قال النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، إن "العدالة الاجتماعية باتت رهينة أكثر من أي وقت مضى بمدى الاعتناء بالرأسمال البشري، باعتباره الحل المستدام الذي ينبغي أن يحظى بالعناية اللازمة وفق مقاربة نسقية شاملة تستهدف الإنسان بجميع أبعاده الجسدية والنفسية والذهنية".
وأضاف ميارة، صباح اليوم الثلاثاء، في كلمته في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني الدولي السابع للعدالة الاجتماعية، تحت شعار، "الرأسمال البشري: رافعة أساسية للعدالة الاجتماعية"، "ضمن هذا المنطق، وبفعل تداعيات الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي جائحة كوفيد-19، صارت الدول تتبنى أطرا مرجعية تأخذ في الاعتبار الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الساكنة، وتسعى إلى تحسين نجاعة الفعل العمومي مع أفضل استفادة ممكنة للمواطن من زاوية رفاهيته وراحته، حيث الحديث اليوم عن اقتصاد الرفاه الذي يستند إلى فرضية مفادها أن السياسات العمومية في مجال الحماية الاجتماعية والصحة والتربية يمكن أن تكون ذات مردودية على المدى البعيد، لأنها تمكن الفئات المهمشة من الإسهام في التنمية، فيدعم جهدها جهود الفئات الأخرى، فتتحقق بذلك التنمية الشاملة والمستدامة".
ولفت المتحدث ذاته، إلى أن "الدول غالبا ما تكون أمام اختيارات صعبة في ظل ندرة الموارد المالية المتاحة، خاصة عندما يتعلق الأمر باستثمارات لا تظهر مردوديتها إلا على المدى البعيد مثلما هو الحال بالنسبة للرأسمال البشري".
وتابع: "لحسن الحظ، أصبح الباحثون يجمعون على أن تحقيق تعليم جيد يعتبر استثمارا مجديا على المدى البعيد لأنه يوفر كفاءات بشرية لا غنى عنها لأية تنمية اقتصادية مستدامة. لذلك، فإنهم يلحون على ضرورة سن سياسات ناجعة لتطوير الرأسمال البشري، باعتباره الضمانة الوحيدة لتحقيق التقدم في عصر مجتمع المعرفة. ويؤكدون على الأهمية القصوى لجودة المنظومات التربوية، لأن عدد سنوات التمدرس لم يعد معيارا صالحا لقياس تأثير التعليم على التنمية الاقتصادية، وإنما العبرة بجودة التحصيل الدراسي للمتعلمين كما تبنى ذلك البنك الدولي عند إحداثه لمؤشر الرأسمال البشري".
وذكر أن "عدم المساواة في ولوج التعليم أو في الاستفادة من جودته يعتبر وسيلة للإقصاء الاقتصادي، لأن من يعاني منه لا يمتلك الكفايات الضرورية للاندماج في سوق الشغل، ووسيلة للإقصاء الاجتماعي، لأنه لا يستطيع المشاركة بالفعالية اللازمة في الحياة المجتمعية، ويشكل ذلك كلفة عالية بالنسبة للمجتمع بسبب، من جهة، ضعف القدرة على التنمية الناتج عن ضعف الكفايات، ومن جهة أخرى، ضعف التماسك الاجتماعي والحركية الاجتماعية الذي يفضي حتما إلى زيادة نفقات الصحة والمساعدة الاجتماعية ومحاربة الجريمة".
وأبرز أنه "ضمن نفس المنطق، يتعزز السعي من أجل وضع سياسات التغطية الصحية الشاملة - أي رعاية صحية ذات جودة عالية وبأسعار ميسورة للجميع دون التأثير على قدراتهم المالية - بتزايد الاعتراف بأن تمتع السكان بمستويات جيدة من الصحة والتغذية والتعليم يمثل الأساس للنمو الاقتصادي المستدام".
وأشار إلى أن "اختلال التوازن في الرفاه الاقتصادي بين طبقات المجتمع يؤدي بالضرورة إلى تكريس الهوة الاجتماعية بينها، الشيء الذي ينعكس بشكل سلبي على مستوى انخراط مختلف مكونات المجتمع في التنمية الشاملة والمستدامة للبلاد، لذلك، فإن تثمين الموارد البشرية في الأوساط المهنية بمختلف أنواعها، خاصة كانت أو عمومية، هو الضمانة الحقيقية لتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للجميع".
وأورد أن "المجتمع القوي يحتاج لجميع أبنائه وبناته بغض النظر عن تعددهم الثقافي، وباعتبار المغرب قد شكل عبر تاريخه العريق بوتقة لانصهار عدة روافد ثقافية: العربية الإسلامية والأمازيغية والافريقية والصحراوية الحسانية والعبرية والأندلسية ، يتعين علينا جميعا أن نضافر جهودنا من أجل تثمين التراث الثقافي الوطني واستثماره في إحداث نهضة ثقافية مغربية تنهل من التراث وتستفيد في الآن نفسه من التعبيرات الثقافية المعاصرة، مع إدماج الشباب في هذه الصيرورة الثقافية الجديدة بشكل يكرس فيهم الارتباط بالعمق الثقافي لبلادهم ويشجعهم على الإبداع والابتكار".