مفيد للأسر لكنه ينذر بتراجع الإنتاج والبطالة.. شبح الانكماش يقلق خبراء مغاربة

العثماني في حوار سابق مع "تيل كيل" (تصوير: ر.تنيوني)
المصطفى أزوكاح

فاقد لوهجه وعقيم، بل إنه ملغز.. ذلك ما يميز الاقتصاد الوطني، يتجلى العقم عبر البطالة المرتفعة التي تطال حملة الشهادات، ويتبدي فقدان الوهج عبر تراجع وتيرة نمو الناتج الداخلي الخام.

لا يجد خبراء اقتصاديون تفسيرا للمفارقات التي يعرفها الاقتصاد المغربي، ما يدفعهم إلى المطالبة بتفسيرات أوفى من المؤسسات الرسمية المنتجة للإحصائيا ت حول بعض المؤشرات التي تشي مثلا بانخفاض معدل التضخم والبطالة.

شبح الانكماش

ويشير محمد الطهراوي، عضو المركز المغربي للظرفية، إلى أن مؤشر الأسعار عند الاستهلاك يوجد في العام الحالي في حدود 0,2 في المائة، كما يتجلى من بيانات المندوبية السامية للتخطيط، بينما بلغ 2,2 في المائة في العام الماضي، علما أن معدل التضخم في الاتحاد الأوروبي مستقر في حدود 1,2 في المائة وفي البلدان الصاعدة يتراوح بين 4و5 في المائة.

ويدفع مستوى التضخم المنخفض الطهراوي إلى إثارة التساؤل حول إذا لم يكن المعدل الحالي يؤشر على الدخول في نوع من الانكماش Déflation، الذي يحدث عندما تتراجع أشعار  السلع والخدمات.

ويترجم الانكماش  بانخفاض عام ودائم في الأسعار يتعلق الأمر بتضخم سلبي عندما يصل إلى أقل من 0 في المائة، والانكماش هو نتيجة لانخفاض الطلب الشامل الذي لا يسمح باستيعاب كميات السلع والخدمات المنتجة من قبل الاقتصاد.

ويعتبر الانكماش خبرا سارا بالنسبة للأسر لأنه يدعم قدرتها الشرائية، بفعل انخفاض الأسعار، غير أن ذلك الوضع ينتج عنه تريث الأسر قبل الشراء، ترقبا لانخفاض أكثر للأسعار.

وينجم عن انخفاض الأسعار، نظريا، تآكل هوامش المقاولات، التي تدخل في حالة من الانتظارية، حيث تقلص استثماراتها وحتى خفض الأجور، ما يخفض طلب الأسر، وانخفاضا جديدا للأسعار، وبما أن الطلب يتراجع باستمرار، قد يترتب عن ذلك تراجع الإنتاج وارتفاع البطالة.

ويعتبر الطهراوي، أن ثمة مفارقة غريبة على هذا المستوى، ففي الوقت الذي ينخفض معدل التضخم إلى مستوى يؤشر على الانزلاق إلى الانكماش، تشتكي الأسر من تراجع قدرتها الشرائية، والحال أنه يفترض أن تستفيد من مستوى التضخم الحالي. هذا ما يحتاح إلى توضيحات  في تصوره من المؤسسات الرسمية التي تقيس نبض الاقتصاد الوطني.

ويطالب بتوضيح أسباب التناقض الحاصل بين مستوى التضخم المنخفض المعلن عنه، وتصريحات الأسر، حيث يحيل على البحث الذي تنجزه المندوبية السامية للتخطيط حول مؤشر ثقة الأسر، فقد صرحت، حسب نتائج نشرت في يوليوز الماضي،  46,2 في منها المائة بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة  ، فيما اعتبرت 32,9 في المائة منها أنه ظل مستقرا و 20,8 في المائة أنه تحسن.

وتوقعت 27,3 في المائة من الأسر تدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا المقبلة،  بينما تترقب  40,6 استقراره، و32 في المائة ترجح تحسنه، حسب بحث المندوبية.

ويتجلى أن هناك علاقة بين معدل التضخم المحدد في 0,2 في المائة وتراجع النمو الذي يتوقع المركز أن يصل إلى 2,6 في المائة في العام الحالي، مقارنة بحوالي 3 في المائة في العام الذي قبله، وهو ما قد يفسر في جزء منه بتراجع مؤشر ثقة الأسر وتصورها السلبي لما سيكون عليه المستقبل.

مليونا عاطل؟

ليست تلك المفارقة الوحيدة التي تحير خبراء المركز المغربي للظرفية، فمعدل البطالة انخفض من إلى 8,5 في المائة في الستة أشهر الأولى من العام الجاري مقابل 9,1 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي.

غير أن الطهراوي يلاحظ أن معدل البطالة في العالم القروي تراجع إلى 3,3 في المائة في الستة أشهر الأولى من العام الجاري، بينما كان في حدود 3 في المائة في العام الماضي، وهو ما يؤشر بالمنطق الاقتصادي على الأولي على تحقق التشغيل الشامل. ذلك يدفع المتحدث إلى التساؤل حول مدى بلوغ ذلك الهدف في العام القروي.

ذات الملاحظة يبديها عندما يتطرق للبطالة في المدن، حيث بدا أنها انخفضت في الستة أشهر الأولى من العام الجاري إلى 12,4 في المائة، بعدما كانت في حدود 13,7 في المائة.

وعندما يفحص وضعية سوق الشغل، يلاحظ أن التشغيل الناقص يستوعب حوالي مليون شخص، وهو نوع من التشغيل هش يمكن أن يستمر لساعة في اليوم في بعض الأحيان، وبما أن عدد العاطلين يقدر بمليون عاطل، حسب المندوبية السامية للتخطيط، فإن الطهراوي، يتساءل حول ما لم يكن من الممكن إضافة النشطين في إطار التشغيل الناقص، إلى عدد العاطلين كي يتضاعف، ونصل إلى مليوني عاطل.

ويتساءل حول ما إذا كان من الجائز الحديث عن تراجع البطالة بهذه المستويات في ظل انخفض معدل النمو الاقتصادي، الذي يتوقع المركز المغربي للظرفية أن ينحدر إلى 2,6 في المائة في العام الحالي، بينما يتوقع البنك المركزي 2,7 في المائة.

استثمار ونمو عقيم

مفارقة ثالثة تثير تساؤلات لدى خبراء المركز المغربي للظرفية، فرغم معدل الاستثمار البالغ 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، على مدى خمسة عشرة عاما، والجهد المبذول من أجل تكوين الرأسمال البشري، بينما لم يتجاوز متوسط معدل النمو السنوي 3,5 في المائة بين 2010 و2020، بانخفاض بنسبة 1,5 في المائة في العقد السابق،  والحال أن مثل تلك الاستثمارات تفضي في دول أخرى إلى تحقيق نمو دائم يتراوح بين 5 و6 في المائة، بما يترتب عن ذلك من فرص عمل تقلص دائرة البطالة.

ويتساءل المركز المغربي للظرفية حول ما إذا كان المغرب، في سياق السعي لبلورة نموذج تنموي جديد، قادرا على تحقيق معدل نمو اقتصادي دائم يتراوح بين 6و7 في المائة من أجل الاستجابة للحاجيات السيوسيو اقتصادية، معتبرا أن الادماج السوسيواقتصادي يبقى رهينا بارتفاع الناتج الداخلي الخام. ذلك جانب لا يمكن أن يغفله النموذج التنموي الجديد، كما يؤكد على ذلك عضو المركز محمد العبودي، غير أنه يفترض استحضار الأبعاد الثقافية والمؤسساتية والقانونية، كما يشدد على ذلك محمد الطهراوي.