هل تحول أبناء المغاربة إلى رهائن لدى المدارس الخاصة؟

حسام حتيم

بلغ غضب آباء وأولياء تلاميذ المدارس الخاصة، الذين خيب هذا النموذج التعليمي أملهم وأنهكتهم المصاريف المدرسية التي لا تكف عن الزيادة، مداه في ظل جائحة كورونا. فهل سيضع التعديل المرتقب للقانون المنظم لقطاع التعليم الخاص حدا للفوضى الحالية؟

أخذت عملية شد الحبل بين آباء وأولياء التلاميذ والمدارس الخاصة، التي تعود إلى الساحة الإعلامية مع كل دخول مدرسي، بعدا آخر هذا الموسم. فأزمة كوفيد 19، وفرض حالة الطوارئ الصحية منذ ستة أشهر، واعتماد التعليم عن بعد، كليا أو جزئيا، كلها عوامل أثرت سلبا وبكثير على العلاقات المتوترة أصلا بين الطرفين، كما كشفت عن مكامن الخلل في نظام تعليمي لا يخضع لأي مراقبة، وصار مصدرا لثراء المديرين الذين تتوسع بين يديهم وبشكل كبير مؤسسات عملاقة للتعليم الخاص.

 "فضلنا عدم تسجيل ابنتنا هذه السنة في المدرسة التي كانت تدرس فيها، لأن مصاريف الدراسة ارتفعت مرة أخرى (زائد 6%) دون أن تعطي الإدارة أي مبرر ودون القيام بأي مجهود لصالح الآباء رغم الأزمة" تقول حنان، أم من الدار البيضاء، خيبت أملها سنواتٌ من التعليم الخاص، وقررت اعتماد التدريس بالبيت لابنتها واتباع برنامج تعليمي عبر النت هذا العام. وعلى غرارها، احتج آلاف الآباء وأولياء التلاميذ المسجلين في المدارس الخاصة في الشهور الأخيرة، وبالخصوص إبان فترة الحجر الصحي، ورفضوا أداء مصاريف الدارسة والتأمين المبالغ فيها، بينما كان أبناؤهم يدرسون في البيت، وتقلصت مداخيل بعضهم بشكل كبير بسبب أزمة كوفيد 19.

مدارس فوق المراقبة

في شهر غشت الماضي، وقبل أسابيع معدودة من موعد الدخول المدرسي، دعت جمعيات آباء وأولياء التلاميذ وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي، إلى العمل على إيجاد مخرج لهذه الأزمة. وفي 2 شتنبر المنصرم، أرسل الوزير دورية إلى أصحاب المدارس الخاصة لوضع حد للضبابية التي تحيط بمصاريف التأمين، التي تتجاوز في بعض الأحيان ألف درهم دون أن يعلم الآباء طبيعة الخدمات المقدمة ولا المخاطر التي يغطيها ذلك التأمين.

رغم دعوة الوزير إلى المزيد من الشفافية، فإن مراقبة القطاع ما زالت غائبة. والحال أن القانون الإطار 51-17 التي يروم تحسين جودة المدرسة المغربية في القطاعين العام والخاص المصادق عليه العام الماضي، ينص على مراجعة القانون 06-00 الخاص بالتعليم الخصوصي لتوضيح مجموعة من الأمور، ولكن لم ير أي تعديل النور بهذا الخصوص إلى يومنا هذا. ويقول عمر مديح، رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات المستهلكين إن "القانون 06-00 لا يتحدث عن العلاقة التعاقدية بين مهنيي القطاع وآباء التلاميذ. والحال أن هؤلاء يعتبرون مستهلكين مادامت المدرسة الخاصة تعتبر طرفا يقدم خدمة"، وأضاف "هناك إذن علاقة تعاقدية بين الطرفين. وهذه العلاقة يجب أن تكون، واضحة ولا لبس فيها، وفقا للقانون. ولكن هذا ليس هو واقع الحال مع المدارس الخاصة". وتابع مديح "يجب تعديل القانون 06-00، وهو بمثابة دفتر التحملات بالنسبة إلى المدارس الخاصة، لأنه لا يتضمن مقتضيات تنظم الجانب التعاقدي. والمشكل أن الوزارة الوصية ليست لديها الصلاحيات القانونية للحسم في الموضوع. ولكن لديها السلطة المعنوية لحل مشاكل القطاع. كما يمكنها التنسيق مع وزارات أخرى، مثل وزارة التجارة، التي لها صلاحيات مراقبة بعض الممارسات التجارية مثل احترام المستهلك وعرض أثمنة الخدمات، والفوترة.. إلخ. ولكن هذا كله لا يتم العمل به.. هل الأمر مقصود؟". ولكن نوال حفيري، مديرة مجموعة "لا ريزدانس" التي لديها تسعة مؤسسات خاصة بالدار البيضاء وتقوم بالتدبير المفوض لـ14 مدرسة خاصة تابعة للمجمع الشريف للفوسفاط، ترد بالقول "وزارتنا الوصية لديها كل الوسائل للإشراف على المؤسسات التعليمية ومراقبتها. وإجراءات مراقبة الجودة واحترام البرامج يجري تطبيقها منذ زمن طويل".

البقرة الحلوب

غير أن منتقدي نظام التعليم الخاص بالمغرب ما فتئوا يشددون على وجود "لوبي" للمدارس الخاصة، عبارة عن آلة لجمع المال. وهذا اللوبي نسج علاقات متشابكة مع السلطة السياسية والاقتصادية، ويستغل ضعف النظام التعليمي العمومي لأخذ أقصى ما يمكن من الأموال من جيوب آباء التلاميذ المستعدين للاستثمار بكثافة في تعليم أبنائهم. ما حولهم إلى "أبقار حلائب" حقيقية.

ويقول عبد الرحمان لحلو، الخبير المتخصص في التربية والتكوين "يجب على الدولة أن تضرب بيد من حديد لأن التعليم قطاع يقدم خدمة عمومية، تم تفويته جزئيا فقط للقطاع الخاص، ولا يجب تركه يسير وفق هوى مصالح أصحاب اللوبيات الذين جعلوا منه وسيلة للثراء". ثم يضيف "إنهم يستثمرون لأنه لا وجود لأي مراقبة، فالمراقبة تقتضي مثلا وضع برامج جدية تتطلب استثمارات حقيقة وإشراكا فعليا للمدرسين. لتحقيق هذه المشاركة يجب تكوينهم وهذا مكلف ماديا. وللحصول على برامج ذات جودة، يجب تمتيع المدرسين بأجور جيدة. والحال أنهم في التعليم الخاص، يحصلون على أجور ضعيفة، ولا يتمتعون بأي امتيازات كما أن استمرار عملهم غير مضمون. كل هذا يجعل الكفة تميل إلى جانب صاحب رأس المال"(...)

منذ عشرين سنة والمغرب ينتظر الإصلاح الكبير للتعليم. هل سيرى النور أخيرا؟. على كل حال، سيكون على الموسم البرلماني، الذي سينطلق الأسبوع المقبل، أن يكون حازما بشأن القطاع التعليمي عموما والتعليم الخاص خصوصا، والذي يتوسع بشكل سريع جدا وفوضوي منذ بضع سنوات، ويستقبل حاليا 1.1 مليون تلميذ (من الابتدائي إلى الثانوي) من أصل 8 ملايين.

وحسب الوزارة الوصية، فإن قانون 06-00 المتعلق بالمدارس الخاصة سيجري تعديله قريبا لتنظيم القطاع وضمان الشفافية بشأن مساطير منح التراخيص، وشبكة الأثمنة المعتمدة. وقال وزير التربية الوطنية في حوار مع صحيفة "لي زيكو" في 15 شتنبر المنصرم "إن مراجعة (هذا) القانون ستشمل شروط منح التراخيص للمؤسسات التعليمية الخاصة ووضع قائمة بأسماء وترتيب هذه المؤسسات، والتي ستكون مرجعا لتحديد تكاليف الدراسة والتأمين".

من جهته، توصل مجلس المنافسة بطلب رأي من طرف رئيس البرلمان حول وضع المنافسة في التعليم الخاص. وقد تم الاستماع لحد الآن إلى مختلف الفاعلين في القطاع: المدارس، النقابات، جمعيات الآباء، السلطات الحكومية المعنية، لجنة التعليم بالبرلمان...

ولكن المجلس لم يصدر بعد رأيه. ويقول مصدر من هذه المؤسسة "الرؤية لم تتضح لنا بخصوص وضع اللمسات الأخيرة على التقرير. وقد تأخرت المهمة بسبب الظروف الحالية المرتبطة بأزمة كوفيد 19".

هذه التحركات في ملف تنظيم التعليم الخاص يمكن أن تكون آخر بصيص أمل لآباء التلاميذ، الذين يضحي الكثير منهم بكل شيء لضمان تعليم أبنائهم. فهذا التعليم يشكو من العديد من النواقص التي عددتها دراسة حول خصخصة التعليم بالمغرب كانت قد نشرت في يناير الماضي. وقد رصد مؤلفة الدارسة، خديجة عبدوس وهي باحثة في جامعة نيويورك، عددا من الأمراض التي تعشش في ثنايا النظام التعليمي الخاص: مصاريف غير مقننة، مراقبة غير منتظمة للوزارة الوصية، غياب الإطار القانوني للممارسة مهنة التدريس، استثمار قادة سياسيين واقتصاديين في القطاع ما يمس بمبدأ حيادهم فيما يتعلق بإصلاح النظم التربوي، المشاركة المطردة لصناديق الاستثمار الأجنبية والفاعلين الدوليين في العرض التعليمي المقدم بالبلاد "لأهداف مادية في الغالب".

وهذه كلها أمراض حاذت بالتعليم الخاص عن مهمته الأساسية وحولته إلى قطاع يروم تحقيق اهداف أخرى غير المساهمة في تعليم أبناء المغاربة.

عن "تيل كيل" بتصرف