نعمان لحلو: "الملحمة" أضحكتني دون مشاهدتها.. والبزنس طغى على الإبداع

عبد الرحيم سموكني

لا يتردد الموسيقار المغربي نعمان لحلو في توجيه سهام النقد لكل عمل يرى أنه بعيد عن الابداع، لا يخجل ولا يخاف لومة لائم عندما يصيح في وجه الرداءة الفنية، له أسلوب مختلف في كتابة الأغاني والغناء، وهو ما جعله ينتج "أغان أنتربولوجية" تتحدث عن الإنسان والشجر والحجر والعمران.

في هذه الدردشة يتحدث نعمان لحلو بعفويته المعهودة عن دراما رمضان وعن ذوقه التلفزويوني الخاص، وعن الملحمة والكتابة والقراءة وتتفيه الأجيال عبر التلفزيون.

على ماذا وقع اختيارك في دراما رمضان هذا العام؟

أتابع مسلسل "عوالم خفية" لعادل إمام، والذي حتى وإن اختلفنا معه لإننا لا نختلف حوله، وعمله لهذا الموسم جد مميز، وهناك مسلسل محترم جدا اسمه "رحيم"، ولا تقتصر جماليته على القصة فقط، بل في احترافية التصوير والإضاءة والمونطاج، كلها عوامل تجعل من مشاهدته متعة حقيقية.

يبدو أنك هجرت القنوات العمومية خاصة في رمضان، ألا تتابع أي عمل درامي مغربي  هذا العام؟

أرفض مشاهدة قنواتنا المغربية لأنها ببساطة لا تحترم ذكائي. ثم إني أقنع نفسي بالقول إنه في حال ما كان هناك عمل رائع، فأكيد ستصلني أصداؤه، وبالتالي سأتجه للبحث عنه ومشاهدته.

لكن أن أكون صاحب المبادرة وأشاهد التلفزيون المغربي، فذلك ما لا يقع، لأنه حسب اعتقادي، نحن نعبث فقط، ولا وجود لدينا لأي دراما.

لماذا نعبث أو نخربق وإلى متى؟

لأننا نتعامل مع الفن كلهو وكمنوعات وتسلية، وليس وسيلة بناء للعقول والأذهان، وطالما لا نتوفر على مجلس أعلى للثقافة، الذي تكون مهمته الأولى التدخل لاختيار الأعمال الدرامية والمسلسلات والملحمات والأغاني والأفلام التلفزيونية، وهي أعمال يجري تمويلها من جيوب دافعي الضرائب، فإننا "نخربق".

وسنستمر في هذا العبث أيضا طالما لا نتوفر على أناس محترمين وميزانيات محترمة للإنتاج، وسنستمر في العبث مادمنا لا نهتم بالكتابة، سواء في السينما أو التلفزيون أو في الأغاني، الكتابة هي عصب العملية الإبداعية، وغيابها أو ضعفها ينعكس سلبا على المردود الفني النهائي.

بما أنك تحدثت عن الملحمة، وبما أنك ملحن وكاتب كلمات فأنت الأقرب للحكم على "ملحمة الأبطال"، أو على لأقل أن تدلي لنا برأيك فيها؟

لم أشاهدها مطلقا، لكن هناك ملاحظتين أثارتا ضحكي بقوة، الأولى هي أن المدة الزمنية 13 دقيقة، وهي مدة ليست معقولة بالمرة لأغنية للترويج لملف المغرب لاحتضان مونديال 2026، لا يوجد أي تلفزيون في العالم مستعد لبث أغنية أو ملحمة من 13 دقيقة، وبالتالي فإن الهدف الأساسي من العمل مبتور.

النقطة الثانية، هي عندما اطلعت على بعض العناوين التي تنتقد الملحمة، قررت ألا أشاهدها حتى لا أدخل في صراع مع 75 في المائة من الفنانين الذين ظهروا فيها.

وإذا شاهدتها، سأقول رأيي بصراحة، لذا تفاديت أصلا الاطلاع عليها. ولأكون صادقا، أعرف من لحن ومن كتب وبالتالي كنت أعرف مسبقا أنها لن تكون "شي حاجة واعرة".

تتحدث عن أن الفنان ما هو إلا أداة إلهاء، لكن بالمقابل هناك ممثلون وفنانون على مستوى عال من الإدراك والفهم والوعي، فأين يتجلى المشكل؟

الإشكال في التركبية الإدارية والإنتاجية للقنوات التلفزية، وأنا أعتقد أنه هذه المشاكل ليست اعتباطية، في السابق كنت أشك، لكن اليوم ترسخت لدي القناعة، أن هذا التخبط مقصود ومخطط له. وكأنهم يريدون لجيل كامل أن يتشبع بالتفاهات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه من وراء هذا الابتذال الذوقي والإنتاجي، من يحتقر ذكاء المتلقي، أعتقد أن الإجابة ليست من اختصاصي، بل من اختصاص الصحافيين.

أنت متتبع جبد للأفلام السينمائية المغربية، كيف تجد الفن السابع هل أنت ناقم عليه أيضا؟

أحضر بكثافة لأني أتلقى دعوات لحضور العروض ما قبل الأولى لأصدقاءي المخرجين والممثلين، وفي مرات كثيرة كنت أخرج من قاعة العرض مبتهجا.

لكن حتى في السينما نقف عند النقطة ذاتها، والتي تشكل نسبة 95 في المائة من مشاكل الإنتاج والإبداع المغربين وهي الكتابة.

وسوء الفهم الكبير الذي يقع فيه كثيرون، هو أنهم ينظرون إلى الكتابة كمهنة عادية أو أسلوب جميل منمق بكلمات ومرادفات رنانة، لا يا سيدي الكتابة أولا تأتي عبر القراءة النهمة للكتب، ثم عبر نظرة ثاقبة للأمور والأوضاع، والكتابة تتطلب التوفر على تجارب إنسانية وخبرات متعددة، فليس باستطاعة أي كان أن يمسك قلما ويخط لنا قصة أو أغنية أو فيلما.

إن أصعب ما في الوجود هو أن تكتب، على الكاتب أن يكون ملما وذو ثقافة واسعة وعقلا منفتحا على الآخر والناس والمجتمع.
ثم إن هناك الكتابة وإعادة الكتابة ثم الصياغة، بعدها يأتي السيناريو والحوار.

طيب لماذا يكتب المشارقة أعمالا أحسن من المغاربة؟

لأنهم بكل بساطة يقرؤون، بل إنهم يفترسون الكتب، قارن ما بين مبيعات معرض القاهرة أو دمشق للكتاب ومبيعات معرض الدارالبيضاء، وستعرف السبب حينها.

يكتبون أحسن منا. اعتدنا أن نخصص نهاية الأسبوع للرقص والغناء بشكل مبتذل، وأنا هنا لست ضد الشيخات والرقص، ولكن أن يصبح الشعبي الشعبوي ذوقا معمما على القنوات العمومية الوطنية، فهذا إفساد للذوق العام واحتقار لذكاء المغاربة.

لقد كان الفن المغربي أول من عانى من الشعبوية، قبل أن تضرب أطنابها في السياسة ومجالات أخرى، بما فيها التلفزيون، "خرجات علينا الشعبوية في كل شيء".

هل تضررت بدورك من الشعبوية؟

لدي 12 أغنية ممنوعة من العرض أو البث في التلفزيون، لو سألتهم رسميا، سيقولون لك إني أدعي ذلك، لكن يكفي أن تسأل مكتب حماية حقوق المؤلف.
والسبب في اعتقادي أن الشعبوية هي السبب، لأنها صارت ضابط إيقاع ومعيار للحكم على الأعمال الفنية إما بالنجاح أو الفشل.

فمثلا كل الأغاني التي أعتبرها ممنوعة، تتحدث عن مواضيع اجتماعية مثل "البطالة" وأغنية "رحمة" التي تتحدث عن الأطفال المصابين بالسرطان، وأغنية "الضوء الأحمر" التي تتكلم عن أطفال الشوارع، وأغنية على "بوليساريو"، ووفق المنهاج الشعبوي، هذه الأغاني ليست فنية بل هي تحريضية.

كما أن الإشكال اليوم يتجسد في طغيان البزنس على الإبداع، إن ما يثير حنقي بشكل كبير، هو أن نسمع أن الإمكانيات المادية للتلفزيون المغربي لا تسمح له باقتناء مسلسلات عربية جديدة، لأن سعرها أغلى، رغم أن مضمونها يبقى أقرب إلينا من الأتراك أو الكوريين أو المكسيكيين، المشرفون على الإدارات يتذرعون بغلاء سعر الدراما العربية، لكنهم ينسون أن مهرجانا كموازين تصرف فيه الملايير في أسبوع واحد، وبالعملة الصعبة.

إن مثل هذه المقارنات هي التي تصيبك بالدوار، وهي ما تجعلني أقول إن الأولوية بالنسبة لي ليست الصحة أو التعليم، بل الثقافة أولا وأخيرا.