حرصت الحكومة، عبر مشروع قانون المالية لسنة 2020، على تحقيق هدف التحكم في العجز، مع اتخاذ تدابير لضخ سيولة أكبر في المصارف عبر نوع من العفو الجبائي الذي يراد منه جذب الأموال المودعة في الخارج و"الكاش" الذي تتطلع إليه الأبناك في ظل تراجع وتيرة نمو الودائع لديها.
عندما سئل وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون حول الانطباع الذي يتولد حول عدم إيلاء الجوانب الاجتماعية العناية الواجبة في ظل تراكم الانتظارات والمطالب، رد بالإحالة على الدستور الذي يشدد على الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية.
محاصرة عجز الميزانية
يفرض الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية، حسب الوزير، محاصرة عجز الميزانية الذي يمكن في تصوره أن ينتقل من 3,5 في المائة إلى 4,8 في المائة في العام المقبل في حالة عدم اتخاذ التدابير اللازمة، والتي ستهم اقتصاد حوالي 16 مليار درهم، عبر تقليص نفقات التسيير والاستعاضة عن الإنفاق على الاستثمار من الميزانية العمومية بآليات مبتكرة للتمويل والتدبير النشيط لأملاك الدولة والمؤسسات العمومية، ما يعني المضي في الخوصصة.
ورغم تأكيد الحكومة على دعم القدرة الشرائية عبر الوفاء بالتزامات الحوار الاجتماعي الخاصة بالزيادة في الأجور عبر رصد 6 ملايير درهم في العام الحالي، والمضي في دعم السكر والدقيق وغاز البوتان بحوالي 14,6 مليار درهم، إلا أن محمد الرهج، الخبير الجبائي، يتساءل حول السبب وراء عدم تنفيذ بعض من توصيات المناظرة الوطنية الأخيرة حول الجباية، والتي يمكن أن تحسن دخل الأسر، خاصة عبر الضريبة على الدخل.
ويتصور الاقتصادي رضوان الطويل أنه من شأن المكون الجبائي، أن يساعد على التخفيف من الفوارق التي لا يفترض أن تحصر في استهداف الفقر كما في السجل الاجتماعي الموحد المنتظر، مشيرا إلى الضريبة يجب أن تندرج ضمن سياسة لإعادة التوزيع، بما يسمح بمعالجة مشكل الفوارق على صعيد المخصصات.
بين المالية والوظيفة العمومية
وتبدي الحكومة، في صيغتها المعدلة التي ضمت إصلاح الإدارة إلى اختصاصات وزير الاقتصاد والمالية، حرصا كبيرا على التحكم في كتلة الأجور في الوظيفة العمومية التي ينتظر أن تصل إلى 119 مليار درهم، علما أن الحكومة قررت دون احتساب المناصب المالية المحدثة في إطار التعاقد البالغ عددها 15 ألف منصب، خفض عدد الوظائف التي ستحدث في العام المقبل إلى 23 ألف منصب، مقابل 25 ألف منصب في العام الماضي، غير أن صافي تلك المناصب سيصل إلى حوالي 13 ألف في حال أخذ بعين الاعتبار المحالين على التقاعد من الموظفين والذين سيصل عددهم إلى 13 ألف في العام المقبل.
ويمضي المغرب في مسلسل الخوصصة، الذي ينتظر أن يدر 6 مليار درهم، حيث سيوجه نصف ذلك المبلغ للميزانية العامة والنصف الآخر لصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، غير أن وزير الاقتصاد والمالية، لم يكشف عن المؤسسات المستهدف بالخوصصة، حيث شدد على أنه يتم تحدد هدف موازني، بينما يتم اختيار الشركة أو الشركات تبعا للسياق خلال العالم.
تمويل وانتظار "الكاش"
من بين التدابير البارزة التي اتخذت في مشروع قانون المالية تلك التي جاءت استجابة لدعوة الملك محمد السادس للأبناك الرامية إلى تمويل المقاولات الصغيرة والشباب من حاملي المشاريع، حيث سيخصص له في العام المقبل مليارا درهم من بين ستة ملايير على مدى ثلاثة أعوام.
ويراد من هذه المبادرة، حسب ما جاء في مشروع قانون مالية العام المقبل، التمكن من ضبط حسابات عمليات دعم تمويل المبادرة المقاولاتية عبر آليات الضمان والتمويل ورأسمال الاستثمار والمساعدة التقنية التي وضعتها الدولة لفائدة المقاولات الصغيرة جدا والمقاولات الصغيرة والمتوسطة والشباب حاملي المشاريع والمقاولات الناشئة والمقاولين الذاتيين.
تسعى الحكومة إلى إغراء مغاربة يتوفرون على ودائع خارج المملكة أو أموال سائلة داخله غير مودعة في البنوك، بإيداعها بالنظام المصرفي، مع مساهمة إبرائية تعفي من المساءلة، وهو تدبير يراد منه، حسب وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، بث الثقة. تلك الثقة التي يمكن أن تساعد على دعم الودائع لدى البنوك والتي تراجعت وتيرة نموها في الفترة الأخيرة، وهو ما كان موضوع دق بشأنه والي بنك المغرب ناقوس الخطر.
لم يتضمن مشروع قانون المالية تدابير تترجم ما جاء في توصيات المناظرة الوطنية للجباية في ماي الماضي، غير أن تدبيرا يرمي إلى خفض الضريبة على الشركات بالنسبة للصناعية منها من 31 على 28 في المائة، علما أن الهدف يتمثل في نقله إلى 20 في المائة مستقبلا من أجل تشجيع القطاع الصناعي.