قرر الروس الاستفادة من خبرة الإنجليز في التعامل مع المشجعين المشاغبين، واستغلوا اللقاء الذي جمع سسكا موسكو بمضيفه مانشستر يونايتد الأسبوع الماضي في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، للإطلاع على سبل معالجة أي تهديد محتمل خلال مونديال 2018.
وانضم مسؤولو أمن روس إلى نظرائهم الإنكليز في غرفة التحكم، وراقبوا كيفية تعقب شرطة مانشستر لتحركات المشجعين عبر الدوائر التلفزيونية المغلقة "سي سي تي في".
وكانت شرطة المدينة قد تلقت معلومات، عن إمكانية قيام مجموعة من المشجعين بأعمال شغب في الساعات التي سبقت المباراة التي فاز فيها الفريق الانكليزي 2-1 في الجولة الأخيرة من الدور الأول.
وتحركت الشرطة بسرعة لاعتراض هؤلاء المشجعين الذين بلغ عددهم 60 شخصاً، واحتجزتهم في موقف للسيارات، قبل مرافقتهم إلى القطار، ومنعهم من التوجه نحو الملعب، وبالتالي تجنبت إندلاع أي إشكالات.
وقال المحقق لي كوكلين قبيل المباراة التي استضافها ملعب "أولد ترافورد" بشمال غرب إنكلترا، ان المشجعين كانوا "عازمين على احداث الفوضى في مانشستر".
واحتشد قرابة 75 ألف شخص في مدرجات "أولد ترافورد"، بينهم نحو 1300 من مشجعي سسكا موسكو ووفد من مسؤولي الأمن الروس الذين زاروا مقر شرطة مانشستر قبل المباراة، في خطوة تكررت أكثر من مرة بين الطرفين بهدف مساعدة روسيا على استضافة مونديال الصيف المقبل بجهوزية تامة.
وبعد عقود طويلة من التعامل مع المشجعين المشاغبين، أصبحت الشرطة الإنكليزية خبيرة في هذا المجال وتملك المعرفة الاستراتيجية والتكتيكية التي يمكن أن تساعد الروس المتخوفين من تكرار المشهد الذي حصل في 11 يونيو 2016 في مرسيليا على هامش المباراة التي جمعت انكلترا وروسيا في نهائيات كأس أوروبا 2016 في فرنسا، حيث دخل مشجعو المنتخبين في معركة أدت الى اصابة 35 شخصا وسجن ثلاثة مشاغبين روس.
وفي حين لا تشهد العلاقات السياسية بين انكلترا وروسيا أفضل مراحلها، حافظ الطرفان على التعاون في مجال الأمن الكروي.
ويرى مارك روبرتس، مساعد قائد الشرطة في مانشستر وكبير الضباط العاملين في الأمن الكروي في بريطانيا، أن التعاون بين الإنكليز والروس في هذا المجال يشكل "فرصة لبناء العلاقات والروابط، لكي نشرح لهم كيف تتم عادة معاملة المشجعين الانكليز، وكيف يتم عمل الشرطة" في مجال مكافحة أعمال الشغب في كرة القدم.
وتابع لوكالة "فرانس برس"، "بعد ما جرى في مرسيليا وأمكنة أخرى... ثمة مشكلة محتملة" في ما يخص أعمال الشغب في روسيا.
وعلى رغم أن بريطانيا لا تزال تشهد حالات من العنف المرتبط بكرة القدم، الا ان هذه الظاهرة تم استئصالها بشكل كبير من الملاعب.
وبحسب كبير الضباط جون أوهير، المسؤول عن أمن كرة القدم في مانشستر، فإن مزيجا من العمل الاستخباراتي، ونشر عناصر أمن في الملاعب، والمراقبة عبر الكاميرات، والقوانين التي تسمح للسلطات بحظر سفر المشاغبين، قد ساعد كثيرا.
وأضاف بعد استضافته الوفد الروسي، أن "ما نحاول القيام به وعرضه أمامهم هو نمط وفلسفة بوليسيان مختلفان"، مضيفا "أحرزنا تقدما كبيرا وانتقلنا من مرحلة التعامل مع مشجعي كرة القدم كمجرمين، معاملتهم مثل الحيوانات في بعض الأحيان، الى التفهم بأن الغالبية العظمى من (المشجعين) هم أفراد لائقون جدا".
في الواقع، إن التعاون الأمني الكروي بين الإنكليز والروس كان في الاتجاهين، إذ سافر مسؤولون من الشرطة البريطانية الى موسكو في شتنبر الماضي عندما حل المشجعون الإنكليز في العاصمة موسكو من أجل مؤازرة مانشستر يونايتد وليفربول في مسابقة دوري ابطال، ولم تحصل في حينه أي مشاكل تذكر.
وكشف روبرتس أن هذا الأمر سيتكرر الصيف المقبل خلال نهائيات كأس العالم، حيث سيتواجد ضباط بريطانيون في مركز التنسيق الأمني في مدن فولغوغراد ونيجني نوفغورود وكالينينغراد، أي حيث سيلعب المنتخب الإنكليزي مبارياته في دور المجموعات.
والتقى وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني آلن دنكن مع نظيره الروسي فلاديمير تيتوف في وقت سابق من الشهر الحالي للبحث في المسائل الأمنية، كما أجرت السفارة البريطانية في موسكو جولة في 11 من المدن المضيفة لرؤية الاستعدادات الخاصة بالسلامة والأمن.
إلى ذلك، أطلقت وزارة الخارجية البريطانية حملة توعية للمشجعين الذين سيرافقون المنتخب الى روسيا والمتوقع أن يصل عددهم الى 20 ألف شخص، "للمساعدة على تجنب المشاكل التي يمكن تفاديها".
وأمل روبرتس في أن يكون المشجعون الإنكليز "على دراية بأنكم في ثقافة مختلفة"، متمنيا التخفيف من شرب الخمر والسلوك الرديء، مضيفا "يجب تقبل أنكم في روسيا، إنه اسلوبهم البوليسي... يجب أن تتأقلموا في تصرفاتكم مع هذا الواقع".
بالنسبة لأندي ميتن، رئيس تحرير مجلة "فانزاين" المعنية بأخبار نادي مانشستر يونايتد، فقد حققت الشرطة البريطانية تطورا على مدى عقود، والمسؤولون الروس يستمعون الى نصائحها ويتعلمون من تجربتها.
ويعتقد ميتن الذي سافر مع يونايتد الى روسيا في مناسبات عدة، أن المخاوف من حصول أعمال عنف الصيف القادم "مبالغ بها".
وبالنسبة الى المشجع داني كاي (27 عاما) فإن ما حصل في مرسيليا صيف 2016 وما رافقه من تصنيف للمشجعين الروس من قبل وسائل إعلام بريطانية بـ"المشاغبين المتعطشين للدماء"، ما زال "عالقا في اذهان الناس دون شك"، مضيفا "لديها (الشرطة الروسية) سمعة سيئة هنا... لا أعتقد أن أحدا (أي بريطاني) يثق حقا بها".