تمخضت المناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي، التي احتضنها قصر المؤتمرات بفاس، اليوم الثلاثاء، ونظمتها ولاية جهة فاس-مكناس، عن جملة من التوصيات، تلاها الباحث في السياسات الرياضية، حمزة الكندي، الذي أدار أشغال ورشة "أمن المباريات والتشجيع الرياضي نحو رؤية مشتركة".
وأكدت التوصيات على الاعتراف بدور الجماهير باعتبارها مكونا محوريا في تطوير المنظومة الكروية الوطنية، لما لها من أدوار متعددة في الدعم المعنوي والمادي وتعزيز الانتماء والهوية الوطنية، فضلا عن مساهمتها في إشعاع الرياضة المغربية.
ودعت إلى إحداث تحول في مقاربة التعامل مع الجماهير، عبر الانتقال إلى شراكة مجتمعية قائمة على الثقة والحوار والتأطير والخدمات، مع إشراك ممثلي الألتراس وجمعيات المشجعين والمجتمع المدني في اللجان المحلية المعنية بالتنظيم الرياضي.
وفي السياق ذاته، طالبت التوصيات بتحسين بنية الاستقبال داخل الملاعب، من خلال تهيئة فضاءات ملائمة تحترم معايير السلامة والراحة، وتوفير مرافق خاصة بالعائلات، مع ضمان التكافؤ المجالي بين الجهات، واعتماد معايير الإنصاف التي تحفظ كرامة المشجع.
وأوصت المناظرة التي حضرها "تيلكيل عربي"، بإطلاق برامج توعوية وتثقيفية لفائدة الجماهير، تتضمن محاور قانونية وحقوقية وتربوية، تنفذ داخل المؤسسات التعليمية، ودور الشباب، والفضاءات الثقافية، وتركز على الناشئة، مع تثمين دور أساتذة التربية البدنية والمجتمع المدني في هذا المجال.
ومن جهة أخرى، دعت التوصيات إلى الاستثمار في التكنولوجيا والرقمنة، عبر تطوير تطبيقات رقمية لتسهيل اقتناء التذاكر ومراقبة الولوج، واستعمال الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك الجماهير وتوقع التجاوزات، إلى جانب توظيف الكاميرات الذكية لضمان سلامة المنشآت الرياضية ومرتاديها.
وشملت التوصيات تأهيل الأطر المكلفة بالتنظيم والأمن داخل الملاعب، من خلال تنظيم دورات تكوينية لموظفي الأمن الخاص وأعوان التنظيم، وتدريبهم على مهارات التواصل الفعال والاستجابة للحالات الطارئة، مع الحرص على ارتداء زي موحد يسهل التعرف عليهم.
ولتحقيق دينامية تشجيع إيجابي مستدام، أكدت التوصيات على ضرورة تفعيل شراكات مؤسساتية ومجتمعية تشمل الأندية الرياضية وروابط المشجعين والسلطات المحلية والقطاع الخاص ووسائل الإعلام، مع وضع التزامات واضحة مقابل الدعم العمومي للأندية. كما دعت إلى تثمين التجارب الدولية الناجحة، لاسيما النموذجين الألماني والإنجليزي في تأطير الجماهير وتنظيم الفرجة الكروية، وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المختصة.
وعلى مستوى التكوين، شددت التوصيات على أهمية تمكين مؤسسات التعليم العالي ومعاهد الرياضة من لعب دور فاعل في التأطير، خصوصا معهد علوم الرياضة ومراكز التكوين الجهوية، بهدف إنتاج معرفة علمية وتطبيقية حول الجمهور الرياضي وتحديات التشجيع.
وفي الجانب الثقافي، دعت إلى إدماج ثقافة التشجيع الرياضي الإيجابي في مناهج التعليم والإعلام، وتشجيع إنتاج محتوى موجه للجماهير يروج لقيم الروح الرياضية، مع تفعيل دور الإعلام الرياضي المهني والمحايد في مناهضة خطاب التعصب.
وأوصت التوصيات بإعادة الاعتبار للمسابقات الجهوية في الرياضة المدرسية، كآلية لتأطير الشباب وتعزيز انخراطهم في دينامية رياضية متزنة، وتوسيع قاعدة الجمهور اليافع الواعي. وشددت على ضرورة إعداد برامج تكوينية خاصة بالمشجعين وروابط الألتراس، تتناول الجوانب القانونية والثقافية والتاريخية لكرة القدم الوطنية، لترسيخ الوعي والانضباط والاعتزاز بالهوية.
ولتعزيز الثقة والانتماء الجماعي، دعت التوصيات إلى دعم الحكامة والديمقراطية داخل جمعيات المشجعين، وتمكينها من الوسائل الضرورية للاضطلاع بأدوارها التأطيرية والاجتماعية والثقافية، مع تكريم قدماء المشجعين اعترافا بمساهماتهم في دعم الرياضة الوطنية. كما أوصت بإحداث قنوات اتصال دائمة بين الجماهير والمسؤولين الرياضيين، تمثل فضاء للحوار وتبادل الآراء.
وفي إطار العدالة المجالية والإنصاف النوعي، أكدت التوصيات على ضرورة اعتماد مقاربة النوع في تهيئة فضاءات الملاعب، بما يراعي حضور النساء والأسر، ويوفر لهن شروط السلامة والاندماج في الفضاء الرياضي.
وفي كلمة ختامية، شدّد والي جهة فاس-مكناس، معاذ الجامعي، على ضرورة أن تتضمن التوصيات التي ستشكل أساس المناظرات الجهوية والوطنية المقبلة، دعوة صريحة للانفتاح على اللغات العالمية، مؤكدا أن التكوين في اللغات يجب أن يبدأ من الآن، لما له من أهمية في تعزيز التواصل والانفتاح الرياضي على المستوى الدولي.
واقترح الجامعي اللجوء إلى إجراءات ردعية في حق مرتكبي أعمال العنف داخل الملاعب، من خلال منعهم من حضور المباريات لفترات محددة، في حال ثبوت تورطهم، أو إلزامهم بتسجيل حضورهم في دوائرهم الأمنية خلال توقيت المباراة، وهي آلية يمكن تفعيلها بفعالية في ظل التحول الرقمي الذي يشهده المجال.
وفيما يخص القاصرين، أشار الوالي إلى ضرورة البحث عن آليات خاصة للتعامل معهم في هذا السياق، معتبرا أن الغالبية العظمى من الجماهير ملتزمة بقواعد التشجيع الحضاري، كما دعا إلى عقد جلسة عمل لتصنيف التوصيات، بهدف تنزيلها بشكل عملي ومنظم.
وأبرز الجامعي في كلمته أن "الألتراس لا تخيفني، بل أعتبرها شريكا في العمل"، مؤكدا على ضرورة "النأي بالرياضة عن السياسة، كل حاجة وبلاصتها"، مبرزا أنه "ندخل إلى الملاعب لنشجع، ولكن بعيدا عن السياسة، وحرية التعبير مكفولة".
وشدد المشاركون في المناظرة الجهوية على التزامهم الجاد والمسؤول بترجمة هذه التوصيات إلى آليات عملية وتدبيرية، تسهم في الارتقاء بالتشجيع الرياضي إلى مستوى اللحظة التاريخية التي يعيشها المغرب، وتدعم جهوده في إنجاح التظاهرات القارية والدولية المقبلة، وفي مقدمتها كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030.