تألمت كما تألم كل المغاربة لحادثة الاغتصاب التي عرفتها بوشان، وتابعت غالب ردود الفعل التي تلت الحدث، وكيف تفاعل الناس بمختلف فئاتهم مع بشاعة ما رأوه موثقا عبر اليوتوب بشكل واضح ومقرف.
من حسن حظها ومن سوء حظه أننا في زمن السمارت فون، وأنه وثق الحدث صوتا وصورة، لكننا كلنا نعلم أن حوادث كثيرة مثل هذه تقع يوميا بمختلف المناطق، خاصة بالبوادي والقرى وأعماق المغرب المنسي، لا يعرف أحد عنها شيئا، لا يوثقها هاتف ،ولا تسجل بمراكز حماية الطفولة، ولا يعرف قصتها ضابط شرطة.
مشكلتنا مع الاغتصاب هي أكثر من دوافع غريزية وكبت يعاني منه المجتمع لا شك، وهو أحد أهم الأسباب فيما يقع، لكن القضية أكبر من ذلك، الأمر مرتبط بكيفية تعاطي مجتمع مع الاغتصاب، مرتبط بثقافة تعاملنا مع المرأة والجسد وكل ما له علاقة بمفاهيم الشرف والعرض والسمعة.
حسب بلاغ الشرطة فإن الحادث قد وقع قبل ثلاثة أشهر، هل أبلغت البنت والديها بما حدث؟ هل حاولت إبلاغ السلطات بما كان من مغتصبها؟ لم تفعل شيئا من ذلك، والمؤكد أنها تحملت ذلك نفسيا، وأنها تتألم كل يوم، دون أن تجرؤ على البوح، بل المؤكد أنها تتمنى لو لم ينكشف الأمر، وأنها تعاني اليوم من نظرة الآخر رغم أنها كانت ضحية ومجنيا عليها.
ليست مشكلة هذه التلميذة المسكينة، لكنها مشكلة مجتمع، لم يرب أبنائه على ثقافة الحماية من الاغتصاب والمغتصبين، لا الأسرة تقوم بدورها في ذلك، ولا المدرسة التي يقع على بابها كثير من هذه الحوادث تحملت مسؤوليتها في الموضوع، لا يعلم الطفل عندنا كيف يحمي نفسه حين يتعرض للتحرش، ولا ماذا يفعل حين يقع ذلك ولا من يخاطب أو أين يتوجه؟.
بغياب هذه الثقافة نجعل المهمة سهلة أمام كل راغب في الاغتصاب، ما يبلغ عنه من الحوادث لدى أقسام الشرطة أقل بكثير جدا مما يقع على الأرض، ومايصل للقضاء منه أقل وأقل، حادثة بوشان وقعت بشارع عام ووثقتها الكاميرا، لكن هل لنا علم بعشرات الحوادث بل المئات منها، مما يقع في الأماكن المغلقة والمختلطة، كالمنازل والحمامات ومساكن الطلبة والمدارس العتيقة والسجون والإصلاحيات؟.
يجب أن نتجاوز الصدمة البصرية التي أحدثها الفيديو، وأن ندع القانون يأخذ طريقه، لنناقش ما هو أعمق من ذلك في الموضوع، لنتحدث عن مسؤولية الأسرة والمدرسة والمناهج التربوية والبرامج الإعلامية في التحسيس بالموضوع، ولماذا لا زلنا نخشى التصريح أو الإبلاغ عن مثل هذه الجرائم؟
وأسوأ من ذلك كله، حين يشرعن الاغتصاب باسم الدين، حين يبرر اغتصاب المرأة بعدم التزامها بلباس معين، أو عدم خضوعها لإيديولوجية معينة، أو طقوس منسوبة إلى الدين، فنحن نحمي المغتصب ونحول الجاني إلى ضحية والعكس.
ليست بعض المرويات المنسوبة إلى السنة ولا تصور كثير من كتب التراث للمرأة ما يدفع الغاصب للاغتصاب، لا يقول بذلك إلا أحمق، لكن المؤكد أن ذلك جزء من الثقافة التي تحمي الاغتصاب وتحتضنه، النظرة التي تسوقها هذه التراثيات عن المرأة تجعلها في الغالب متهمة وسببا لكل ما يقع عليها من اعتداء وعنف.
المرأة في هذا التراث فتنة وجب التحذير منها، يكفي مطالعة أي كتاب منها لتصطدم بعناوين لافتة: التحذير من فتنة النساء، ما يتقى من فتنة النساء، باب فتنة النساء… تحتها مرويات منسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام، تتحدث عن المرأة باعتبارها أشد الفتن ضررا على الرجال، " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان.
فإذا أضفت لذلك ما ترسخ في الأذهان من خرافات وأساطير عن حواء التي أغوت آدم بأكل التفاحة، وكانت سببا في خروجه من الجنة، فليس مستغربا ما نراه من محاولات شيطنة المرأة واتهامها ، حتى لو كانت هي المتعرضة للاعتداء والتحرش.
لم تجد المسكينة من وسيلة لدفع مغتصبها إلا دغدغة عواطفه وتذكيره بأخته لعله يرحمها، وهو ما تحول لشعار وهاشتاك تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، في لفتة عاطفية جميلة، لكن ذلك لا يجب أن ينسينا أن المرأة كائن واجب الاحترام لذاته وإنسانيته، وليس لأنها أم أو أخت أو بنت أو زوجة، فهل يباح لمن ليس له امرأة في حياته اغتصاب النساء والاعتداء عليهن.
لاحل لكل هذه المصائب إلا التربية على حسن التعامل مع الجسد، إلا ثقافة جنسية تربي الناشئة على التصالح مع الذات وأعضائها، إلا أن تقوم الأسرة بدورها في مناقشة كل ذلك مع الصغار، وفي تعليمهم طرق الحماية وحسن التصرف عند التعرض لأي اعتداء، على أن نقوم بالقطع جميعا مع أي ثقافة تبرر الاغتصاب أو تهون من أضراره ومخلفاته.