صراخ وعويل، واحتلال لمنصة دورة مجلس العاصمة، وتحطيم للكراسي، ومستشارات يستغثن..هل يتعلق الأمر بخلاف سياسي أسيء تدبيره، أم وراء الصخب قصايا مسكوت عنها ؟
بدأ كل شيء باحتجاج مستشاري الأصالة والمعاصرة على قرار الأغلبية التي يقودها حزب العدالة والتنمية بتعديل ترتيب جدول أعمال دورة أكتوبر، ورفض مناقشة عدد من النقط التي تقدم بها مستشارو الأصالة والمعاصرة بدعوى أنها غير مدرجة في جدول الأعمال، قبل أن يصعد عدد منهم منصة الدورة، ويدخلوا في ملاسنات مع عمدة المدينة محمد الصديقي، ليتطور الأمر إلى حدوث اشتباكات، انتهت على وقع تبادل الاتهامات بين الطرفين المتصارعين.
ظاهريا، يبدو أن سبب الصراع بين البجيدي و"البام" هو رفض عمدة المدينة مناقشة عدد من النقط التي تقدم بها مستشارو الأصالة والمعاصرة، لكن المعطيات التي حصل عليها موقع "تيل كيل عربي" تكشف أن خبايا الصراع توجد خارج مجلس المدينة، فمقاطعة اليوسفية هي مفتاح السر.
بعد انتخابات الرابع من شتنبر 2015، تمكن حزب العدالة والتنمية من ترؤس جميع مقاطعات العاصمة باستثناء مقاطعة السويسي، التي ترأسها عادل الأتراسي المنتمي للأصالة والمعاصرة
مقاطعة اليوسفية إحدى المقاطعات التي ترأسها حزب العدالة والتنمية في شخص كاتبه الإقليمي عبد الرحيم لقرع مدعوما بتحالف يضم الاتحاد الدستوري بقيادة عمر البحراوي، والحركة الشعبية بقيادة عبد الرحمان بولعود، لكن هذا التحالف لم يدم أكثر من 3 أشهر، حيث أعلن حليفا البجيدي انضمامها إلى المعارضة التي يقودها رجل "البام" القوي في الرباط إبراهيم الجماني التحاق الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري أفقد عمليا لقرع أغلبيته، إذ لم يبق معه سوى 18 مستشارا من العدالة والتنمية من أصل 43 التي يتشكل منها مجلس المقاطعة مقابل 25 تحت عباءة الجماني.
استطاعت مجموعة الجماني أن تخلق مشاكل عديدة لعبد الرحيم لقرع، فمباشرة بعدما أصبحوا أغلبية طالبوا بعقد دورة استثنائية من أجل إقالة عدد من رؤساء اللجان الدائمة المحسوبين على فريق العدالة والتنمية، إلا أن لقرع طالبهم بتوضيح أسباب الإقالة، وتقديم توضيحات حول جدول أعمال الدورة، وهو ما اعتبره والي الرباط آنداك عبد الوافي لفتيت تطاولا على اختصاص مجلس المقاطعة الذي يختص بشكل حصري بالتداول في جدول الأعمال"، فيما ينحصر دور الرئيس، في استدعاء المجلس للانعقاد، بعد تقديم الطلب من قبل الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس.
وردا على ذلك، رفع والي الرباط دعوى قضائية ضد لقرع أمام المحكمة الإدارية بالرباط من أجل عزله، إلا أنها أصدرت حكما في 25 من غشت الماضي برفض الطلب، وإعادة رئيس المقاطعة إلى ممارسة مهامه. بعد عودة عبد الرحيم لقرع لممارسة مهامه وجد نفسه محاصرا من أغلبية الجماني، وهو ما أدى إلى شلل في عمل المقاطعة، خاصة على مستوى القرارات التي تتخذ باسم المجلس.
الصراع على اليوسفية
مصادر من العدالة والتنمية أوضحت للموقع أن سبب الصراع بين البجيدي و"البام" على مستوى مجلس المدينة هو الصراع المحتدم حول مقاطعة اليوسفية، إذ أن إبراهيم الجماني أصبح يطالب لقرع بتقديم استقالته من رئاسة المقاطعة بعدما فقد أغلبيته، وهو ما رفضه الأخير. هشام أقمحي، مستشار جماعي بحزب الأصالة والمعاصرة، اعتبر في تصريح لموقع "تيل كيل عربي" أن البجيدي فقد أغلبيته داخل المقاطعة، وإذا كان يؤمن بالديمقراطية حقا، فيجب أن يتركها، لكن هذا ليس هو السبب الوحيد للصراع، بحسب أٌقمحي، فعمدة المدينة لا يملك برنامجا للعمل، والعدالة والتنمية غير قادر على تسيير العاصمة، وهو ما يبرر حجم وحدة المعارضة التي يمارسها "البام"، لكن موانع قانونية تحول دون إقالة لقرع رغم فقدان العدالة والتنمية للأغلبية في مقاطعة اليوسفية، من ذلك ما نص عليه القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، بموجب المادة 70 من القانون التنظيمي رقم 113.14، التي تنص على أنه يجو ز لثلثي أعضاء المجلس بعد انصرام أجل ثلاث سنوات على انتداب الرئيس التقدم بملتمس مطالبته بتقديم استقالته، وهو ما لا يمكن أن يتحقق دون التحاق 3 مستشارين من البجيدي بالجماني.
الأكثر من ذلك، إذا رفض الرئيس تقديم استقالته، فإن الأمر يتطلب توجيه مقرر إلى الوالي من أجل إحالة الأمر على المحكمة المختصة لعزله، شريطة أن يوافق عليه ثلاثة أرباع أعضاء المجلس، وهو ما لا يمكن أن يتم دون حدوث شرخ كبير في صفوف العدالة والتنمية.
لحسن العمراني، نائب عمدة مدينة الرباط، أوضح في حديث مع الموقع أن مجلس العاصمة صادق على ميزانية مقاطعة اليوسفية، وهو ما سيمكن عبد الرحيم لقرع من الاشتغال، وممارسة مهامه دون العودة للأغلبية التي أصبح يقودها "البام"، مشيرا إلى أن القانون والقضاء هو الفيصل في هذا الصراع. العمراني، اتهم مستشاري الأصالة والمعاصرة بممارسة البلطجية أثناء دورة مجلس الرباط الجمعة الماضي، فيما رد أقمحي بأن الأمر لا يعدو أن يكون احتجاجا على غياب برنامج للعمدة، ورفضه مناقشة كل مقترحاتهم، زاعما أن إحدى مستشارات "البام" أصيبت في الواقعة، وكانت إحدى ضحايا العمدة.
لقاء مغلق جمع بين بنكيران والجماني
مساء يوم الثلاثاء الماضي، زار إبراهيم الجماني، القيادي في الأصالة والمعاصرة بالرباط عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من أجل مناقشة قضية مقاطعة اليوسفية، وكذا الصراع بين "البام" والبجيدي على مستوى مجلس المدينة. مصدر قيادي في العدالة والتنمية، أوضح في اتصال مع موقع " تيل كيل عربي" أن اللقاء جاء بطلب من إبراهيم الجماني، الذي حمل مطلبا وحيدا لبنكيران هو تخلي القرع عن مقاطعة اليوسفية لصالحه مقابل تلطيف الأجواء في مجلس العاصمة، والسماح بالمصادقة على الميزانية، إلا أن ذلك لقي رفضا من عبد الإله بنكيران، الذي لم يستجب لأي من مطالب الجماني، واكتفى بمطالبته بتلطيف الأجواء داخل مجلس العاصمة، وترك فريق العمدة يشتغل.
وحاول "تيل كيل عربي" أكثر من مرة الاتصال بإبراهيم الجماني لمعرفة روايته حول ما دار بينه وبين بنكيران دون أن يتمكن من ذلك، إلا أن مصدرا مقربا منه قال في اتصال مع الموقع "إن الجماني زار بنكيران بطلب منه من أجل مناقشة الأوضاع داخل مقاطعة اليوسفية، ومجلس العاصمة"، مشيرا إلى أن الجماني وضع بنكيران أمام حقيقة الوضع الذي تعيشه المقاطعة والعاصمة بسبب التدبير السيء لحزبه، إلا أنه لم يبادر إلى اتخاذ أي إجراءات عملية في هذا الباب، واكتفى بمطالبة الجماني بتلطيف الأجواء إلى حين عقد لقاء للمصالحة بينه وبين مستشاري العدالة والتنمية، وهو ما رفضه الجماني، لينتهي اللقاء بدون حل، قبل أن تتحول دورة مجلس الرباط في 20 من أكتوبر الجاري إلى مسرح للسب والشتم والضرب بالكراسي بدل النقاش والحوار، وتظل مصالح مواطني عاصمة المملكة معطلة نتيجة صراع سياسي يبدو أنه مرشح لمزيد من التصعيد