أثار فوز صلاح الدين مزوار برئاسة "الاتحاد العام لمقاولات المغرب" (CGEM) الكثير من التساؤلات حول الطريقة التي سيتبعها الرئيس الجديد في تسيير هذه الهيئة الاقتصادية، وعن تداخل السياسي والاقتصادي في تدبير شؤونها، خاصة وأن مزوار جاء إلى مركزه الجديد وهو يجر خلفه مسارا سياسيا مثيرا للجدل. "تيل كيل" اتصلت به واستقصت وجهة نظره، والخطوط العريضة لخارطة طريق الباطرونا في عهده.
في 21 ماي الماضي، عشية انعقاد الجمع العام لـ"الاتحاد العام لمقاولات المغرب" (CGEM)، كان مقربون من صلاح الدين مزوار (الوزير السابق) يعلنون النصر قبل ساعات من شروع أرباب المقاولات المنتمين لتنظيم الباطرونا في التصويت. والواقع أن حجم الدعم الذي حصل عليه الرجل لم يترك أي مجال للشك في مآل الانتخابات، خاصة بعد معرفة عدد التوكيلات، التي تمسح للأعضاء الغائبين بتعيين ناخب ينوب عنهم يوم الاقتراع. فبينما لم يفلح حكيم المراكشي في الحصول سوى على حوالي 100 توكيل، تمكن الرئيس السابق للتجمع الوطني للأحرار من جمع 800، حسب ما كشف مصدر مقرب من الرئيس الجديد للباطرونا، أي ما يعادل حوالي 4 آلاف صوت (للعضو الحق في عدد من الأصوت يصل إلى 10 حسب رقم معاملاته).
لنقم الآن بعملية حسابية دقيقة: فمن بين الـ2767 شخصا الذي يحق لهم التصويت، حضر في الجمع العام لـ22 ماي الماضي 1228 فردا فقط، وهذا يمثل حوالي 6721 صوتا، وبلغ عدد الأصوات المعبر عنها 6635 صوتا، حصل منها مزوار على 5173 صوتا. "لما ندرك أن 4 آلاف صوت مصدرها 800 توكيل، يمكن القول إن مزوار فاز بالتوكيل"، يقول قريب من حكيم المراكشي، الذي ذهب إلى حد اتهام الرئيس الجديد بالضغط على أرباب المقاولات. "هذا الكلام فيه مبالغة كبيرة جدا"، يرد المعني بالأمر الذي يضيف بهدوء "إنهم يؤاخذوننا على إجراء اتصالات هاتفية. نعم، جرت اتصالات هاتفية. فحين ننخرط في حملة انتخابية، فإننا نشكل فريقا ينهض بمهمة الإقناع وكسب الأصوات. وكنت محاطا بفريق عمل – صحيح أنه كان أكبر من فريق المنافس- قام بمهمته أحسن قيام". ويقسم الوزير السابق أن فريقه لم يقم بأي ضغط على أرباب المقاولات(...)
مرشح القصر؟
هل كان صلا ح الدين مزوار مرشح القصر؟ هذا هو السؤال الذي كان أرباب المقاولات يبحثون له عن جواب، خاصة وأن "التقاليد" تقول، منذ 15 سنة، بأن "مرشح السلطة" يفوز بدون الحاجة إلى خوض أي معركة انتخابية. بدا أن الوضع قد تغيير في انتخابات 22 ماي الماضي. وحسب مصدر عليم، فقد "حصل المراكشي على إشارة من فوق تفيد بأن القصر ليس له أي مرشح، وبإمكانه بالتالي الإبقاء على ترشيحه".
ولكن مع ذلك مازال هناك سؤال آخر: لماذا وضع صلاح الدين مزوار نصب عينيه رئاسة الباطرونا رغم أنه لم يكن يتوفر على الشروط المطلوبة؟
"لما تم تداول الأخبار عن ترشيحي، كنت ما أزال مترددا. فقد اقترح علي الأمر، ولكن لم أكن قد حسمت أمري.. كنت أحظى بدعم عدة جهات: طنجة، سوس، ... إلخ" يقول مزوار، نافيا أن يكون قد تلقى "رسالة من فوق"، وموضحا أن " 'الفوق' لم يتدخل في هذه الحملة. لا أعلم إن كان يفعل هذا في الماضي، المهم هذا لم يحصل معى...".
وماذا عن انتمائه السياسي؟
يرد المعني بالأمر قائلا "صحيح أنني لم أكن مجرد متعاطف أو منتسب بل زعيم حزب، وهذا لا شك معطى مهم. وحتى أكون صريحا، فهذا الأمر هو الذي جعلني مترددا في الأول، وكنت أقول لنفسي ' كيف سيتم تأويل هذا الأمر، هل سيتم اتهامنا بأننا نريد الاستحواذ على الباطرونا؟'". ويتابع "اقتنعت عبر عدة منافشات، بأنه لا تناقض البتة في الامر، بما أنني رحلت عن هيئة الباطرونا وعالم المقاولة لألتحق بالحكومة، وممارسة السياسة، وها أنا اليوم أعود إلى عالم المقاولة".
مسافة واحدة مع كل الأحزاب؟
"إن وصلت إلى رئاسة الباطرونا، سأستقيل من التجمع الوطني للأحرار". من خلال هذا الوعد كان مزوار يروم طمأنة عالم الأعمال. ولكنه، وهذا ما قال بنفسه، لم يكن مجرد منتسب، بل الرئيس السابق لحزب الحمامة. وكان يقول في الحملة الانتخابية السابقة إنه يحمل مشروعا سياسيا واجتماعيا، وقناعات راسخة، فهل تكفي استقالته من حزب الأحرار لمسح ماضيه السياسي؟
يشكك عدد من أرباب المقاولات في ذلك. فهذا حسن الشامي يوضح لنا في حوار حديث معه أنه في هذه الانتخابات "قيل لأرباب المقاولات: 'أنتم تعرفون الالتزام السياسي لأحد المرشحين، والالتزام الاقتصادي للآخر، فاختاروا بينهما'. فهل نريد منظمة هدفها الوحيد الدفاع عن مصالح المقاولات أم نريد أن تستمر في ممارسة السياسية، وهو الوضع القائم منذ 2006؟" ولكن خلف مريم بنصالح شقرون يحاول طمأنة الجميع بالقول "في هيأة الباطرونا كل الأحزاب ممثلة، ولكننا لا ننخرط في نقاشات سياسية، بل هناك نفاش اقتصادي، اجتماعي، نفاش حول طبيعة العلاقة مع الحكومة، والشركاء الاجتماعيين، ويتعين علينا الحفاظ على هذا الوضع". ثم يضيف "في اليوم الذي حسمت فيه أمري، أعلنت أنني سأنسحب من السياسة... وسأحتفظ بنفس المسافة مع كل الأحزاب السياسية. ستكون أمامي حكومة يتعين علي العمل معها، لأن عملنا لا يقوم على منطق المعارضة بل على منطق البناء، والبحث عن الحلول".
"المقاطعة" وعدم الثقة
إذا كانت الرئيسة السابقة للباطرونا قد أحجمت عن التعليق على حملة المقاطعة الجارية، لأنها كانت تستهدف علامتها "سيدي علي"، فإن خلفها مزوار يعتبر أن القضية "أولا قضية الحكومة، والسياسيين، والبرلمان، والمؤسسة التي كان يفترض فيها أن تعلب دورا، ولكنها ليست حاضرة اليوم، وهي مجلس المنافسة". وماذا أيضا؟ "على أي حال، فهذا شكل جديد للتعبير يجب علينا جميعا أن نحسن قراءته.
"هل هي تلقائية أم لا، موجهة أم لا؟
لا أعلم، ولكن يجب دائما التعامل مع مثل هذه الظواهر بالجدية اللازمة. ويتعين على الحكومة التوفر على الآليات الضرورية لقياس الحرارة الاجتماعية والخيبات التي يمكن التعبير عنها بكل الأشكال".
ثم يتساءل "لماذا استهدفت المقاطعة تلك العلامات التجارية الثلاث بالضبط؟ فهناك العديد من ماركات الماء، والعديد من منتجي الحليب، والعديد من موزعي الغازوال والبنزين. ماذا يريد المقاطعون إثارته؟".
يقر الرجل لأول مرة بأثر هذه المقاطعة "لقد خلفت أضرار كبيرة وأكبر مما كنا نتصور، ليس فقط للعلامات التجارية الثلاث، بل للمناخ الاقتصادي. لقد خلقت جوا من عدم الثقة". ثم رمى بالكرة في حجر الدولة "نحن في دولة، وفي أي دولة هناك مؤسسات يتعين عليها ضبط مثل هذه الظواهر. يجب الاتجاه نحو تقديم الأجوية، ليس بالقمع، يجب العمل على الطمأنة، على تصحيح الأوضاع...".
صداع النقابات
كيف سيتعامل خلف مريم بنصالح شقرون مع النقابات؟
بالتفاعل الكامل. هذا ما يؤكده على كل حال. "إنهم شركاء لهم مطالب، ولهم دور. لا يجب أن نطلب من شركاء اجتماعيين أن يتحولوا إلى ما نرغب فيه". وإلى أي حد يمكنه الذهاب في هذا التفاعل؟ "النقابيون ليس أناس منغلقين أو بلداء. وأنا أعرفهم جميعا، وسبق لي العمل معهم وبروح إيجابية دائما. كل شيء سيجري معهم بناء على منطق التوافق" يقول مزوار، ثم يضيف "وإذا كنت قد أطلقت فكرة ميثاق النمو والشغل الذي يجب أن ندمج فيه البعد الاجتماعي، فلأنني أعتقد ان هذه الخطوة يمكن أن تجمع كل الفاعلين حول أهداف مشتركة.
التواطؤ مع السلطة
إن "التواطؤ" بين أرباب المقاولات والسلطة يكون مفيدا مادام يصب في مصلحة المغاربة، ولكن هناك ميل إلى الشطط في هذا التواطؤ حسب ما يرى حسن الشامي، الرئيس الأسبق لـ"الاتحاد العام لمقاولات المغرب". ما رأي الزعيم الجديد للباطرونا؟
"لا يمكنني الحكم على رأي حسن الشامي. وبما أنني كنت فاعلا ديبلوماسيا وواكبت رؤية جلالة الملك، فيجب علي التحلي بالموضوعية والعقلانية. وأقول ليس هناك أي تواطؤ بين السلطة وأرباب المقاولات".
ولتعزيز كلامه يشدد على أنه في كل البلدان هناك علاقة بين الديبلوماسية الاقتصادية للدولة والشركاء الخاصين. ويتابع موضحا "لما تكون في بلد ما حاجة إلى التمويل، والسكن الاجتماعي، والبنية التحتية، والفلاحة، والنظام البنكي، يتوجه المسؤولون إلى المقاولات الأكثر استعدادا، لأن في الأمر التزاما في أعلى هرم السلطة بالدولة، لأن جلالة الملك يتنقل إلى عين المكان: هناك اتفاقات يتم توقيعها، ومحاسبة...".
ويستعين بذكرياته في وزارة الخارجية ليضيف "أؤكد لكم أنه لم تكن هناك محاباة أو تدخل لإرسال هذا أو ذاك من أرباب المقاولات. كنت أعد التنقلات وأراعي حاجات البلدان، وطبيعة الشركاء ومجال عملهم، ومدى خبرتهم وتجربتهم... وكنت أتوجه إلى رئيسة الباطرونا قائلا: هذه هي المحاور التي نشتغل عليها في إطار زيارة هذا البلد أو ذاك. وبطبيعة الحال كانت الباطرونا وتجمع الأبناك ينسقان فيما بينهما". ليخلص إلى أن "جلالة الملك حريص على المبادئ، ولا يخلط بين الأمور".