"حفيدي العزيز، يقولون الفيسبوك حياة من لا حياة له، إذا أنا وهذا الحاسوب حتى نهاية العمر، إما أن تحترق أسلاكه أو تحترق أسلاكي! (...) عزيزي، حين تكبر ستعرف أن أطراف أي حرب تقوم بين مجانين هذه الأرض تستعمل لقتل أعدائها كل ما توصلت إليه التكنولوجيا من أسلحة. شخصياً لم يعد لدي من عدو أقتله، عدوي الوحيد الآن هو هذا الوقت الفارغ الزائد عن حاجتي، وها أنا ذي أقتله، فقط حين أقتله، دمي أنا من يسيل!".
المتحدثة أعلاه، هي مليكة مزان، في نص عنونته "بكل ما نملك من نهود ومؤخرات"، ونشرته في 17 دجنبر 2015، بموقع مؤسسة الحوار المتمدن، "اليسارية العلمانية الديمقراطية"، وبعد أن أعقبتها، في 20 من الشهر ذاته، بنص آخر عنوانه "إلى أحمد عصيد: حبك ذاك القهار الجبار"، توقفت "الشاعرة الأمازيغية الملتزمة الناطقة بالعربية"، عن النشر في تلك المنصة، التي ولجتها أول مرة في 11 فبراير 2006، وفضلت حياة بالصوت والصورة على "فيسبوك"، انتهت بها، في 19 شتنبر 2017، وراء الزنزانة في سجن الزاكي بسلا.
وقررت النيابة العامة بالرباط متابعة مليكة مزان في حالة اعتقال، من أجل "التحريض على ارتكاب جنايات وجنح ضد الأشخاص والتحريض على التمييز والكراهية بواسطة تصريحات منشورة بوسائل الاتصال"، على خلفية تهديدها في "فيديو" بثته على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بـ"ذبح العرب بالمغرب، واحدا واحدا، وطردهم"، إذا لم يسمح للأكراد في العراق، بالانفصال وتأسيس دولتهم.
وبدا من تلك التطورات، وكأن نبوءة مليكة مزان، بأن تحترق أسلاك حاسوبها أو أسلاكها الشخصية قد تحققت، في وقت كانت فيه على أهبة الاستعداد للسفر مرة ثانية إلى كردستان، لحضور يوم الاستفتاء وتشريفها بأن تكون أول مواطنة من دول المنطقة تحصل على جواز السفر الكردي. فمن تكون، حقا، مليكة مزان؟ وماهي الأحداث التي صنعت شخصيتها العنيفة ونجوميتها المثيرة للجدل؟
"دمى بئيسة"
لا يعرف المقربون من مليكة مزان في الحركة الأمازيغية كثيرا عن طفولتها، وطبيعة الظروف التي نشأت فيها، لكن المستشف، في معلومات متناثرة في مقابلات معها بين 2006 و2016، وفي المعلومات التي وضعتها في أكثر من مدونة إلكترونية (blog)، أن الشاعرة البالغة من العمر 57 سنة، ترعرعت وسط أسرة بسيطة، دائمة الترحال بين المدن والإقامات المخصصة لأفراد الجيش، فوالدها كان عسكريا، واستطاعت، بدراستها، أن تضمن الالتحاق بالطبقة المتوسطة من الموظفين العموميين.
"أنا من مواليد 15 ماي، أي برج الثور، من أب أمازيغي عمل جنديا بسيطا في القوات المسلحة الملكية، يتحدر من قبيلة أيت توابيت، ويدعى حسن مزان بن محمد نايت الحاج، وأم أمازيغية ربة بيت، اسمها عائشة هربوج بنت محمد، من قبيلة تيعشاش، وكلاهما من أيت اعتاب، قرية في جبال الأطلس في منطقة أزيلال"، تقول مليكة مزان، مشيرة إلى أن تعليمها الابتدائي والثانوي، مثلا، اضطرت، ربما بسبب الحركة الانتقالية الدائمة للعاملين في السلك العسكري، إلى تلقيه بأربع مدن، هي فاس، وتازة، وفكيك في أقصى الجنوب الشرقي، ثم بني ملال.
ومن مؤشرات الهشاشة والطفولة الصعبة التي تركت أثرا عميقا في نفسية مليكة مزان، وحفرت بعمق على صخور ذاكرتها الشخصية، ما ورد في مقابلة نشرتها على مدونتها الشخصية، بعدما لم يتمكن الصحافي الذي حاورها من إقناع الجريدة الوطنية التي يعمل بها بنشره، من أن ألعابها في الطفولة كانت رخيصة، وكانت هي شخصيا مستاءة من عدم حصولها على مثل ما توفر لباقي أقرانها من الأطفال والتلاميذ.
"الدمى التي كنت في صباي ألاعبها، كانت دائماً بئيسة، ورثة الثياب، ومتسخة الملامح، ومبتورة الأيادي أو الأرجل، في الوقت الذي كانت رفيقات لي في المدرسة، ينتمين إلى عائلات عربية غنية، يفتخرن بدمى جميلة يمتلكنها وألعاب أخرى في منازلهن الفخمة".
وبعد الحصول على الباكلوريا ولجت مليكة مزان كلية الآداب والعلوم الإنسانية "ظهر المهراز" في جامعة محمد بن عبد الله بفاس، المعروف تاريخها بأنها كانت من قلاع العمل النقابي الطلابي اليساري بالمغرب، وساحة أول معركة مسلحة بين الفصائل الطلابية اليسارية والإسلامية، وفيها حصلت على الإجازة في الفلسفة العامة، وبدأت حياتها المهنية في قطاع التربية الوطنية.
ولا تحدد مليكة مزان، في نهج سيرتها في أي سنة تخرجت، وتقول بالمقابل إنها لم تعمل على تدريس تخصصها الجامعي منذ البداية، بل بدأت باللغة العربية، ثم التربية الإسلامية، ثم الأدب الناطق بالعربية، قبل أن تكلف بالفسلفة، واعترفت في البرنامج الإذاعي الشهير "في قفص الاتهام"، في 2014، أنها خلال تلك الفترة من حياتها "كنت مستلبة، وأتصرف كأنني مواطنة عربية مسلمة".
وبحلول 1992، بدأت صفحة جديدة في حياة مليكة مزان، إذ توقفت عن التدريس، وجمدت مؤقتا صفة "أستاذة التعليم"، وانتقلت إلى جنيف بسويسرا، رفقة ابنتيها المزدادتين على التوالي في 1985 و1990، وزوجها السابق محمد ابن تاجة، الذي عين مستشارا في البعثة الدبلوماسية الدائمة للمغرب لدى منظمات ومكاتب الأمم المتحدة بجنيف.
وهناك وجدت مليكة مزان، نفسها ربة بيت مغتربة، فارتأت أن تملأ وقتها بالانشغال بكتابة قصائد ونصوص، قالت إنها كانت تتناول فيها، "الدفاع عن قضايا الإنسان عامة، والمهاجر المغاربي بصفة خاصة"، وهي الكتابات التي جمعتها في ما بعد في أول ديوان شعري لها، بعنوان، "جنيف... التيه الآخر".
وضم الديوان، الذي قالت مليكة إنه من "وحي هجرتي واغترابي بسويسرا"، قصائد، تعكس بدايات منعطف التيه في حياتها، فتقول في واحدة بعنوان "وحدها جنيف"، إن المدينة السويسرية "تكسر فطرة الله فيك/ وحدها جنيف/ تعريك / وحدها تجعلك/ تودع نفسك فيها من غير دموع"، وتوحي في أخرى بعنوان "القصيدة"، أنها وجدت في نظم الشعر مسكنا لآلام التيه، بالقول: "القصيدة/ عقيدة من يبحث/ عن زمن آخر/ عن فرح آخر / بعيدا عن فظاعة الخراب الروحي".
التمرد في دار المخزن
قضت مليكة مزان في تيه جنيف تسع سنوات، إذ لم تعد إلى المغرب إلا بحلول صيف 2001، بعدما انتهت مهمة زوجها بجنيف واستدعائه إلى العمل في المكاتب المركزية للوزارة بالعاصمة الرباط، وإلى غاية تلك الفترة، لم تكن بعد أمازيغية، إنما استعادت منصبها المالي من وزارة التربية الوطنية وعادت إلى التدريس، وواصلت نظم القصائد، واقتربت من شعراء الرباط وأنديتهم، بما في ذلك اتحاد كتاب المغرب، وبدأت تستدعى لإلقاء شعرها في بعض الصالونات الشعرية والأنشطة الثقافية.
وتزامنت العودة إلى الرباط، بفتح الدولة و"العهد الجديد"، عددا من الأوراش، منها التطبيع الرسمي للدولة مع الأمازيغية، إذ حينها ألقى الملك محمد السادس خطاب أجدير في 17 أكتوبر 2001، والإعلان عن ميلاد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهي الفترة التي ستعرف أيضا، نهاية مليكة مزان، "العربية بحكم الاستلاب"، وميلاد مليكة "الواعية بذاتها الأمازيغية".
ويقول ناشط أمازيغي، اقترب في فترة من مليكة مزان، وكان من أمازيغيي حزب الحركة الشعبية، في حديث مع "تيل كيل"، إن "المقر المؤقت للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بعد تأسيسه، شاءت الصدفة أن يكون في عمارة بحي الرياض الراقي في العاصمة، قريبة من الشقة التي تقطن فيها مليكة مزان، وذات يوم، أعتقد في 2003، توجهت إلى البناية، وفي يدها ديوان شعري، تسعى إلى نشره من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهناك التقت بأحمد عصيد"، الذي غادر بدوره حينها منصبه أستاذا للفلسفة في إحدى ثانويات الرباط، وصار باحثا علميا لدى المعهد.
وتقول بنفسها أنه "انطلاقا من 2003، التزمت بالدفاع عن حقوق الإنسان الأمازيغي ميدانيا وكتابة شعرية"، أما ما يؤكد نشوء صداقة بينها وأحمد عصيد، "المفكر العلماني"، فهو أنها في ربيع 2004، اختارته ليكتب تقديم ديوانها الشعري الأول "جنيف.. التيه الآخر"، رفقة الناقد نجيب العوفي، وتحت تأطير الناشط الأمازيغي، واصلت انغماسها شيئا فشيئا في الأوساط الأمازيغية، فاقتربت من حسن أوريد، وهو حينها ناطق رسمي باسم القصر الملكي، فاستدعاها في مارس 2005، إلى أنشطة لمؤسسته المسماة "مركز طارق بن زياد"، ببلدتي الريصاني وميدلت.
خلال السنة ذاتها، أصدرت مليكة مزان، ديوانين شعريين آخرين، أحدهما بعنوان "لو يكتمل فيك منفاي"، عبارة عن "قصائد بمثابة رسائل مفتوحة إلى مناضل أمازيغي"، ثم غادرت المغرب، وكانت الوجهة هذه المرة، ليون الفرنسية، حيث عين زوجها محمد ابن تاجة، على رأس القنصلية العامة للمغرب بمدينة "ليون"، وهي الهجرة الثانية التي قالت عنها مليكة مزان أنها "هروب من تجرع مزيد من كؤوس الخيبة والخذلان على يد عدد من المحسوبين على الساحة الثقافية المغربية، وعلى الحركة الثقافية الأمازيغية، وساعدني على ذلك عمل زوجي بالسلك الدبلوماسي".
وفي فرنسا ستولد مليكة مزان الراديكالية، كما ستبدأ المشاكل بالتسلل إلى بيتها الأسري، إذ قررت، بدون مواربة، ألا تخفي مواقفها، وألا تلتزم بواجب التحفظ المفترض في عقيلة القنصل العام للمملكة الشريفة، والاكتفاء بالأنشطة المنوطة بزوجات الدبلوماسيين، من قبيل الحضور في حفلات الاستقبال لمناسبة تخليد الأعياد الوطنية.
وحول ذلك قالت مليكة مزان في المعلومات الشخصية بموقع لها على الشبكة العنكبوتية "منذ بداية تجربتي الجديدة مع الاغتراب، ورغم وضعي الاعتباري كزوجة لدبلوماسي، حرصت على مواصلة نضالي دفاعا عن حقوق الإنسان الأمازيغي، متخذة من النشر الرقمي وسيلة انتشار واسع لكتاباتي حول القضية الأمازيغية، التي أدركت، من خلال علاقتي ببعض المثقفين المشارقة، ومن أحاديثي مع عدد من الغربيين، وجود جهل فظيع بها وبعدالتها".
وتعد بوابة مقالات الرأي التابعة لمؤسسة الحوار المتمدن، والتي أسسها رزكار عقراوي، وهو ناشط شيوعي كردي-عراقي، بوصفها "أول صحيفة يسارية علمانية الكترونية يومية مستقلة في العالم العربي"، وسيلة النشر التي احتضنت، منذ فبراير 2006، الكتابات الجريئة والمواقف الجذرية لمليكة مزان، ومازال موقعها الفرعي في "الحوار المتمدن"، يحتفظ بأول قصيدة نشرتها فيه، وهي بعنوان "راديكاليا في وجه الحجر".
أكثر من ذلك، لم تتردد "حرم القنصل العام المغربي"، في 22 شتنبر 2006، من الاستجابة لدعوة من "منظمة شعراء باريس"، وموقع "شعراء العالم"، للقيام بما وصفته مليكة مزان بـ"تمثيل العالم الأمازيغي في المهرجان الأول العالمي للشعر بباريس"، كما انخرطت في أنشطة ميدانية أخرى، أبرزها المشاركة في وقفة احتجاجية أمام البرلمان بالرباط للأمازيغيين على خلفية فاجعة وفاة أطفال بقرية أنفكو بسبب البرد والثلوج في الأطلس المتوسط، وهي القضية التي هزت حينها المغرب، وقادت الملك محمد السادس في زيارة للمنطقة.
ويبدو أن أنشطة مليكة مزان وتبنيها خطابا أمازيغيا جذريا انزاح في أكثر مرة نحو معارضة الحكم، وضعها أمام تناقض كبير بسبب صفتها عقيلة لدبلوماسي، وتقوم إلى جانبه بأنشطة رسمية، منها ما توثقه صور حصلت عليها "تيل كيل" وتظهر فيها إلى جانب زوجها بحفلات استقبال وأنشطة لأندية السلك الدبلوماسي المعتمد بفرنسا، ما انتهى بوقوع الطلاق بينها وزوجها، الذي، يقول ناشط أمازيغي مقرب من مليكة مزان طلب التكتم على هويته، "تخلى لها عن شقة شارع النخيل بحي الرياض، ومساحتها تتجاوز 100 متر مربع، وارتبط بامرأة أخرى".
وظلت قضية الطلاق في أنظار مليكة مزان، وكأنها إهانة، وجرحا عميقا، وحدثا تصر على عدم تجاوزه، إذ لما أثير أمامها الموضوع في برنامج "في قفص الاتهام"، نهاية شتنبر 2014، قالت بنبرة متوترة وعنيفة: "بعد الطلاق ذهب زوجي مع واحدة عربية من ثقافته، ولو لم يكن خائفا من الدولة ما كان ليضحي بي، لقد قام بذلك لينجو بنفسه، طلقني، ليس لأننا لم نتفاهم، بل لأنني مناضلة أمازيغية، لقد أخبر محاميه محاميتي بذلك".
وتوعدت المتحدثة، بيقين يكشف حجم الأثر السلبي العميق لحدث الطلاق على نفسيتها: "في يوم من الأيام سأراجع الطلاق البائن الذي تم في ظروف غريبة واستثنائية، ولا يمكن أن ترضى به مناضلة، وبالتالي سأراجعه ولو استدعى الأمر نْقَرْبْلْهَا على القضاء المغربي، والمطالبة بالدعم الخارجي، لكي أسترجع كرامتي. نعم كانت هناك خلافات بيننا ككل الأزواج، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير هي أني مناضلة أمازيغية،تطلقت على أساس أنني مناضلة أمازيغية".
صدمة أخرى فعزلة
وجدت مليكة مزان نفسها، بعد الطلاق، وحيدة في شقة شاسعة، واختارت أسلوبا وتوجها شعريا في الدفاع عن القضية الأمازيغية، تستدعي فيه الجنس والجسد والدين، ويمس كل القيود، ما ضمن لها جذب انتباه الأمازيغيين، وكثيرون منهم محافظون في العمق رغم قناعاتهم التحررية، فبدت لكثير منهم، شبابا وشيبا، وفق ما حكته في البرنامج الإذاعي نفسه، مناضلة بجسد سهل المنال، "حتى أنني طردت كثيرين من وسط بيتي وفتحت لهم باب المصعد"، فكان بذلك، تناقض سلوك بعض المناضلين الحداثيين الأمازيغيين مع خطابهم تجاه المرأة، من المفارقات التي صدمتها.
ولما كان كثيرون يسعون وراء الشاعرة، وقعت هي في غرام أحمد عصيد، وباعترافها "بعد الصدمة، والوحدة والقهرة واليتم ومراكمة الأحزان بعد الطلاق، فكرت أنا أيضا أن أحب أمازيغيا، ابن بلادي وثقافتي، لأنه سيحس بي، فعشت قصة حب جميلة لذيذة، ما أشهاها، ولن أندم عليها"، لكن المشكلة، حسب ما يحكي مناضل أمازيغي، استنجد به أحمد عصيد لتوقف نشر غسل علاقتهما الحميمية مع، "أنها كانت تمني نفسها بتتويج علاقتهما بالزواج منه، هو الذي له زوجة وأبناء".
ويضيف المصدر نفسه: "هل تتذكر صور عقد الزواج العرفي من أحمد عصيد، الذي نشرته على صفحتها بفيسبوك؟ لقد كان من نتاج إصرارها على أن تتوج علاقتها بعصيد بارتباط رسمي ومعلن، فلم يجد ذات يوم، وهو يبحث عن نزع الشوكة بدون دم، من كتابة ذلك العقد لتهدئتها، غير أنها، في قرارة نفسها، اعتبرته وثيقة رسمية، وزواجا رعاه الإله ياكوش، وآمنت به. ذلك ما استنتجته شخصيا من جلسة معها دامت ساعتين ضمن جهود الوساطة وإقناعها بالكف عن نشر غسيلها مع عصيد، وألا تنتظر منه بتاتا أن يخضع ويتخلى عن أسرته".
وكفرت مليكة مزان، أيضا، بكل أمازيغيي المغرب، حسب ناشط مقرب منها، فـ"توترت علاقتها مع أغلب النشطاء، وظلت تعيش معزولة ووحيدة، في حين حرص مسؤولو قطاع التربية الوطنية على تمكينها من منصب إداري في الثانوية، وحرمانها من الاحتكاك بالتلاميذ في القسم، سيما بعد قضية جهاد النكاح وغيرها من المواقف، التي تعتبرها هي صورا مجازية، في حين يفهمها الناس بشكل مجرد وسطحي".
وبعد أن نفذت مليكة مزان اعتصاما في مطار محمد الخامس الدولي، لفرض تسلم بطاقة المعلومات الأمنية منها مكتوبة بحرف "تيفيناغ"، ثم اعتصاما فرديا آخر أمام مبنى تمثيلية الاتحاد الأوربي بالرباط، ستصل إلى قناعة أن نشطاء الحركة الأمازيغية بالمغرب "معتدلون أكثر من اللازم أو بشكل أدق أمازيغيتهم مذلولة، أما أنا فلا أساوم على أمازيغيتي، ولو بقيت وحيدة ومات كل الأمازيغيين"، فقررت الاهتمام أكثر بقضية الأكراد، الذين تعتبرهم أشد قتالية في "النضال ضد كل أشكال الحقد والكراهية والإبادة العرقية والثقافية في حق الشعوب الأصلية".
ويظهر من قول مليكة مزان لصحيفة "خلك" الكردية، أن "الشعب الكردي يعرف كيف يقدر كل من يتعاطف معه"، أنها بعد أزماتها وجدت في الأكراد ما يواسيها، ووجدت عندهم التقدير والاعتراف الذي لم تجده عند إخوتها الأمازيغيين بالمغرب، سيما أن الأكراد استدعوها في زيارة رسمية، وترجموا إحدى روايتها إلى الكردية، كما منحتها رابطة الأدباء والمثقفين الكرد، في 2016، جائزة "أوسمان صبري" للصداقة بين الشعوب، والتي حصلت عليها قبلها الراحلة دانيال ميتران، حرم الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران (1916-1996).
إذن، حصلت مليكة مزان على الاعتراف لدى الأكراد، لكن شعلة حماسهم للانفصال عن العراق ما لبثت ان ألقت بها في زنزانة باردة بسجن الزاكي بسلا، وفي وقت ظهرت شقيقتها فاطمة، ملوحة بجنون مليكة، ومعاناتها من اضطرابات نفسية، تبلغ بها أحيانا مستوى إيذاء نفسها، وجد الأمازيغيون، حرجا في الدفاع عنها، ولم يبق بجانبها سوى قلة، بينهم صديقها بناصر عزاوي، الذي قال لـ"تيل كيل" إنه لا يتفق مع ما صرحت به والخطأ الذي استدعى متابعتها قضائيا، لكن يجب "أن نستحضر تضحياتها وعلى الأقل معركتها الناجحة التي بموجبها صار الأمازيغيون يملؤون ورقة المعلومات الأمنية في المطار بتيفيناغ وتقبلها منهم شرطة الحدود".
أما باقي النشطاء الذين تحدثت إليهم "تيل كيل"، فكلهم طلبوا التكتم على هوياتهم، وأصروا جميعا على أن أصل تطرفها "صدمتان نفسيتان، هما الطلاق، ثم فشل علاقة الحب التي تلت ذلك"، أما التحرك من أجل مساندتها فهو "صعب ومحفوف بالمخاطر، سيما في السياق السياسي العام الحالي، ورغم أن الطعن في تحريك الدعوى ضدها تمكن المنازعة فيه من باب التساؤل حول لماذا لم تحرك المتابعات ضد دعوات مماثلة للكراهية تصدر عن إسلاميين متشددين".
وبينما يمني صديق سابق لمليكة مزان، نفسه بأن "تبادر المحكمة إلى إخضاعها لخبرة طبية حول سلامة صحتها النفسية"، ويؤكد صحافي مغربي سبق أن استجوبها شكا حول سلامتها العقلية، أظهر محاميها، الناشط محمد ألمو، في حديث مع "تيل كيل"، عدم نيته سلك تلك المقاربة في الترافع من أجلها، ما لم تطلب مليكة مزان ذلك، ملمحا إلى إمكانية مقارعة القضاء بشرح اللغة الشعرية والمجازية لمليكة مزان في التعبير عن مواقفها.
وفي النهاية، يبدو أن مليكة مزان، التي أجابت في نص إبداعي عن سؤال "لماذا حضورك، أيتها السافلة المجنونة ، هو باستمرار هنا في هذا الفيسبوك؟"، بالقول "وماذا أفعل؟ إني لا أطبخ، إني لا أغسل، إني لا أكنس، إني لا أفتح فخذَيْ! كل ما أفعله هو أني أراقب العالم وأكتب، أو أراقبه وأكتئب (...) وها أنت تكتشف أن هناك من يحسد امرأة وحيدة مثلي ولو على مجرد تواجدها المرضي في الفيسبوك"، توجد اليوم أمام تهديد حقيقي بأن يكتب القاضي حكما يقول فيه لأكثر من 100 ألف متابع لمنشوراتها في "فيسبوك": هذه المرأة مجنونة.