في سياق الجدل المستمر حول تعديل مدونة الأسرة بالمغرب، دعا المصطفى الرميد، وزير العدل السابق، إلى ضرورة إجراء مراجعة شاملة لها على ضوء المعطيات الديموغرافية الجديدة.
وقال الرميد، في تدوينة على صفحته الرسمية بمنصة "فيسبوك": "من حقنا نحن المغاربة، ونحن نعيش في عالم قلق ومضطرب، أن ننوه بمتانة مؤسسات بلادنا، واستقرار أحوالنا، والرشد في منهجية مقاربة مشاكلنا. الدلائل على ذلك كثيرة، لعل أهمها هو الطريقة التي عولج بها، إلى حد الآن، موضوع تعديل مدونة الأسرة، خاصة اعتماد القاعدة الذهبية التي تقول: "لا أحل حرامًا، ولا أحرم حلالًا"، وهي القاعدة التي أكد عليها الملك محمد السادسن مرارا وتكرارا، وجعلها لازمة من اللوازم الثابتة في خطبه المتعلقة بالموضوع".
وأضاف وزير العدل السابق: "وهكذا، وبعد أن بلورت اللجنة التي أناط بها الملك مهمة إعداد التعديلات المطلوبة، أمر بإحالة المقترحات على الرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، الذي قرر ما قرر، على سبيل الاجتهاد؛ مما يمكن للمرء أن يتفق معه فيه أو يختلف، ولا ضير في ذلك. ولكن الكلمة الأخيرة هي للمؤسسات، وفي هذا السياق، لا كلمة تعلو في القضايا الشرعية على كلمة المجلس المذكور، وهذا هو منطوق الدستور الذي لا محيد عنه"، مشيرا إلى أن "هذا لا يمنع من إثارة الانتباه إلى ما ينبغي، وما يجب، باعتبار أن المملكة قامت بإنجاز إحصاء عام للسكان والسكنى هذه السنة، سنة 2024".
ولفت الرميد إلى أنه "كان حريا التمعن الجيد في معطيات هذا الإحصاء، خاصة وأن من مقاصده تكوين قاعدة للملاحظة لإنجاز البحوث لدى الأسر"، مضيفا أن "ما يثير الخوف والقلق هو المعطيات الإحصائية التي تفيد بما يلي: أولا، تواصل انخفاض معدل الخصوبة الكلي؛ حيث كان المتوسط الوطني، سنة 2004، في حدود 2.5 في المائة، لينخفض، سنة 2014، إلى 2.2 في المائة، ثم ينخفض، مرة أخرى، سنة 2024، إلى 1.97 في المائة، وهو انخفاض ينذر بعواقب وخيمة على المستقبل الديمغرافي للبلاد، إذا استمر هذا المنحنى الصعب".
وتابع المتحدث نفسه: "ثانيا، إن هذا الانخفاض الحاد في معدل الخصوبة كان من تجلياته المباشرة انخفاض مستوى حجم الأسر؛ حيث كان متوسط عدد الأفراد في كل أسرة، سنة 2004، يبلغ 5.3 فردا، لينخفض إلى 4.6 فردا، سنة 2014، ثم إلى 3.9 فردا، سنة 2024. ثالثا، أدت هذه المعطيات إلى تباطؤ النمو السكاني؛ حيث سجل هذا النمو نسبة 1.38 في المائة، بين سنتي 1994 و2004، ثم تراجع إلى 1.25 في المائة، بين سنتي 2004 و2014، ليصل إلى مستوى 0.85 في المائة، بين سنتي 2014 و2024".
وأورد الرميد أن "هذه المعطيات الديموغرافية الصاعقة يبدو وكأنها لا تعني شيئا، بدليل عدم فتح نقاشات عمومية واسعة حولها، وعدم قيام الفاعلين المعنيين بتقديم إجابات بشأنها. وللأسف، تأتي هذه المقترحات التعديلية لمدونة الأسرة وكأن هذه الإحصائيات أمر عادي، ولا تعني الأسرة من قريب أو بعيد. لذلك، فإن المؤكد أن مستقبل بلادنا مهدد ديموغرافيا، وعلينا أن نتساءل عن الأسباب والعلل، ونقارب كافة الإصلاحات الأسرية على ضوء هذه الأرقام المنذرة".
واستطرد: "وعلى هذا الأساس، إذا كانت هذه المقترحات ستسهم في الحد من الانحدار الديموغرافي، فمرحى وألف مرحى. أما إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني، فإنه ليس من الحكمة اعتمادها. لذلك، أدعو إلى التأنّي الضروري في البلورة النهائية للتعديلات، واعتبار موضوع الإشكالية الديموغرافية من بين المشاكل التي ينبغي التصدي لها بكافة الحلول الممكنة، ومنها الحلول التشريعية التي تهم الأسرة، دون أي اعتبار جزئي مهما كان نوعه وأهميته، إذا كان في النهاية سيؤدي إلى ضياع الاعتبارات الكلية".
وختم الرميد تدوينته بالقول: "إن مما يثير الانتباه، أيضا، أن مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 كانت تنص في أصلها على تعريف الزواج بأنه "ميثاق ترابط وتماسك... إلى أن تقول: "غايته العفاف وتكثير سواد الأمة". هكذا كان وعي الرواد الأوائل بأهمية العامل الديموغرافي، وعلاقته بالأسرة. غير أن مدونة الأسرة لسنة 2004 استغنت عن هذه المعطيات في تعريف الزواج. وبعد عشرين سنة، يبدو واضحا أنه من الملائم أن نراجع حساباتنا، وأن نفكر عميقا وبعيدا في مستقبل المغرب، مغرب الأجيال القادمة التي ربما قد تضيع في أهم مقوماتها بسبب حساباتنا الصغيرة، وقصور نظرنا".