خديجة قدوري - صحفية متدربة
تواجه البلاد مع بداية الدخول البرلماني المقبل مجموعة من الملفات الشائكة التي تشمل قضايا سياسية، واقتصادية، واجتماعية، ونقابية، وقانونية، هذه الملفات قد تثير انقسامات حادة بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة.
يأتي هذا التحدي في وقت يترقب فيه المغرب دخولا سياسيا جديدا، حيث تتصاعد التوترات ما قد يضع الحكومة أمام اختبار صعب لتحقيق التوازن بين تطلعات المواطنين وتحديات الواقع.
"الحكومة لا تتوفر على خطة مسبقة"
في هذا السياق، قال صبري الحوم محامي خبير في القانون الدولي قضايا الهجرة والرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي: " أعتقد شخصيا بل أومن إيمانا جازما أن الحكومة ليس لديها تصور استباقي أو شمولي حول كيفية التعامل مع هذه الملفات، بدليل أنها كانت تتراخى وكانت لا تتحمل المسؤولية حتى يصبح الشرخ كبيرا والهوة عميقة، إذ أنها تتحرك في إطار ردود فعلية وليس في إطار خطة أو استراتيجية معينة، إذا هذه الحكومة لا تتوفر على خطة مسبقة، وهي تقترب وتوشك على النهاية، ولم تبرهن على أنها تمتلك القدرة ولا الكفاءة على إدارة الملفات الساخنة، بل إنها تتراخى وتتخاذل، وهنالك إهمال قد نصفه بأنه رعونة، بحيث أنها تترك الملفات والقضايا حتى تصل إلى درجة كبيرة من الاحتقان".
وشدد على أنه "هناك غياب مخاطب، وجهة حقيقية مسؤولة يمكن أن تتحمل المسؤولية لتدبير هذه الملفات الكبرى التي تصل في جل الأحيان إلى أزمة اجتماعية حقيقية".
من جانبه أعرب محمد شقير باحث سياسي ل"تيلكيل عربي" أنه "قبل التطرق إلى الملفات الثقيلة والحارقة التي تواجهها الحكومة، لابد من الإشارة أولا إلى أن هناك ربما ضلال تخيم على هاته الملفات، ومن أهمها هو أن الحكومة ربما تنتظر تعديلا حكوميا مازال مطروحا عليها، بحيث أن هناك انتظرات حول من سيترك الحقيبة ومن سيغير، وأظن أن هذا لا من الناحية النفسية ولا العملية يؤثر بشكل كبير على عمل الحكومة وكذا الدخول السياسي بالمغرب وبالتالي لابد من الإشارة إلى هاته النقطة".
وأضاف شقير أنه "لابد من التمييز بين الملفات الآنية والملفات التشريعية، بحيث أن ملف الماء وملف الغلاء وملف أزمة كلية الطب، هاته كلها ملفات تم تداولها في السابق وستعترض عمل الحكومة بعد الدخول الحكومي".
أزمة طلبة الطب
وفيما يخص أزمة طلبة الطب، ذكر محمد شقير أنه "من المنتظر أن تحاول الحكومة حل هاته الملفات خاصة أزمة الإضرابات في صفوف الطلبة، وتقوم بإيجاد أرضية تختلف عن السابقة لنزع هذا الفتيل وإقناع الطلبة باجتياز المباريات داخل الجامعة، وهذا يتطلب من رئيس الحكومة أن يقوم بآخر محاولة من خلال الجلوس مع الطلبة وتجاوز أو حل بعض النقط التي مازالت عالقة أو محاولة إيجاد وفد حكومي يتدارس هذا الملف مع ممثلي الطلبة لإيجاد الصيغة الملائمة في هذا الإطار".
ومن ناحيته أشار الخبير في القانون الدولي فيما يخص أزمة طلبة الطب أن "يمكن أن نقول هنالك سنة بيضاء وبالرغم من ذلك في إطار المحصلة العلمية، أو في عدد الساعات التي تم دراستها، فهذه الحكومة ليس لديها الجرأة في أن تعلن ذلك، لأنها لم تفلح ولم تنجح في إيجاد الحل الأنسب، وبالتالي كان عليها أن تتخذ المسؤولية وتعلن السنة البيضاء، وهذا يعتبر إهمال وعناد من طرف الحكومة".
الماء
وتطرق شقير إلى أزمة الماء قائلا "من المفروض على الحكومة أولا أن تقوم بعملية تحسيسية كبيرة لتطمأن المواطنين فيما يتعلق بهذه الأزمة وكذلك الإجراءات التي اتخذت في هذا الإطار، سواء في إقفال الحمامات أو غيرها، وفي نفس الوقت العمل على تفعيل إجراءات ما سمية بالشرطة المائية التي أكد عليها الملك من خلال خطابه الأخير، واتخاذ إجراءات صارمة فيما يتعلق بأي تبذير أو أي مخالفة في هذا الإطار".
وفي السياق ذاته ذكر الخبير في القانون الدولي أنه " لولا هذه الأمطار الأخيرة، كان المغرب قد وصل إلى درجة كبيرة من الخطورة، حيث يمكن أن نقول أن هنالك اعتداء على الفرشة المائية دون أن تتخذ هذه الحكومة تدابير صارمة من أجل الحد منها، بل إنها استمرت في مخططات كانت تنتهك هذه الفرشة وتزيد من حدة قلتها بل إنها كانت تشكل خطر على السلم الاجتماعي وعلى هذه المادة الحيوية. وقد تولى جلالة الملك في خطاب العرش شخصيا التذكير بضرورة اتخاذ خطوات ومشاريع عملاقة، سواء في إطار تحلية المياه أو في إطار الاستمرار في بناء سياسة السدود".
وتابع: "صحيح أنه في هذه اللحظة التي نتحدث فيها على الأقل في الجنوب الشرقي هنالك أمطار وهنالك سيول، واسترجع السكان والطبيعة الحياة والأمل، بما يخفف العبء على هذه الحكومة، ويشكل في نفس الوقت فرصة ومهلة وميسرة لها من أجل أن تتحرك على الأقل بأريحية من أجل إيجاد الحلول الكفيلة".
الغلاء
فيما يخص الملف الثالث وهو ملف الغلاء، قال محمد شقير "أظن أن ملف الغلاء أصبح هو الملف الذي يشغل بال المواطنين ومن المفروض على الحكومة أن تجد حلولا في هذا الإطار، سواء من خلال اتخاذ إجراءات رقابية صارمة في هذا المجال، أو العمل على ضبط عملية التوزيع وإصلاح ما يسمى بنقط التوزيع انطلاقا من سوق جملة إلى آخر الموزعين الصغار".
كما شدد على "ضرورة البحث عن مكامن أو عن الأسباب التي تؤدي إلى هذا الغلاء، الذي ربما يبدو فيما يتعلق ببعض السلع غير مبرر، ولا يعقل مثلا تبرير غلاء بعض أسعار الفواكه المتواجدة في المغرب أو التي يعتبر هذا هو موسمها بهذا الشكل المهول وبشكل غير مسبوق". مشيرا إلى أن "هناك تخوف من أن تكون أسعار الكتب المدرسية مرتفعة بشكل قد يزيد من تفاقم هاته الأزمة التي همت كل المواد والمنتجات".
بدوره أوضح صبري الحوم أنه " كان على الحكومة أن ترد على الاحتجاجات التي تخص غلاء الأسعار والمطالبات، وفق قرارات أو على الأقل توضيحات، أن هنالك كساد اقتصادي، وهنالك تضخم مالي، وأن الأزمة أصبحت عالمية، وهذا يبرز غياب للتواصل من طرفها".
الإحصاء
وفيما يخص ملف الإحصاء قال شقير " أظن أن هذه مسألة إجرائية، ولكن المشكل هو أن هناك نوع من رد الفعل الشعبي بدأ ينتشر، وهو محاولة عدم الاستجابة للإحصاء، سواء بمبرر بأن زيادة الحكومة لم تشمل بعض القطاعات خاصة المتقاعدين إلى آخره، هناك نوع من عدم التفهم كيف يتم هذا الحصاء بشكل دوري وأن الحكومة أو الدولة لها كل الإمكانيات لإحصاء مواطنيها إذا لابد للحكومة أن تقوم بعملية تحسيسية واسعة وإيجاد الطرق المناسبة لكي يجرى هذا الإحصاء بشكل عادي وسلس، ولا يواجه بأي مقاومة من طرف بعض الفئات الشعبية".
المجال التشريعي
أما فيما يخص المجال التشريعي فقد أفاد المحامي والخبير في القانون الدولي صبري الحوم أنه "ينتظر وزير العدل والحكومة معركة كبرى مع القانونيين، كما أنه لا يمكن اختزال احتجاجات المحامون بأنها مطالبات أو احتجاجات فئوية، بل إن قانون المسطرة المدنية هو أعوص من كل هذه المعادلة التي يريد وزير العدل أن يختزلها وكأنها صراع بينه وبين الدفاع".
وأضاف الحوم في السياق ذاته أن "هذا القانون يعكس بل يضرب في صميم دستورية مجموعة من المكاسب ومجموعة من الحقوق، وبالتالي المعركة يمكن أن تتطور في المستقبل، وهي الآن في بدايتها ولا يمكننا أن نتصور أنها ستنتهي بسرعة".
وأكد محمد شقير في هذا الصدد إلى أن "المسألة مرتبطة أولا بالأغلبية الحكومية، ومرتبطة أساسا بكيفية طرح أو عرض بعض مشاريع القوانين في هذا الإطار والتي تعتبر مشاريع مهيكلة، كقانون الإضراب وقانون المسطرة المدنية والقانون الجنائي ومدونة الأسرة، إذا لابد على الحكومة أن تعمل على تسريع عرضها ومناقشتها لكي يتم برمجتها من طرف الأمين العام للحكومة في نفس الوقت إعدادها وإعداد صيغتها النهائية لطرحها على البرلمان مع الدخول السياسي المقبل، وبالتالي هاته المسألة ربما تختلف عن العمليات الأولى، على اعتبار أن العمليات الأولى هي عمليات إجرائية حكومية، ولكن هاته المسألة هي عمليات تشريعية تقتضي من الحكومة إيجاد الصيغة المناسبة لطرحها وعرضها على البرلمان في دخوله المقبل".