ينقسم المشجعون المصريون حيال نهائي كأس الأمم الإفريقية في كرة القدم، بين دعم الجزائر العربية في مواجهة السينغال، أو تشجيع "أسود تيرانغا" لأن تتويج أي كان باللقب سيكون أخف وطأة عليهم من رفع الجزائريين الكأس على أرضهم.
سيكون ستاد القاهرة الدولي، الجمعة، مسرحا لمواجهة مرتقبة تتويجا لبطولة تدور رحاها على أرض المحروسة منذ 21 يونيو.
السنغال، أفضل المنتخبات القارية في تصنيف الاتحاد الدولي (فيفا)، تواجه الجزائر التي قدمت أفضل العروض في النسخة الثانية والثلاثين لأمم إفريقيا، واستحقت صفة المرشحة الأبرز لنيل لقبها الثاني بعد 1990.
أبعد من الميدان، يثير حضور الجزائر آراء متفاوتة في مصر، تستعيد تاريخ العلاقة الشائكة بين القطبين العربيين في ميادين شتى، منها الرياضة حيث بلغ توتر بين القاهرة والجزائر ذروته عام 2009.
بينما كانت الجزائر تخوض مباراة الدور نصف النهائي الأحد، والتي انتهت بفوزها على نيجيريا 2-1، قال الإعلامي المصري عمرو أديب عبر برنامجه "الحكاية"، "جمهور جزائري كبير، جمهور مصري كبير موجود في الستاد، كله يساند وكله يشجع الجزائر".
فصول هذه الحكاية لم تكن دقيقة. صحيح أن مئات المصريين هتفوا للجزائر ورفع بعضهم لافتة "الجزائر في قلب مصر"، لكن عشرات آخرين شجعوا نيجيريا، وفاضوا حماسة عندما عادل منتخب "سوبر إيغلز" ("النسور الممتازة") النتيجة، ما أثار توترا في الملعب ودفع قوات الأمن المصرية لتعزيز حضورها، بحسب صحافي في وكالة فرانس برس.
يحضر هذا الانقسام حيال المنتخب الجزائري خارج حدود الملعب أيضا.
بالنسبة إلى محمد، المحاسب البالغ من العمر 32 عاما، المنتخب الجزائري "يستأهل أن يصل النهائي ويكسب (في نصف النهائي)، لكننا لا نتمنى أن يتوجوا بلقب البطولة"، مبديا خشيته من حصول "مشاحنات".
تنبع هذه الخشية من رواسب نونبر 2009، حين تعرضت حافلة المنتخب الجزائري لاعتداء من قبل مشجعين مصريين في القاهرة، حيث حضر استعدادا لخوض مباراة ضمن التصفيات المؤهلة الى مونديال 2010. وتكررت أحداث الشغب على هامش مباراة فاصلة بين المنتخبين أقيمت في السودان، وانتهت بتأهل الجزائر للمونديال على حساب مصر.
بعد تلك الحوادث، صدرت دعوات من كل حدب وصوب للتهدئة، بينما تبادل البلدان الاتهامات عبر وسائل مختلفة لاسيما في الإعلام، وصولا إلى استدعاء دبلوماسيين وتوتر في العلاقات استمر لنحو ثلاثة أشهر.
شكل الأمن هاجسا أساسيا للسلطات المصرية منذ ما قبل انطلاق بطولة أمم إفريقيا، لاسيما وأنها الحدث الرياضي الأكبر الذي تستضيفه في أعقاب ثورة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، وما تلاها من حوادث وهجمات في القاهرة ومناطق أخرى.
وانتشرت قوات الشرطة والأمن في شوارع العاصمة والمدن الثلاث المضيفة (الإسكندرية، السويس، والإسماعيلية)، في حضور كان يتعزز في الملاعب ومحيطها أيام المباريات.
لكن البطولة سارت حتى الآن دون أي حادث أمني يذكر، وهو ما يؤكده لوكالة فرانس برس مصدر في وزارة الداخلية فضل عدم كشف اسمه.
ويوضح المصدر "حتى هذه اللحظة لا توجد أي مشاكل أو خلافات أو أزمات أمنية"، مشيرا إلى أن احتفالات مشجعي الجزائر بعد كل من مبارياتهم الست حتى الآن "في الشوارع كانت بمشاركة المصريين ومن دون أي غضب ودون أي أزمات" بين الطرفين.
على رغم رواسب العلاقة المتوترة سابقا، يجد العديد من المصريين أنفسهم داعمين للجزائر، وإن بشعور مجبول بمرارة ضياع فرصة لقب لمصر، مع الخروج المفاجئ لمنتخب الفراعنة في ثمن النهائي على يد جنوب إفريقيا.
ويرى مشجعون مصريون أن دعم الجزائر طبيعي في إطار علاقة الشعوب العربية ببعضها البعض. ويوضح علي، الطالب البالغ من العمر 23 عاما، لفرانس برس "سأشجعهم لأننا كلنا عرب، لكن في ظروف عادية لا أشجعهم بعد الذي حصل"، في إشارة الى أحداث 2009.
كغيره من مشجعي النادي الأهلي، يتذكر علي العديد من حوادث الشغب التي طالت الجمهور المصري في مباريات محلية، وأبرزها "مذبحة بور سعيد" 2012 التي راح ضحيتها العشرات من المشجعين غالبيتهم من مناصري النادي الأحمر على هامش مباراة بضيافة المصري البورسعيدي.
الحادثة وغيرها التي طبعت في ذاكرة المصريين، جعلت من السلطات تتشدد في القيود على المباريات وحضور المشجعين للمباريات المحلية.
لكن على صعيد العلاقة الرياضية بالجزائر، يرى متابعون مصريون أنها خطت خطوات إلى الأمام، وأن مجرد النقاش بما إذا كان يجب دعمها أم لا في البطولة، يعد تطورا إيجابيا، بعدما كان الرأي العام يجمع على مناهضة "محاربي الصحراء" على خلفية الأحداث الماضية.
ويقول الصحافي المصري حاتم ماهر "بعد ما جرى في مباراة 2009، أصبح الناس يشجعون أي كان ضد الجزائر"، مضيفا "هذا الحوار (حاليا حول تشجيع الجزائر من عدمه) أنا أراه أمرا جديدا وإيجابيا".
ويتابع "التوتر انخفض بشكل ملحوظ، وقد يكون أحد أسباب (ذلك الانخفاض) التغييرات السياسية في مصر"، موضحا "بعد ثورة يناير بدأ ناس كثيرون يسترجعون أيام 2009، ويقولون إن مبارك وأولاده والإعلام التابع له، هم كانوا السبب فعليا في التوتر بين البلدين والجمهورين".
ويرى مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في فرنسا باسكال بونيفاس أن "بين الجزائر ومصر في تلك الحقبة، كان ثمة أيضا خصومة سياسية حول البلد الذي يقود العالم العربي تاريخيا".
وبحسب مؤلف كتاب "جيوسياسة الرياضة"، فإن نظامي مبارك وعبد العزيز بوتفليقة "واجها مصاعب وكانا يعتمدان على المنتخب" للتحسن.
الجمعة، وبعد الأداء الذي قدمه منتخب الجزائر على أرض مصر، يرى كثيرون أن "الخضر" يستحقون اللقب، ولو في عقر دار الغريم. ويقول محمد، وهو مدرب متقاعد، "الناس يأتون فرحين، لماذا لا نفرح لهم؟".