بعد أن أعلن المختبر الأمريكي "Gilead"، يوم الثلاثاء 12 ماي الجاري، أنه منح تراخيص طوعية لخمس شركات مصنعة للأدوية الجنيسة بكل من الهند وباكستان لتعمل على إنتاج وبيع إصدارات جنيسة من دواء "ريمديسيفير" (Remdesivir)، الذي تم اختباره حاليا لعلاج فيروس "كوفيد-19"، وهو أصلا دواء لعلاج "إيبولا"، ارتفعت أصوات في المغرب تدعو الحكومة إلى تعليق حماية هذا الدواء، المضمونة ببراءة اختراع حتى عام 2031 على الأقل، لأسباب تتعلق بالصحة العامة والسماح بالإنتاج الوطني، في إطار ما يسمى بـ"التراخيص الإجبارية".
الدعوة التي أطلقها الائتلاف العالمي للاستعداد للعلاج في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجمعية محاربة السيدا والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تأتي أيضا في سياق مع أعلنته منظمة "أوكسفام" التي ذكرت أن شركة "Gilead"، تحركت، في مارس الماضي، لتوسيع نطاق احتكار العلاج المحتمل للفيروس، ولم تسحبه إلا بعد احتجاج عام.
أرباح كبيرة من الإنتاج اللاحق
الشركة الأمريكية تبرعت الآن بإمداداتها الحالية الكاملة من "ريمديسيفير" إلى الحكومة الأمريكيّة، تقول "أوكسفام"، في بيان، مؤكدة على التقارير الإخبارية التي تشير إلى أن الشركة يمكن أن تحقق أرباحا كبيرة من الإنتاج اللاحق.
وتذكر أن بعض المحللين في وول ستريت يتوقع أن تتقاضى الشركة أكثر من 4000 دولار عن كل مريض مقابل الدواء، على الرغم من أن تكلفة "ريمديسيفير" يمكن أن تنخفض إلى 9 دولارات عن كل مريض!
وتقترح منظمة "أوكسفام" خطة عالمية من أربع نقاط تدعو إلى ما يلي:
1- إلزاميّة مشاركة جميع المعارف والبيانات والملكية الفكرية ذات الصلة بفيروس كورونا المستجد، والالتزام بجعل جميع التمويل العام مشروطا بتحرير العلاجات أو اللقاحات من براءات الاختراع وإتاحتها للجميع.
2- الالتزام بتقديم قدرة عالميّة إضافية على تصنيع وتوزيع اللقاحات بتمويل من حكومات البلدان الغنية. ويعني ذلك بناء مصانع في البلدان الراغبة في المشاركة والاستثمار الآن في الملايين من العاملين الصحيين الإضافيين اللازمين لتقديم الوقاية والعلاج والرعاية - الآن وفي المستقبل.
3- خطّة توزيع عادلة متفق عليها عالميا مع صيغة عادلة مغلقة بحيث يكون العرض مبنيًّا على الحاجة وليس على القدرة على الدفع. وينبغي إنتاج اللقاحات والعلاجات والاختبارات وتوفيرها بأقلّ كلفة ممكنة للحكومات والمنظّمات، وألا تزيد الجرعة - من الناحية المثاليّة - عن دولارين للقاح الواحد، وأن تصل مجانا لكل من يحتاج إليها.
4- الالتزام بإصلاح النظام المتعثر للبحث والتطوير في مجال الأدوية الجديدة. فالنظام الحالي، بالنسبة إليها، يقدم أرباح شركات الدواء على صحة الناس في جميع أنحاء العالم، ما يعني أن العديد من الأدوية اللازمة ولكن غير المربحة لا يجري تطويرها. وحين تُطوّر بعضها، غالبا ما تكون أسعارها بعيدة عن متناول أشد البلدان والناس فقرا.
ماذا عن المغرب؟
إذا كان الحال الذي وصفته "أوكسفام" يتعلق بالشركة في الإطار العالمي، فإن بلاغ الجمعيات الثلاث تعتبر، في بلاغها، أن منح تراخيص طوعية من طرف الشركة الأمريكية لخمس شركات مصنعة للأدوية الجنيسة بكل من الهند وباكستان "ليس بالخبر الجيد لبلدنا"، على اعتبار أن "المغرب من بين الدول التي يمكنها توفير هذا الدواء"، كما جاء على لسان الدكتور عثمان ملوك، خبير في الملكية الفكرية والوصول إلى الأدوية ومؤسس الإئتلاف العالمي للولوج للعلاج بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويضيف أنه "إذا أثبتت التجارب التي أجريت على ريمديسيفير نجاحها، فإن الاستجابة الوطنية الفعالة للوباء تتطلب إنتاجا محليا للدواء"، مشددا على أن "الاعتماد على مصادر الإمداد الأجنبية في أوقات الأزمات الصحية العالمية لن يخلو من مشاكل، كما رأينا من ضبط منتجات صحية عابرة بالعديد من البلدان، أو فيما يخص الأقنعة الواقية كذلك".
حماية المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية
في الأصل، تم تطوير عقار "ريمديسيفير" من قبل المختبر الأمريكي ليكون مضادا لفيروس "إيبولا"، يتم اختباره الآن ضد فيروس "كورونا" المستجد (كوفيد-19)، وهو محمي في المغرب ببراءة اختراع (تحت رقم MA35665) تم منحها للشركة من قبل المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية (OMPIC)، والتي تنتهي صلاحيتها في العام 2031.
والمثير أن براءة اختراع أخرى قدمتها الشركة توجد قيد الفحص حاليا (EP16770866)، وإذا تم منح هذه البراءة الجديدة، سيتم تمديد الحماية حتى العام 2036.
وتشدد الجمعيات الثلاث على أنه إذا كان الحصول على براءة اختراع يضمن لصاحبها احتكارا في السوق حتى انتهاء الصلاحية، يحق للحكومة، وفقا للاتفاقيات الدولية والقانون الوطني، تعليق هذه الحماية لأسباب تتعلق بالصحة العامة والسماح بالإنتاج الوطني، في إطار ما يسمى بـ"التراخيص الإجبارية".
"نطلب من الحكومة أن تطبق على الفور الفصل 67 من القانون رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية بشأن التراخيص الإجبارية بخصوص براءة اختراع ريمديسيفير، ولكن أيضا على جميع المنتجات الصحية (الأدوية والاختبارات والتقنيات) التي قد تكون ضرورية للاستجابة لجائحة 'كوفيد-19'. هذا الأمر سيسمح للصناعة المحلية بالاستعداد لتلبية الاحتياجات الوطنية في الوقت المناسب"، يقول البروفسور المهدي قرقوري، رئيس جمعية محاربة السيدا.
وتوضح الجمعيات الثلاث أن المادة 67 من القانون المذكور تنص، في الواقع، على منح "التراخيص الإجبارية" للمنتجات الصيدلانية من خلال قانون إداري، بناء على طلب الإدارة المسؤولة عن الصحة العامة. وتوضح أن هذا الحكم ينطبق عندما لا تتوفر الأدوية "بكمية أو جودة كافية" في السوق، أو لأن السعر "مرتفع بشكل غير طبيعي"، مشددة على أن التفاوض مع صاحب البراءة ليس أمرا إلزاميا.
وتزيد أن هذا البند يلبي الاحتياجات الوطنية ولكن يمكن استخدامه أيضًا لتصدير الأدوية إلى البلدان التي لا تمتلك طاقة إنتاجية كافية. وبالتالي، يمكن للمغرب أن يساعد البلدان العشرين المستثناة من رخصة الشركة الأمريكية، حتى في غياب براءة اختراع. وتزيد أن تستفيد الصناعة المحلية يمكنه أيضاً أن تستفيد من سوق أكبر وكذا المساهمة في جعل الأسعار أكثر معقولية. كما تدعو الجمعيات الثلاثة الشركات المصنعة للأدوية الجنيسة المغربية إلى "تحمل مسؤولياتها وأن تبين عن حسها الوطني في ظل هاته الجائحة".
وتقول على لسان الدكتور عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، "بمجرد تأكيد نتائج التجارب السريرية المختلفة الجارية، سينفجر الطلب العالمي على الأدوية الفعالة: من غير المحتمل أن يتمكن خمسة من مصنعي الأدوية الجنسية من الاستجابة لمثل هكذا طلب. ما الذي يضمن منح المغرب الأولوية؟ ماذا سيحدث إذا قررت دولة ما طلب كل الإنتاج لتلبية احتياجاتها الداخلية أولاً كما فعلت الهند في مارس الماضي؟ يجب أن يستعد بلدنا لجميع السيناريوهات والاستفادة من جميع الصكوك القانونية الموجودة تحت تصرفه حتى لا يفاجأ".
رأي مديرية الأدوية والصيدلة
"تيلكيل عربي" نقل هذا الجدل حول دواء "ريمديسيفير" إلى وزارة الصحة، وتحديدا إلى مديرية الأدوية والصيدلة، فأوضحت البروفيسور بوشرى مداح، مديرة مديرية الأدوية والصيدلة بالنيابة، أن "هذا الدواء لم يعلن عنه كدواء سيوضع في البروتوكول العلاجي، ولحد الساعة (الخميس 14 ماي) اللجنة العلمية والتقنية، التي تسهر على القيام على العلاج بالمواطنين المصابين بالكوفيد، لم تتخذ أي قرار ليدخل في إطار البروتوكول العلاجي. وبالتالي، لحد الآن لم نتطرق إلى ضرورة هذا الدواء في المغرب".
وتؤكد البوفيسور مداح، في تصريح لـ"تيلكيل عربي" أن "البروتوكول العلاجي الذي نشتغل به الآن ليس فيه أي تغيير. ثم إن هناك عدة أدوية أخرى، وليس فقط "ريمديسيفير"، التي يمكن أن تكون علاجا للفيروس، ولكن المغرب اختار هذا البوتوكول العلاجي والنتائج والحمد لله ظهرت"، مؤكدة أن "المغرب لا يحتاج لهذا الدواء أصلا" حتى يسلك مسار "التصاريح الإجبارية".
وذكرت المسؤولة عن مديرية الأدوية والصيدلة، في سياق الحديث عن تصدير الأدوية في زمن "كورونا" المطبوعة بالندرة، أن المغرب شرع في تصديرها إلى الخارج، مع مراعاة المخزون الوطني في البلاد، خصوصا بالنسبة للمضادات الحيوية، وقد تم تصدير أدوية إلى مجموعة من الدول الإفريقية، من بينها تونس، إلى جانب فرنسا والبرتغال.