يعد مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري من أبرز المشاريع الطاقية التي تواجه مجموعة من التحديات المتنوعة، لكنه يحمل في الوقت ذاته فرصًا كبيرة للتنمية الاقتصادية والتعاون الإقليمي.
وفي هذا السياق، أفاد عبد الصمد ملاوي، الخبير في تكنولوجيا الطاقات المتجددة والأنظمة الحديثة، أن مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري الذي يمر عبر المغرب يُعد من المشاريع الكبرى التي تواجه تحديات عديدة.
وأوضح أن من بين الخصائص التي تميزه حجمه الضخم وما يتطلبه من تمويل هائل، بالإضافة إلى ارتباطه بقطاع الطاقة، الذي يشهد عادةً توترات عديدة نتيجة للاستثمارات الكبيرة التي يستقطبها، ما يجعله عرضة لتدخلات دولية متشابكة.
وأشار ملاوي، خلال تصريح لـ"تيلكيل عربي" إلى أن التحديات التي تواجه المشروع لا تقتصر على الجانب المالي والسياسي فقط، بل تمتد إلى الجوانب الجغرافية والاستراتيجية، حيث يمر الأنبوب عبر منطقة في القارة الإفريقية تشهد نزاعات مستمرة وتتميز بقدر كبير من الهشاشة. هذه الظروف تجعل من تنفيذ المشروع مهمة معقدة تستوجب معالجة دقيقة للتحديات الأمنية والسياسية المرتبطة به.
التحديات الجيوسياسية
وأوضح ملاوي، أن مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري، رغم الامتيازات التي سيحققها للدول التي سيمر منها، باعتباره حافزاً للتنمية الاقتصادية في القارة الإفريقية، خاصة لدول غرب إفريقيا والدول المستفيدة من الغاز، إلا أنه سيواجه عدداً من التحديات التي يمكن تصنيفها إلى أربعة محاور رئيسية، أولها التحديات الجيوسياسية.
وأكد أن الاضطرابات السياسية في الدول الثلاث عشرة التي سيمر منها الأنبوب تُعد من أبرز التحديات، حيث تشهد بعضها توترات في أنظمتها السياسية، فيما تواجه أخرى إكراهات أمنية مرتبطة بنشاط الجماعات المسلحة المجاورة لها. هذه العوامل قد تشكل عائقاً أمام نجاح المشروع وتقدمه.
وأضاف أن التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى الساعية للهيمنة على موارد الطاقة في القارة الإفريقية قد يؤدي إلى تدخلات مباشرة أو غير مباشرة لعرقلة هذا المشروع. وأشار إلى أن هذه التدخلات قد تأتي من دول كبرى تسيطر على قطاع الغاز، مثل روسيا، أو من أطراف إقليمية مجاورة للمسار الذي سيمر منه الأنبوب، والتي ترى في نجاحه تهديداً لمصالحها، مثل الجزائر، باعتبارها دولة مصدرة للغاز، حيث لا يخدم المشروع مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، مما قد يدفعها إلى محاولة إفشاله.
التحدي الاقتصادي
ولفت ملاوي، إلى أن التحدي الثاني الذي يواجه المشروع هو التحدي الاقتصادي، حيث يُعد من المشاريع ذات التكلفة العالية جداً، إذ تُقدر تكلفته بأكثر من 25 مليار دولار على الأقل. ويعد توفير التمويل اللازم من أبرز التحديات، خاصة أن بعض الدول أبدت استعدادها للانخراط الاقتصادي في المشروع، بينما لا تزال دول أخرى تُبدي نوايا فقط دون تأكيد فعلي لمشاركتها المادية أو الاستثمارية.
وأوضح أن الدول أو المنظمات الدولية الممولة غالباً ما تأخذ بعين الاعتبار عوامل الأمن وضمان نجاح المشاريع الاستثمارية قبل الالتزام بدعمها. وبالتالي، فإن التحديات الجيوسياسية التي سبق ذكرها قد تُثير مخاوف لدى بعض المنظمات والأبناك الدولية، مما يُعيق تأكيد تمويلها وانخراطها الاستثماري الفعلي في المشروع.
وتابع قائلاً إن من الأسباب التي قد تُثير مخاوف الممولين تجاه الانخراط في هذا المشروع هو تقلب أسعار الغاز في السوق الدولية، مما يُثير تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية للمشروع على المدى الطويل. وهناك دولاً لديها قناعة راسخة بجدوى هذا المشروع ومنافعه، بينما تنظر دول أخرى إلى المسألة من زوايا مختلفة تتعلق بمستقبل سوق الغاز الطبيعي.
وأضاف أن تطور سوق الطاقات المتجددة والقوانين التي تدعمها، والتي تسعى لتقليص الاعتماد على المصادر الأحفورية، تُعد من العوامل المؤثرة على قرارات بعض الدول بشأن المشاركة في المشروع. وأوضح أن هذه التحديات دفعت بعض الدول التي أبدت استعدادها المبدئي للانخراط إلى التريث وعدم تأكيد مشاركتها التامة حتى الآن، نتيجة المخاوف من تأثير هذه الظروف على العائدات المستقبلية للمشروع.
التحدي التقني والبنية التحتية للمشروع
واستطرد قائلاً إن التحدي الثالث يتمثل في الجانب التقني والبنية التحتية، حيث أن المشروع الكبير يتطلب تجهيزات بنية تحتية ضخمة ومتخصصة للغاية، نظراً لمروره بعدد من الدول التي تتمتع بخصوصيات مختلفة.
وأضاف أن هذه الخصوصيات تفرض ضرورة استخدام تقنيات متقدمة ومكلفة في مختلف مراحل المشروع، بداية من التوريد والصيانة وصولاً إلى حماية الأنبوب من المخاطر الطبيعية كالزلازل والكوارث الطبيعية، إضافة إلى المخاطر غير الطبيعية التي قد تؤثر على بعض المسارات.
التحدي البيئي
وفيما يتعلق بالتحدي الرابع، قال إنه يكمن في الجانب البيئي، حيث قد يواجه المشروع انتقادات وعراقيل قانونية من المنظمات البيئية التي تدافع عن تطوير المصادر المتجددة والنظيفة على حساب المصادر الأحفورية. وأضاف أن بعض القوانين التي تحمي الأنواع الإحيائية التي يمر الأنبوب عبرها قد تُشكل عائقاً، خاصة إذا كانت هناك تأثيرات سلبية على هذه الأنواع. وبالتالي، فإن هذه التحديات البيئية قد تُعتبر من أبرز العوامل التي قد تعرقل سير هذا المشروع.
واختتم حديثه قائلاً إنه رغم التحديات التي يواجهها، يبقى هذا المشروع قد قطع خطوات مهمة جداً وهو في مراحله الأخيرة من الإنشاء. وأكد أنه سيكون له دور كبير على الصعيدين الاقتصادي والطاقي بالنسبة للدول التي سيمر منها، بالإضافة إلى الدول المستفيدة من الغاز الطبيعي. كما أشار إلى أن أوروبا، التي تواجه حالياً صعوبات بسبب تقليص الإمدادات الروسية، قد تجد في هذا المشروع بديلاً مهماً يعزز أمنها الطاقي.