الحيرش، المحلل الاقتصادي، اليوم الأحد، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أن "قرار محكمة العدل الأوروبية بإلغاء اتفاق الصيد البحري والمنتجات الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوروبي كان متوقعا؛ بحكم أنه جاء بعد استئناف نفس الحكم الابتدائي من طرف المفوضية الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي في مواجهة شكاية جبهة "البوليساريو" الانفصالية؛ كون الاتفاق يشمل جل التراب الوطني، بما فيه الأقاليم الجنوبية".
وأوضح الحيرش أنه "بعد العودة إلى القوانين الأوروبية، يمكن اعتبارها قوانين ميكانيكية في مثل هذه النازلة؛ بحيث يتم اعتبار الأقاليم الجنوبية المغربية منطقة نزاع لم تحسم فيها لجان الأمم المتحدة. لذلك، فالقرار كان متوقعا من الجانب المغربي".
وتابع أن "شعب الصحراء مصطلح استعملته المحكمة، بشكل دبلوماسي، لكي تقول، بطريقة غير مباشرة، إن الكيان الانفصالي هو الممثل للشعب الصحراوي. وأظنها، بهذه العبارة، تؤكد على أنها استندت في قرارها إلى كون هذا النزاع لا يزال مطروحا على طاولة المفاوضات بالأمم المتحدة".
وأضاف الحيرش أن "السؤال المطروح هنا هو؛ ما مدى تأثير اعترافات الدول الأوروبية بمخطط الحكم الذاتي على قرار المحكمة الأوروبية؟ إذ يتبين أن خطة الاعترافات الشكلية لم تكن ناجعة، ولم يكن لها أي تأثير على قرار المحكمة".
وحول قراءته لردود الدول الأوروبية المعترفة بالحكم الذاتي على القرار، قال المتحدث نفسه: "اطلعت على الرد الإسباني والفرنسي الذي لا يتفق مع قرار المحكمة، ويتشبث بالعلاقات التجارية مع المملكة، وذلك على غرار العديد من القوانين الأوروبية، ويتجاوزها أحيانا. وأذكر هنا، على سبيل المثال، قوانين المستهلك الأوروبية التي تفرض حدا أقصى من نسبة معدن الكادميوم في الطن من الفوسفاط أو الأسمدة".
كما أشار الحيرش إلى أنه "لم يتم تجديد اتفاقية الصيد البحري، منذ السنة الماضية، وهي الآن غير سارية المفعول. لذلك، فإن أي حديث في الوسط الإعلامي على أن قرار المحكمة سيؤدي إلى انخفاض ثمن الأسماك في الأسواق المغربية هو مغالطة".
وبخصوص المتضرر الأكبر من القرار، أوضح المحلل الاقتصادي أنه "السوق الأوروبية؛ وبمعنى آخر، المستهلك الأوروبي"، موضحا أن "العرض سيختل بالمقارنة مع الطلب؛ مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية المستوردة من المغرب، إلى حين إيجاد صيغة أخرى بين المغرب والدول الأوروبية، بشكل مباشر، أو تطبيق توصيات المحكمة الأوروبية التي فرضت تضمين ملصق يشير إلى مكان إنتاج المنتجات المصدرة. هنا يظهر البعد السياسي للملف؛ بحيث يحيلنا إلى سؤال: هل ستقبل الدولة المغربية بهذه التوصية، أم أنها ستبقى ثابتة على قرارها، الذي جاء على لسان رئيس الدولة، الملك محمد السادس، حول أن الوحدة الترابية هي النظارة التي يقيس بها المغرب صلابة وعمق العلاقات والشراكات مع الدول".
أما المتضرر الثاني، حسب الحيرش؛ فهم "كبار الفلاحين المغاربة الذين يوجهون منتجاتهم الفلاحية نحو التصدير. لكن حسب تقديري، لن يتضرروا مستقبلا؛ لأنهم يشكلون لوبيا قويا داخل الدولة، وسيجدون الحلول المناسبة للحفاظ على مصالحهم؛ بحيث هناك عشرات الطرق لتفادي قرار المحكمة الأوروبية مع نظرائهم في الدول التي لا تتفق معه، كما وقع مؤخرا مع الواردات الموريتانية من الخضر. المحكمة الأوروبية أعطت مهلة 12 شهرا لكي يتم إيقاف العمل بالاتفاقية، وهي مدة طويلة أعتقد أن جميع الأطراف المتعاقدة ستجد خلالها حلولا تجارية بديلة".
وتابع أن "المتضرر الأخير هو المغرب؛ لأنه كان يحصل على منحة تقدر بـ50 مليون أورو فيما يتعلق بالصيد البحري، لكن المنحة هزيلة مقارنة مع حجم الاتفاق الذي كان يشمل كل التراب الوطني".
أما فيما يتعلق ببلاغ وزارة الخارجية، عندما تقول إن المغرب غير معني بالقرار، فقال المحلل الاقتصادي إنه "غير متفق مع العبارة"، متسائلا: "كيف للمغرب أن يكون موضوع القرار وغير معني في نفس الوقت؟ العبارة غير منسجمة. فالمغرب غير معني فقط بمسألة التقاضي؛ لأنه ليس طرفا، بينما نتائج القرار لها تداعيات على المنتجات المغربية. إذن، فنحن أمام قرار وجب التعامل معه بجدية من طرف السلطات المغربية".
وعن العيوب القانونية، التي ذكرها بلاغ الخارجية، قال الحيرش: "المقصود بها الانسجام بين القرار السياسي والتشريعي داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي من طرف الدول الأعضاء، التي تقول إنها تؤيد مقترح الحكم الذاتي المغربي. بمعنى آخر، من أجل تعديل القوانين داخل البرلمان الأوروبي، لكي تنسجم مع المواقف السياسية للدول الأعضاء. هنا، أعطت وزارة الشؤون الخارجية مثالا على انسجام الموقف البريطاني وقرار المحكمة البريطانية في واقعة مماثلة".