لا تحل مناظرة الضريبة حول الجبايات التي تشهدها مدينة الصخيرات، للثالث والرابع من ماي 2019، اختلالات النظام الجبائي. هذا لقاء للتشديد على المبادئ و التعبير عن النوايا الطيبة تجاه العدالة الجبائية المفتقدة، حيث أن ترجمتها إلى توصيات أو خارطة طريق، سيكون هاديا لبلورة قانون إطار سيحال على مجلس الوزراء من أجل المصادقة عليه، قبل الشروع في تصريف ما سيتأتى فيه عبر مشاريع قوانين المالية على مدى الخمسة أعوام المقبلة. ويبقى رهان العدالة الجبائية، حسب استطاعة الملزمين، حاضرا بقوة حاليا، بعدما لم تتحقق أهداف الإصلاح الذي ترجم مبادئ القانون الإطار منذ 1984.
تذكير.. الدستور أسمى من القانون
واكبت المناظرة الثالثة للضريبة العشرات من المساهمات التي عبرت عنها هيئات مهنية واقتصادية وحزبية ونقابية، ضمنتها رؤيتها لما يجب أن يكون عليه الإصلاح الجبائي، الذي يفترض أن يفضي إلى نوع من الإنصاف الجبائي، المفتقد في النظام الحالي، الذي استحال إلى نظام يخدم قطاعات أو فئات تنجح عبر الضغط في الحصول، بمناسبة عرض مشاريع قوانين المالية في كل عام، على تدابير تخدم مصالحها.
هذا الوضع يفضي إلى تشديد الضغط الجبائي على ملزمين معينين، ما يطرح مسألة الحكامة الجيدة والامتثال الضريبي، كما يوضح فؤاد الدويري، عضو رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، الذي يعتبر أنه إذا كان الامتثال للضريبة هو أحد تعبيرات المواطنة، فإن ذلك الامتثال يستدعي تفعيل مبادئ يرسخها التشاور والتواصل حتى لا يتم رفض الانصياع للضريبة، حيث أن الامتثال تشجعه وتذكيه الثقة في المؤسسات العمومية وسيادة القانون وتطبيقه على جميع المغاربة دون استثناء، وتقديم خدمات عمومية قائمة على مبادئ الإنصاف والفعالية والمرونة ومكافحة الفساد واقتصاد الريع والامتيازات غير المبررة.
ويتصور الخبير الجبائي المغربي، محمد الرهج، أنه يفترض الالتصاق بالدستور عند التعاطي مع المسألة الجبائية، فالفصل 39 من القانون الأسمى ينص على أنه "على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور". الرهج ينبه إلى أن الدستور أسمى من القانون الدستوري.
ويتجلى من التشخيص الذي سبق أن هناك نوعا من الإجماع على أن الجباية ليست سوى إحدى الأدوات التي تساهم في النمو، ويميز محمد برادة، رئيس اللجنة العلمية للمناظرة، بين النمو والتنموية، التي يفترض أن توضح أبعادها الجديدة، عبر النموذج التنموي الذي دعا إليه الملك محمد السادس، غير أن الاقتصادي نجيب أقصبي يتصور أنه بالانخراط في بلورة تصور جبائي جديد عبر المناظرة قبل النموذج التنموي الجديد، يكون المغرب قد وضع "العربة قبل الحصان".
مرة أخرى.. نوايا طيبة
في انتظار النموذج التنموي، الذي لن تكون الجباية سوى رافعة من رافعاته الأخرى، يفترض تجاوز الاختلالات التي يعرفها النظام الجبائي، عبر توسيع الوعاء، بما يساعد على ترسيخ مبدأ الإنصاف، على اعتبار أن ذلك سيدمج ملزمين جددا، ويفضي إلى خفض المعدلات الجبائية، ويساعد على تعظيم موارد الدولة.
ويسجل محمد الرهج أن القوانين الجبائية تعلن عن الرغبة في تحقيق نوع من الإنصاف الجبائي، غير أن الضغط الذي تمارسه بعض الفئات المهنية، يفرغه من محتواه. فبعد 35 عاما من وضع القانون الإطار، في ظل برنامج التقويم الهيكلي، جرى اعتماد 22 نظاما استثنائيا و416 تدبيرا يقيم إعفاءات، ما يفرغ القوانين الجبائية من محتواها.
وطفا على سطح النقاش من جديد، بمناسبة المناظرة الوطنية للضريبة، وزن الإعفاءات والاستثناءات الجبائية، التي تخص بها بعض القطاعات، لتصل قيمتها إلى أكثر من 30 مليار درهم، ما يدفع البعض إلى إعادة النظر فيها، وإعادة تقييم جدواها. فمحمد برادة يؤكد على أن الإعفاءات الجبائية يجب أن تخص بها الاستثمارات المنتجة والتي تفضي إلى خلق فرص العمل.
إعادة النظر في التحفيزات الجبائية لن يكون أمرا سهلا في السياق المغربي، غير أن العديد من الخبراء يشيرون إلى أن الإعفاءات تفضي تركيز مستثمرين على تلك القطاعات المستفيدة من التحفيزات، كما أن حسم النقاش حول بعض أنواع الدخول مثل الفلاحية، لن يكون يسيرا، بالنظر لدفع فاعلين في القطاع بطبيعته وارتهانه للتساقطات المطرية ومقتضيات المنافسة.
ملزمون.. وملزمون
لم يكف الخبراء والفاعلون الاقتصاديون عن التأكيد في الأعوام الأخيرة، على الاختلالات التي تشوب الضريبة على الشركات، فـ0,82 في المائة من الشركات تؤدي 80 في المائة من إيرادات تلك الضريبة، بينما يلاحظ نجيب أقصبي، أن "72 في المائة من الشركات المسجلة في الضريبة على الشركات، تصرح بتكبد خسارة. وتجتهد الشركات المتبقية، بنسبة تتراوح بين 80 و90 في المائة من أجل التصريح بأقل من 300 ألف درهم، كي تؤدي 10 في المائة. وصحيح أن الشركات الكبرى تفي بالضريبة"، متسائلا "هل تؤدي الضريبة التي يتوجب عليها الوفاء بها مقارنة بحقيقة أرباحها؟".
هذا ما يبرر في تصور العديد من الخبراء والمؤسسات اللجوء إلى تخفيف الضغط عن الأجراء عبر إعادة النظر في الشرائح، خاصة في مستواها المتوسط، وتضريب مختلف الدخول، مع تخفيف الضغط على الشركات، بتوسيع الوعاء، بما في ذلك السعي لجذب القطاع غير المهيكل، الذي يعتقد أقصبي، أن النقاش حوله، جبائيا، غير سوي على اعتبار أن الأنشطة الصغيرة التي تشكله، قد تعفي أصحابها من الضريبة.
ويفترض في المناظرة إعادة النظر في الضريبة على الدخل، التي تحولت إلى ضريبة تصيب أكثر أجور الموظفين والأجراء في القطاع الخاص للحجز عند المنبع، حيث تمثل حوالي 80 في المائة من إيرادات تلك الضريبة، هذا في الوقت الذي لا تعكس إيرادات الدخول الأخرى، الخاضعة للتصريح، طبيعة نشاط الملزمين بها.
وإذا كان الاتحاد العام لمقاولات المغرب وهيئات اقتصادية أخرى يلح على حياد الضريبة على القيمة المضافة، واختزال معدلات الضريبة في معدل له طبيعة اجتماعية ومعدلين اثنين، إلا أن نجيب أقصبي يؤكد على ضرورة أن تكون تلك الضريبة معممة، مع الحفاظ على تعدد المعدلات أي معدل أعلى من أجل تضريب السلع الفاخرة، ومعدل منخفض أو صفر في المائة للسلع الواسعة الاستهلاك، هذا مع التشديد على أن يعكس التجار وأصحاب المهن الحرة، انخفاض معدل الضريبة على القيمة المضافة في الثمن.
وتوجد القدرة الشرائية للموظفين والأجراء والطبقة المتوسطة في قلب النقاش حول الإصلاح الجبائي اليوم، بعدما لم تفلح النقابات انتزاع التزام من الحكومة عبر اتفاق الحوار الاجتماعي، بتحسين الدخل عبر الضريبة.