رسالة واضحة صدرت عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، يستشف منها أن بلدانا كثيرة، بينها المغرب، مدعوة إلى إيلاء اهتمام كبير للتين الشوكي، "الفاكهة" المعروفة مغربيا باسم "كرموس النصارى"، باعتباره خيارا فعالا وإستراتيجيا لتوفير الغذاء والعلف، وبوصفه "بئرا" للمياه، سيما في ظل التغيرات المناخية وأزمة الماء.
جاء ذلك، في مقال نشرته "الفاو" على موقعها الرسمي، وفيه أنه ينبغي اعتبار ثمار الصبار (التين الشوكي) من الأصول القيّمة وسيما كغذاء وعلف للماشية في الأراضي القاحلة"، إذ جمعت المنظمة خبراء مختصين في تلك النبتة القوية للاستفادة من معارفهم ومساعدة المزارعين وصنّاع السياسات على استخدامها، فتم التأكيد على أن النبتة "مصدر طبيعي يراه الكثيرون في استخدامه أمرا مفروغا منه واستراتيجياً وفعالا".
ويعود ذلك، إلى أن "الكرموس"، خلال أزمة الجفاف الحاد التي حدثت مؤخراً في جنوب مدغشقر، أثبت فائدته للسكان المحليين وحيواناتهم كمصدر أساسي للإمداد بالغذاء والعلف والمياه، خصوصا وأن التجربة "أكدت في المنطقة ذاتها، أنها عانت في ما مضى من مجاعة شديدة حدثت نتيجة السعي إلى استئصال تلكالنبتة التي اعتبرها البعض غير ذات قيمة، لكن سرعان ما تمت إعادتها".
وأكدت "الفاو"، أنه "رغم أن معظم أنواع الصبار غير صالحة للأكل، إلا أن "الصبير" يعد من الأنواع التي تحمل الكثير من الفوائد، وسيما إذا اعتني بها كمحصول زراعي بدلا من اعتبارها عشبة برية ضارة"، مضيرة أنه "اليوم، تتم زراعة النوع الذي يعرف علمياً باسم صبير التين الهندي، لأنه يمتاز بالصلابة والقدرة على الصمود، ويصلح كغذاء، بمثابة الملاذ الأخير، مفيد وجزء لا يتجزأ من أنظمة الزراعة المستدامة والعناية بالماشية".
ولنشر الوعي حول طريقة العناية بنبات الصبار (التين الشوكي) وإدارته بكفاءة، أطلقت "الفاو" بالتعاون مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، كتاباً بعنوان "إيكولوجيا المحاصيل، زراعة الصبار واستخداماته"، يجمع أحدث المعلومات حول الموارد الجينية لنبتة الصبار وصفاتها الفزيولوجية وأنواع التربة المناسبة لزراعتها وأنواع الآفات المؤثرة عليها.
كما يقدم الكتاب الجديد نصائح حول كيفية الاستفادة من هذه النبتة في الطهي، إذ يستخدمها سكان موطنها الأصلي، المكسيك، منذ قرون في الطهي، وتعد الآن من تقاليد الطعام الراسخة لمحبي الأكل في صقلية.
وتعليقاً على الموضوع، قال هانز دراير، مدير شعبة الإنتاج النباتي ووقاية النباتات في الفاو: "إن تغير المناخ وتزايد مخاطر الجفاف أسباب قوية لزيادة الاهتمام بنبات الصبار البسيط ورفع قيمته ليصبح محصولاً أساسياً في العديد من المناطق".
ويزداد الاهتمام بزراعة الصبار، حسب "الفاو"، شيئاً فشيئاً، نظراً للحاجة المتزايدة لبناء القدرة على الصمود في وجه الجفاف وتدهور حال التربة ودرجات الحرارة المرتفعة. ولدى المكسيك، الموطن الأصلي للصبار، تاريخ طويل في استهلاكه، حيث تصل نسبة استهلاك الفرد الواحد من "النوبال"، وهي فروع الصبار الطرية الشهية، المعروفة بالألواح، إلى 6.4 كيلوغرامات سنوياً.
يزرع "الصبير" في مزارع صغيرة ويحصده المزارعون في البرية في مساحات تصل إلى 3 ملايين هكتار، كما تزداد معدلات زراعته في المزارع الصغيرة باستخدام تقنيات الري بالتنقيط بصفته محصول أساسي أو ثانوي. واليوم، تعد البرازيل موطناً لأكثر من 500 ألف هكتار من مزارع الصبار لاستخدامها كأعلاف.
كما انتشرت زراعة هذه النبتة في مزارع في شمال أفريقيا (إقليم سيدي إفني بالمغرب)، وإقليم تيغراي في أثيوبيا، لتصل مساحات زراعتها إلى ما يقارب 360 ألف هكتار.
بئر للمياه
تعتبر "الفاو"، أن قدرة الصبار على العيش في إطار المناخ الجاف والقاحل تجعله من النباتات الرئيسية والمهمة في الأمن الغذائي، ففضلا عن كونه مصدراً للغذاء، يخزن الصبار الماء في فروعه، ليشكل بذلك بئراً نباتياً يمكن أن يخزن ما يصل إلى 180 طن من المياه للهكتار الواحد، وهو ما يكفي للحفاظ على حياة خمسة أبقار بالغة، الأمر الذي يشكل زيادة مستدامة في إنتاجية المراعي التقليدية. وفي أوقات الجفاف ارتفع معدل الحفاظ على حياة الماشية ارتفاعاً كبيراً في المزارع التي تزرع الصبار.
ويقول علي نفزاوي، باحث تونسي في المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، إن الضغط المتوقع على موارد المياه في المستقبل يجعل الصبار "أحد أبرز وأهم المحاصيل للقرن الحادي والعشرين".
وتكشف فصول مختلفة في الكتاب عن إمكانات زراعة الصبار، وتفيد أيضاً بأن غلة محصول الشعير التونسي تزداد عندما يزرع الصبار إلى جانبه باعتباره محصولاً محسناً للتربة، كما تشير إلى البحث الأولي الذي يقترح إدخال الصبار في النظام الغذائي للماشية، إذ يساهم في تقليل توليد الميثان لدى المجترات، مما يسهم في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وتختلف غلة نبات "الصبير" المزروعة لأهداف تجارية اختلافاً كبيراً باختلاف المكان والنوع وطريقة الزراعة، ففي كل من إسرائيل وإيطاليا والأماكن التي تستخدم الري في المكسيك، من الشائع حصاد أكثر من 20 طن من الثمار لكل هكتار، وهناك حالات وصل فيها الحصاد إلى 50 طن، لكن الإنتاج منخفض في المناطق الجافة التي تعتمد على هطول الأمطار.
إن السر البيولوجي في نبات الصبار (التين الشوكي) يكمن في عملية التركيب الضوئي الخاصة به، وهو أيض حامض المخلدات، الذي يسمح للنبات بسحب الماء خلال الليل، ومع ذلك فهناك حدود، فدرجات الحرارة التجمدية تسبب تلف غير قابل للإصلاح للفروع والثمار. وبينما بإمكان صبير التين الهندي العيش في درجات حرارة تصل إلى 66 درجة مئوية، إلا أن عملية التركيب الضوئي تبدأ بالتباطؤ فوق 30 درجة مئوية، ولهذا، تقول "الفاو"، لا نرى له انتشاراً كبيراً في صحراء الساحل.