محلل: خطاب ماكرون عكس موقف دولة والاتفاق الإستراتيجي يؤسس لمقاربة تعتمد قواعد لعب جديدة

بشرى الردادي

اعتبر الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، أن الاتفاق الذي وقعه الملك محمد السادس، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مساء يوم أمس الاثنين، هو اتفاق إستراتيجي غير مسبوق في العلاقات المغربية الفرنسية، التي كانت في السابق، مثالية في التعاون والشراكة، باستثناء السنوات الأربع الأخيرة، التي عرفت خفوتا كبيرا، بفعل التحولات الجيوسياسية العالمية، مضيفا أنه يؤسس لمقاربة جديدة تعتمد قواعد لعب جديدة.

نمط جديد من العلاقة

وأوضح الغالي، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أن فرنسا لم تستطع أن تغير منهجيتها في التعامل مع المملكة المغربية؛ حيث ظلت محافظة على نفس المقاربة التي كانت تشتغل بها إبان المرحلة الاستعمارية، ولكن، اليوم، أشياء كثيرة تغيرت، بفعل مجموعة من التطورات.

وتابع المتحدث نفسه أن المملكة المغربية حاولت، بدورها، أن تفرض نمطا جديدا من العلاقة، يتأسس وينبني على مقاربة "رابح-رابح"، لكن في إطار الاحترام المتبادل لعناصر السيادة، مسجلا أن المغرب كان مصرا على أن يكون موقف فرنسا واضحا من قضية الاعتراف بالوحدة الترابية للمملكة المغربية من طنجة إلى الكويرة، مادامت هاته المسألة تدخل ضمن الأمور الأساسية في عامل السيادة.

اتفاق إستراتيجي

وأبرز الغالي أن هذا الاتفاق إستراتيجي بامتياز، بالنظر، أولا، إلى طبيعة المواضيع التي تم الاتفاق عليها، وهي مواضيع تتعلق بالتعليم، والبحث العلمي في الجوانب التي لها علاقة بالطاقة والزراعة، ولكن في إطار أجيال جديدة قادرة على استيعاب التغيرات المناخية والانتقال الطاقي والانتقال الرقمي؛ مما يعني أنه اتفاق يساير التطورات المعاصرة، ويعطي للبلدين فرصا كبيرة فيما يتعلق بخلق الثروة والتحكم في السلاسل الإنتاجية.

وسجل أستاذ العلوم السياسية أن محاور هذا الاتفاق فيها اعتراف مباشر بأهمية الدور الذي باتت تلعبه المملكة على الساحة الدولية، خاصة وأنها في السنوات الأخيرة، استطاعت أن تحقق اختراقا مهما على مستوى الدول الإفريقية؛ حيث أبرمت معها قرابة 1000 اتفاقية؛ مما سيعطي لدولة فرنسا إمكانيات الانفتاح على الأسواق، ويعيد إليها الاعتبار، بعد أن فقدت سلطتها وهيمنتها على مجموعة من الدول التي كانت تعتبر مستعمرات تقليدية لها، لافتا إلى أن "منطق الاستعمار التقليدي لم يعد مجديا، بالنظر إلى التحولات التي عرفتها مجموعة من الدول التي كانت تشكل قدما لفرنسا في إفريقيا، ونقصد هنا مالي وبوركينا فاسو والنجير وتشاد".

المملكة كمنصة اقتصادية

وأضاف الغالي أن نوعية الاتفاقيات المبرمة ما بين المغرب وفرنسا تعكس جيلا جديدا من التعاون، خاصة ما تعلق بالطاقات المتجددة والطاقة الخضراء، وكذلك ما تعلق بالأجيال الجديدة في مشاريع النقل، خصوصا التي لها علاقة بالطيران وبالقطار فائق السرعة، وحتى على مستوى إدارة وتدبير الموانئ، وكل هذا يوضح أن التركيز كان على البنيات التحتية الأساسية التي تسهل وتيسر حركة رؤوس الأموال والأشخاص؛ مما يعكس الاهتمام الفرنسي بالمملكة كمنصة اقتصادية ستلعب أدوارا أساسية فيما يتعلق بهمزة الوصل على مستويات التجارة الدولية.

وتابع أن نوعية الاتفاقيات تعكس، أيضا، وجود رغبة في تحقيق خلق للثروة يعتمد على المرتكزات الجديدة المؤسسة على مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة؛ وهو ما يخدم، بشكل كبير، مطامح المملكة ومصالحها، وحتى علاقات العمق التي تربطها بمجموعة من الدول الإفريقية. كما تعكس استيعاب فرنسا لمجموعة من المبادرات الإستراتيجية التي طرحتها المملكة، وخاصة مبادرة أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، والطريق الأطلسي الذي يربط الساحل ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد.

غياب الاتفاقيات العسكرية

وحول غياب اتفاقيات تخص الجانب العسكري، رد الغالي: "أكيد أن صفقات التسليح لها أهميتها ودورها. لكن بالنسبة للمرحلة الحالية، فإن الانطباع الذي يُعطى هو انطباع التعاون الاقتصادي، بل وأكثر من ذلك، فالبلدان دعيا إلى الأمن والسلم والسلام والاستقرار والنزوع إلى عالم آمن، خاصة حين استحضار القضية الفلسطينية، والصراع في منطقة الشرق الأوسط التي تشتعل، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بالمآلات".

واستدرك أستاذ العلوم السياسية: "ولكن هذا لا يعني أن مسألة التسلح غير مهمة وأساسية؛ فهي تدخل في إطار التعاون، خاصة في ظل المخاطر التي تهدد الدولتين؛ ومنها مخاطر الإرهاب وتجارة السلاح والاتجار بالبشر والهجرة والمنظمات الإجرامية، وغير ذلك من المخاطر الأخرى؛ مما يعني أن التعاون الأمني يبقى مطروحا. لكن السؤال هو: إلى أي مستوى قد يصل هذا التعاون؟ هل يتعلق بتقاسم المعلومات والخبرات، أم أنه يمكن، في بعض الأحيان، أن يصل إلى التكنولوجيا العسكرية المتطورة، من أجل تحقيق الأهداف الأمنية والعسكرية المشتركة؟".

موقف دولة وفية

أما فيما يتعلق بالخطاب الذي ألقاه ماكرون، اليوم الثلاثاء، أمام ممثلي الأمة بمجلسيه، يقول الغالي إنه "شكل فرصة تاريخية لإرسال مجموعة من الرسائل التي تبعث على الطمأنة والثقة والارتياح والمصداقية".

وتابع أن ماكرون أكد، من خلال خطابه، على أن "موقف فرنسا موقف ثابت، ويعكس موقف دولة، مادام أن زيارته هي زيارة دولة. وبالتالي، أكد أن حاضر ومستقبل الصحراء لا يمكن أن يكون إلا في إطار السيادة المغربية؛ ما يعني اعترافا صريحا بمغربية الصحراء".

وأضاف المتحدث نفسه: "ماكرون أكد، أيضا، على الروابط التاريخية بين المغرب وفرنسا. كما أكد، مرة أخرى، على أن هناك مصيرا مشتركا للدولتين. وبالتالي، ففرنسا، على أي، دائما وفية وتعترف بالمشترك التاريخي، دون أن ننسى أن هناك سياقا جديدا لابد من التأقلم معه، خصوصا وأن الظرفية تفرض هذا النوع من التعامل والاتفاقيات الإستراتيجية".

وختم الغالي تصريحه بالقول: "والإشارة القوية لتوجيه هذا الخطاب لممثلي الأمة تتمثل في إبراز أهمية دور البرلمان في تنفيذ هاته الاتفاقيات"، مسجلا أن "طبيعة المشاريع التي تم طرحها بين البلدين تغطي ربع القرن المقبل".