في تحول لافت يعكس تغيرا جوهريا في موازين المواقف داخل القارة الإفريقية، خرجت ثلاث دول وازنة في جنوب القارة عن صمت طالما وُصف بـ"الحياد الدبلوماسي" تجاه ملف الصحراء المغربية، لتعلن، رسميا، وفي توقيت قياسي، رفضها لمذكرة تفاهم مثيرة للجدل وُقعت بين مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية (SADC) وجبهة البوليساريو الوهمية، في الثاني من أبريل الجاري، بالعاصمة البوتسوانية غابورون.
ولم تقتصر المواقف الصادرة عن كل من زامبيا ومالاوي واتحاد جزر القمر، خلال أقل من أسبوعين، على رفض المذكرة، بل ذهبت أبعد من ذلك، بإعلان دعمها الصريح والمباشر لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، التي باتت تتقدّم كخيار واقعي لتسوية هذا النزاع.
ولم يأت هذا "التمرد الدبلوماسي" في سياق معزول، بل يعبر عن انقسام متنام داخل التكتلات الإفريقية إزاء شرعية تحركات الكيان الانفصالي ومن يدعمه إقليميا. كما يعكس بداية تشكّل محور إفريقي جديد يتجه، بثبات، نحو إعادة الاعتبار للمسار الأممي كإطار وحيد ومشروع لتسوية ملف الصحراء المغربية، بعيدا عن المناورات الإيديولوجية.
مالاوي: لسنا مُلزمين بالمذكرة
وجاءت أولى المواقف الرافضة من جمهورية مالاوي، التي أرسلت مذكرة دبلوماسية رسمية إلى سفارة المملكة المغربية، في ليلونغوي، بتاريخ 14 أبريل الجاري.
وأوضحت وزارة الشؤون الخارجية بجمهورية مالاوي أن البلاد ترفض، بشكل صريح، مذكرة التفاهم، مؤكدة أنها لا تعتبر نفسها مُلزمة بأي من أحكامها أو مضامينها، في إشارة واضحة إلى أن التوقيع لا يعكس توافقا داخل الكتلة الإقليمية.
كما جدّدت مالاوي دعمها "الراسخ" لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها المملكة المغربية كحل لنزاع الصحراء المغربية، معتبرة إياها "حلا عمليا" للتسوية.
زامبيا: الحل المغربي هو الخيار الواقعي الوحيد
بدورها، عبّرت جمهورية زامبيا عن موقف مشابه، من خلال مذكرة رسمية وجهتها، في 8 أبريل الجاري، إلى السفارة المغربية في لوساكا؛ حيث أعلنت رفضها التام لمذكرة التفاهم بين "SADC" وجبهة البوليساريو الوهمية.
وأشارت زامبيا، في رفضها المسجل بعد ستة أيام فقط من توقيع المذكرة، إلى أنها غير معنية بأي التزامات أو نتائج تنبثق عنها؛ ما يعكس موقفا دبلوماسيا حاسما يتماشى مع الشرعية الأممية.
كما أكدت دعمها الكامل والواضح، الذي لا لُبس فيه، لمبادرة الحكم الذاتي المغربي، معتبرة أن هذا المقترح هو "الحل الوحيد الجاد والموثوق والواقعي" للنزاع الإقليمي.
اتحاد جزر القمر: الطعن الأشد قانونيا
أما موقف اتحاد جزر القمر، فجاء الأكثر تفصيلا من حيث الحيثيات القانونية والسياسية؛ حيث وجهت الحكومة القمرية مذكرة إلى الأمانة التنفيذية لمجموعة "SADC" في غابورون، بتاريخ 7 أبريل الجاري، عبّرت فيها عن "دهشتها" من توقيع المذكرة مع الكيان الانفصالي.
وذكّرت السلطات القمرية المنظمة الإقليمية بموقفها الثابت الذي سبق أن عبّرت عنه، في مذكرة بتاريخ 2 أكتوبر 2020، خلال قمة رؤساء دول "SADC" التي عُقدت في تنزانيا، مؤكدة أن قضية الصحراء المغربية تدخل ضمن صلاحيات مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة حصريا.
كما أشارت جزر القمر إلى أن المادة الخامسة من الميثاق التأسيسي لمجموعة "SADC" تحصر نطاق عمل المنظمة في منطقة إفريقيا الجنوبية؛ وهو ما يجعل هذا التحرك يتجاوز حدود صلاحياتها.
وخلصت الحكومة القمرية، في المذكرة التي وجهتها بعد خمسة أيام فقط على توقيع المذكرة محط الجدل، إلى التحذير من أن التدخل في قضية الصحراء المغربية "يهدد مصداقية المنظمة الإقليمية"، في انتقاد مباشر وغير مسبوق للخطوة الأخيرة التي اتخذتها "SADC".
تحول في المشهد الإفريقي تجاه قضية الصحراء
ويبرز هذا التسلسل الزمني أن مواقف الدول الثلاث لم تكن معزولة أو فردية، بل تأتي ضمن موجة اعتراض متزامنة تؤكد وجود تصدعات في الإجماع الإقليمي حول هذه الخطوة.
فعلى الرغم من استمرار بعض المبادرات الإقليمية في دعم أطراف غير معترف بها أمميا، إلا أن عددا متزايدا من العواصم الإفريقية بات يتبنى مبادرة الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي وقابل للتطبيق.
ويبدو أن جزءا كبيرا من دول إفريقيا بات يميل إلى إعادة القضية إلى إطارها الأممي، بعيدا عن أي محاولات إقليمية قد تضر بشرعية الحل السياسي وتوازنات العلاقات بين الدول الإفريقية.