مدياني يكتب: الحاجة إلى المغرب ليست نزهة

أحمد مدياني

لنترك كل قناعتنا جانبا، رغم أنها محرك أساسي وليس رئيسيا في التحليل، كي لا نسقط في فخ استحضار ما هو ذاتي على حساب الشروط الموضوعية أمامنا.
ومناسبة هذه المقدمة، ما تشهده فرنسا منذ قتل الفتى نائل من أصول جزائرية برصاص الشرطة الفرنسية، التي وجهت لها الأمم المتحدة هذه المرة خطابا صريحا بأن العنصرية متجذرة في صفوفها.

ما يهمنا هنا هو المغرب وما كان يمكن أن يلعبه من دور تجاه بلد كان، بالأمس القريب، الحليف الكلاسيكي، بحكم المصالح المشتركة مع المستعمر السابق للمملكة، بصيغته العسكرية.

المغرب بكل أجهزته كان يوفر لبلاد الديكة ما يجعلها تصيح، باكرا، على توقيت الفجر بالدقيقة والثانية، قبل كل جيرانها الأوروبيين، وحتى وإن تأخر استيقاظ ديكة فرنسا بسبب حدث ما، يعيد المغرب ضبط المنبه لها لاستدراك ما فاتها، وإن تعلق الأمر بمصاب جلل؛ مثل هجمات باريس الإرهابية الأخيرة.

المملكة بحكم تواجدها الأمني القوي في أوروبا، وفهمها لخارطة توزيع الجاليات وارتباطاتها، وقوة تأثيرها في الأوساط الملتزمة الدينية، على وجه الخصوص، فضلا عن امتلاكها قاعدة معلومات لا تنضب ولا تجف منابعها بخصوص كل المجموعات التي تتحرك، بشكل منظم، مهما كان نشاطها، شاء من شاء أم لم يشأ، كان من الممكن أن تلعب دورا فعلا في ما تعيشه فرنسا اليوم من احتجاجات عنيفة، وقفت عاجزة عن تطويقها أو فهم كيف تتحرك، وأين، ومتى.

عند الفرنسيين، ما لا يهم العرق الفرنسي تحديدا فوق ترابها لا يهم. هذه القاعدة راكمها من تعاقبوا على حكم الجمهوريات الخمس، ولذلك كان محركهم ولا يزال ما يكنزون لأجلهم ولدولتهم من الخارج أكثر مما يقدمونه للداخل، فهم مقتنعون بأن استمرار دولتهم كان وما يزال فوق ميزان سطوتهم خارج الحدود، وإشاعة أيديولوجية الدولة لدى الآخرين أكثر من الفرنسيين أنفسهم.

نفس هذه الأيديولجية في الاقتصاد والثقافة والمجتمع والسياسة تلتزم بها في فرنسا، في كل ما يتعلق بما هو أمني. لذلك، قد تجد الدولة قوية أمنيا مخابراتيا في الدول؛ حيث استعمارها المقنع مستمر أكثر من قوتها داخليا.

وكم من مرة ملأ لها المغرب هذا الفراغ، كما ملأه لغيرها، حين تقرر أجهزته ذلك.

خسائر فرنسا لليلة الخامسة، على التوالي، باهظة جدا، سببها ليس فقط رصاصة طائشة من مسدس شرطي، بل أيضا هنعجية نظامها الذي يريد دوما أن يبقى السيد على كل شيء وأي شيء، بدون منافس.

يحق له أن يتجسس عليك ويزرع عملاءه في واضحة النهار ضدك لحماية مصالحه، وأنت لا يحق لك ذلك. يوظف ملفات حقوق الإنسان وحرية التعبير ومناهض العنصرية في كل شبر فوق الكرة الأرضية وعنده اليمين المتطرف بأحزاب قانونية تشارك في الانتخابات وتستخدم كأوراق للضغط. يسلب الهوية من غير الفرنسيين، ويسن قوانين لأجل الفرنسيين بحمولات يصفها هو ب"الرجعية".

تطويق الاحتجاجات العنيفة في فرنسا، وأقولها بدون مبالغة، كان ليحتاج حلفيا قويا مثل المغرب، يفهم جيدا تفكيك خيوط المنبع ومخاطبة أصل الشرارة بما يلزم من حمولات لا يمكن إتقان لغتها سوى من طرف المغاربة.

"كودات" لا يقوى على تفكيك شفراتها إلا الذين راكموا مواجهة ما هو أكثر، بأقل الخسائر الممكنة.

وإن استمرت الأوضاع هكذا، خلال الأيام القادمة، ستعود فرنسا لإعلان حالة الطوارئ، عوض الاكتفاء بتشكل خلية أزمة؛ لأن الحليف القوي الذي يتقن ما يتجاوز خطاب التصريحات الدبلوماسية وتقطار الشمع، مثل ما واجهه المسؤولون الفرنسيون من الجزائر، أجبر على لعب دور المتفرج على فصول وقائع يفهم تحركاتها ومآلها أكثر من الفرنسيين أنفسهم.

يمكن وضع ما سبق في سياق التساؤلات فقط، بعيدا عن نسق اليقين، لأنه لا حقيقة حيث يمكن أن تكون في السياسة. والأهم هو الأسف تجاه ما يقع اليوم في فرنسا.

خلال الأيام الثلاثة السابقة توصلت برسائل من مغاربة يقيمون عند خطوط التماس مباشرة في الأحياء التي تعرف المظاهرات العنيفة، بدروهم يشتكون من مخلفاتها على حياتهم اليومية وممتلاكتهم. منهم من علق على أخبار نشرناها في "تيلكيل عربي" بنفس ما توصلت به.

الأكيد في الأخير أنه كان يمكن أن يكون للمغرب دور لصالح أمن وطمأنينة كل من هم فوق التراب الفرنسي، أو من كانوا يحضرون للسفر إليه من أجل قضاء عطلتهم الصيفية.

يبقى القرار لفرنسا، وحدها تفهم إلى حد ما، ما هو القرار السيادي للدول، كيف ما كانت عواقبه.