انتقل الجدل حول المادة 9 من مشروع قانون المالية، التي تحصن أموال الدولة والجماعات الترابية ضد الحجز، رغم صدور أحكام قضائية نهائية، إلى مجلس المستشارين، بعد التوافق بشأنها في مجلس النواب.
وكشفت جلسة المناقشة التفصيلية لمشروع قانون المالية بمجلس المستشارين، الأربعاء 28 نونبر، عن تباين في مواقف الفرق البرلمانية بين مؤيد ومعارض.
في هذا الصدد، اعتبر نبيل الشيخي، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين أن المادة 9 من مشروع قانون المالية غير دستورية.
وردا على محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، الذي دفع بالمادة 14 من القانون التنظيمي للمالية، قال الشيخي "إن المادة 14 لا تعطي البرلمان حق الدخول في تفاصيل تنفيذ الأحكام القضائية، وترتيب إجراءات جديدة من قبيل: عدم إمكانية الحجز على أموال الدولة والجماعات الترابية".
وأدلى الشيخي بقرار سابق للمجلس الدستوري، صدر سنة 2019، واعتبر المادة 8 من مشروع قانون المالية غير دستورية، نظرا لكونها تتعلق بإحداث مسطرة خاصة لتحصيل الغرامات بشأن المخالفات في السير والجولان، مما يجعلها خارجة عن نطاق اختصاص قانون المالية.
واعتبر الشيخي أن معالجة قضية الأحكام الصادرة في مواجهة الدولة موقعه قانون المسطرة المدنية، وليس قانون المالية.
وأضاف مخاطبا وزير المالية "صحيح أن عددا من الدول تمنع الحجز على أموال الدولة، لكن من خلال بحث طويل قمت به، تبين لي أنه ليست هناك دولة واحدة أدرجت هذا المقتضى ضمن قانون المالية، بل تم إدراجها في قوانين خاصة".
وشدد الشيخي على أن السؤال الذي يجب طرحه هو: لماذا تراكمت الديون حتى تم الحجز على 10 ملايير درهم خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وبلغت قيمة الأحكام التي لم تؤدى بعد 30 مليار درهم؟، قبل أن يجيب "أكيد وقعت تجاوزات ووقع تعسف، فهناك من المسؤولين من يقوم بالاعتداء المادي على أملاك المواطنين، ثم يغادر موقع المسؤولية دون أن يحاسبه أحد".
واعتبر الشيخي أن عدم معالجة قضية الأحكام القضائية ضد الدولة معالجة شمولية سيزيد من تراكم الديون، داعيا الحكومة إلى معالجة الموضوع في قوانين أخرى.
من جهته، رحب عبد الوهاب بلفقيه، عضو الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين بمضمون المادة 9 من مشروع قانون المالية، مشددا على ضرورة تحصين أموال الدولة والجماعات الترابية من الحجز.
وقال بلفقيه "أنا مع المادة 9 عن قناعة، وانطلاقا من تجربة ملموسة ومعاناة".
وأعطى بلفقيه مثالا بمدينة كلميم، التي قال "إن الدولة لا تملك فيها مترا واحدا"، قبل أن يضيف "فسروا كيف سيتم بناء مرافق هذه المدينة دون نزع الملكية؟"
أما عبد الحق حيسان، المستشار البرلمانية عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فاعتبر أن المنطق يقتضي أن يرفض مجلس المستشارين المادة 9 تماشيا مع موقفه السابق من المادة 8 مكرر.
وخاطب حيسان البرلمانيين "ما الذي تغير اليوم حتى نقبل المادة 9"، مضيفا أن قبولها سيكون ضربا من العبث.
وتابع "الذي أوصل الأمور لهذا الحد هو الفساد المستشري في المؤسسات وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة"، مشددا على أنه لا يمكن خرق الدستور لمعالجة وضع تسبب فيه المفسدون.
واعتبر حيسان المادة 9 مخالفة للفصل السادس من الدستور، الذي ينص على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له".
بنشعبون: هدفنا عقلنة تنفيذ الأحكام القضائية
من جهته، دافع وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون عن مضامين المادة 9 من مشروع قانون المالية، مشددا على أن الحجز على أموال الدولة يهدد التوازنات المالية.
وأضاف "أنتم كبرلمانيين تصوتون على النفقات المتعلقة بتنفيذ القرارات والأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة، ما يعني أنها نفقات محدودة، وإذا أردتم رفعها فسنضطر إلى تحويلها من ميزانية قطاعات أخرى". وشدد بنشعبون أن الحكومة تولي احتراما للأحكام القضائية، لكن لا بد من عقلنة التنفيذ، بما لا يؤدي لعرقلة المرفق العام.
لجنة مصغرة
من جهة أخرى، قررت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين تشكيل لجنة مصغرة، تضم ممثلين عن كل الفرق من أجل ايجاد صيغة توافقية بشأن المادة 9، التي لازالت تثير مزيدا من الجدل والنقاش في الساحة السياسية والحقوقية المغربية.
وكانت فرق الأغلبية والمعارضة في مجلس النواب قد صوتت بالإجماع على المادة 9، بعد إدخال تعديلات جزئية عليها.
ونصت المادة المعدلة على أنه "يتعين على الدائنين الحاملين لأحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو الجماعات الترابية ومجموعاتها ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارات العمومية أو الجماعات الترابية المعنية".
وبحسب الصيغة المعدلة، فإن المحاسب العمومي يمكنه تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة الدولة أو الجماعات الترابية ومجموعاتها تلقائيا في حالة تقاعس الآمر بالصرف عن الأداء داخل أجل أقصاه 90 يوما ابتداء من تاريخ الإعذار بالتنفيذ في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة من الميزانية لهذا الغرض.
كما نصت المادة المعدلة على أنه "إذا تبين أن الاعتمادات المتوفرة غير كافية لتنفيذ الأحكام القضائية، فإن الآمر بالصرف يقوم وجوبا بتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانية السنوات اللاحقة، وذلك في أجل أقصاه 4 سنوات دون أن تخضع أموال الدولة والجماعات الترابية للحجز".