بالنسبة لمحمد الناجي، الكاتب والباحث السوسيولوجي المغربي، لا تروم السلطة إصلاح التعليم من وراء طرحها لقضية لغة تدريس المواد العلمية، بل هي تحاول فقط مواصلة الهروب إلى الأمام.
إن ما يضخم من حجم الاحتجاجات بالمغرب وينذر بمناخ ملؤه العنف هو وضعية المدرسة أكثر من الفوارق الطبقية المثيرة للتقزز. ففي سنوات السبعينيات قامت السلطة - التي اختارت حلا بدائيا وقروسطيا لنزع فتيل تلك القنبلة التي كانت تمثلها المدرسة الوطنية التي كانت تنتج نخبة شكلت منبع الخطر سياسيا- بإنشاء مدرسة بلا روح، ولا موهبة، ولا تلبي حاجات سوق الشغل.. مدرسة تنتج اليائسين والمنفيين والمحتجين الذين لا أفق لهم. ولكن بنزعها لفتيل القنبلة التي كانت تمثلها المدرسة الوطنية ذات الجودة، صنعت هذه السلطة قنبلة أشد قوة.. أنشأت مصنعا للعنف والحقد. وهذا ما يؤكده الشارع بما يكفي، وسيؤكده أكثر وأكثر.
في الديمقراطيات الليبرالية حيث تشكل الفوارق الاقتصادية جزءا من المنظومة القائمة، تسهر المدرسة العمومية على رتق التماسك الاجتماعي إيديولوجيا، هذا التماسك الذي تزعزعه الفوارق في الثروات. فهي تعمل على تقريب مختلف شرائح الصغار والشباب في فضاء مشترك، لتحمي بالتالي ذلك الإحساس بالانتماء الوطني.
إن الخطأ الاستراتيجي الذي اقترفته السلطة بالمغرب يكمن في إقدامها على تدمير المدرسة الوطنية المفتوحة أمام الجميع، فاليوم هناك المدرسة العمومية الموجهة للفقراء ومدرسة أخرى خاصة بالمحظوظين. هكذا أخذ التعليم المغربي يفاقم التناقضات الاجتماعية بما أنه صار منتجا مباشرا للفوارق. كما أن المدرسة فقدت دورها كآلية لخلق التراضي والتوافق، وأصبح النظام التعليمي منبعا للحقد، إذ تم فيه التفريق بين الأطفال الفقراء والأغنياء، ونشأت في حضنه الغيوتوهات.
وسط هذا كله، لا تشكل قضية اختيار لغة تدريس المواد العلمية سوى تلك الشجرة التي تخفي الغابة.
تدريس ماذا؟ لمن؟ كيف؟ من طرف من؟ فهذا ليس مجرد مشكل تقني؟
والواقع أن وضع هذا المشكل على كاهل الإسلاميين سيكون كذبة كبيرة، فالحداثيون تعاملوا بلا رحمة على هذا المستوى لما كانوا في السلطة. كما أنه لا يمكننا أن نتوقع من هؤلاء الإسلاميين القبول بتهميش اللغة الوطنية، ولغة الهوية (مع الأمازيغية)، ولن نقبل هذا الأمر معهم. فالوحدة الوطنية، التي تعاني أصلا بسبب الفوارق الاجتماعية، ستكون في مواجهة خطر شديد بسبب القطائع الثقافية المتهورة والمتسرعة.
في تقديري تشكل ثلاث كلمات مفتاح هذا النقاش كله: النجاعة، اللغة، والهوية. بعبارة أخرى يجب أخذ مصلحة التلاميذ بعين الاعتبار والحفاظ على الوحدة الوطنية.
والحال أن الطريقة التي يجري بها طرح القضية تنم عن سعي إلى الترقيع وليس إلى العلاج العميق. فالسلطة لا تنوي إصلاح التعليم بل تحاول فقط الهروب مجددا، ولكن المدرسة تتربص بها في المنعطف، وسيكون ثمن هذا الهروب باهظا.