هل عين وزير الصحة مسؤولا غارقا في الفساد على رأس مديرية الأدوية؟

أحمد مدياني

أثار اسم جمال توفيق حين ظهر من بين المرشحين الثلاثة لشغل منصب مدير مديرية الادوية والصيدلة جدلاً واسعا، فالرجل شغل هذا المنصب خلال الفترة ما بين 1996 و2001، وترك قناعة لدى البعض بأنه "ارتكب اختلالات وتجاوزات" خلال السنوات الست التي قضاها في منصبه، تجعل عودته "غير مبررة".

فما هي "التجاوزات والاختلالات التي ارتكبها جمال توفيق؟ وما هو رده عليها؟ وما هو موقف وزير الصحة الذي اختاره لمنصبه القديم / الجديد؟

 جدل التعيين

في رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وإلى وزير الصحة أنس الدكالي ، بتاريخ 13 يوليوز 2018، أي شهرا و 17 يوما قبل تاريخ تعيين جمال توفيق، أحد قيدومي الصيادلة المغاربة والأستاذ بكلية الطب في الرباط، في منصب مدير مديرية الأدوية والصيدلة، ب خلال المجلس الحكومي ليوم 30 غشت المنصرم، تتحدث ابتسام مراس، النائبة البرلمانية عن الفريق الاشتراكي ، والتي تعمل أيضا في مجال الصيدلة،  "تقارير لمفتشية وزارة الصحة في عهد الوزير الأسبق التهامي الخياري، رصدت عدداً من الخروقات والاختلالات الإدارية والأفعال الإجرامية".

البرلمانية ابتسام مراس تتحدث عن أربعة محاور رئيسية تضمنها تقارير مفتشية الوزارة، على حد قولها، وهي: "توصله بشيكات من مختبرات الأدوية تم صرفها عن طريق سائقه الخاص، و مساهمة زوجته في عدد من شركات الأدوية التي استفادت من أثمنة تفضيلية، و استفادته من قضاء عطلة بالولايات المتحدة الأمريكية على حساب أحد المختبرات، و وأخيراً، التزوير في المكون الحيوي لدواء مستورد من طرف أحد المختبرات التي تساهم فيها زوجته".

وحسب الوثائق التي يتوفر عليها "تيل كيل عربي"، والمرفقة برسالة البرلمانية ، فإن زوجة جمال توفيق، كانت خلال الفترة التي كان فيها مديراً لمديرية الأدوية، تتوفر على مساهمات في ثلاثة مختبرات للأدوية، وهي:

مختبر "steripharma" حسب تقرير الجمع العام لمجلسه الإداري المؤرخ بـ7 أبريل 1999، والذي يشير إلى توفرها على حصة من أسهمه، وتسميتها خلال نفس الفترة عضوة في مجلسه الإداري. هذا المختبر تم إنشاءه حسب المعطيات المتوفرة في موقع الإلكتروني في العام ذاته، وهو متخصص في إنتاج الأدوية الجنيسة.

المختبر الثاني، "pharmadent"، وحسب تقرير جمع عام مجلسه الإداري، بتاريخ 17 دجنبر 1998، والذي تم خلاله توزيع الأسهم على المساهمين، بثمن 100 درهم للسهم، حصلت زوجة جمال توفيق على مساهمة في المختبر بلغت 5600 سهم كما هو مبين في الوثيقة ذاتها.

أما المختبر الثالث، فهو "ipharma"، هذا الأخير، ورد اسم زوجة جمال توفيق كمساهمة فيه، في رسالة موجهة إلى الكاتب العام لوزارة الصحة بتاريخ 3 أكتوبر 2000، موقعة من طرف مديرته، وموضوعها الملف التكميلي لإنشاء المختبر بالمغرب.

وتتهم البرلمانية التي راسلت العثماني والدكالي قبل تعيين جمال توفيق على رأس المديرية، بـ"منح هذه المختبرات معاملة تفضيلية".

وعلاقة بموضوع "التزوير" في مكون حيوي لدواء. يتوفر "تيل كيل عربي" على وثيقة تتحدث عن ترخيص مديرية الأدوية، لأحد المختبرات التي تساهم زوجة جمال توفيق في رأسمالها، بتصنيع دواء، رغم عدم مطابقة وصفته التي تم اعتمادها في المغرب، للوصفة الأصلية ومنشأها إسبانيا.

وأثار الترخيص لتصنيع هذا الدواء جدلاً داخل وزارة الصحة، وصل حد عرض الملف على لجنة المنازعات، هذه الأخيرة أوصت بمراسلة وزارة الصحة في إسبانيا من أجل التأكد إن كان هناك خطأ في ترجمة الوصفة من الإسبانية إلى الفرنسية.

وجاء رد وزارة الصحة في إسبانيا، عام 1999، حسب وثيقة أخرى يتوفر عليها "تيل كيل عربي"، بأن "ترجمة الوصفة إلى الفرنسية صحيحة، لكنها أبدت ملاحظة على تعديل يهم مكوناً حيوياً للدواء".

ويوصف الدواء محط الجدل في حقبة تولي جمال توفيق لمنصب مدير مديرية الأدوية والصيدلة، مضاد للجراثيم في عدد من أعضاء الجسم.

أما في ما يخص تسعير الأدوية والتأشير على ذلك خارج إطار اجتماع اللجنة المكلفة، تفيد الوثائق التي حصل عليها "تيل كيل عربي"، أن دواء Dermofix gel، وهو عبارة عن مرهم جلدي، يوصف لمن يعانون من مرض نفسي يتسبب في ظهور نوع من الفطر على الجلد، وغالبيتهم من ذوي الدخل المحدود جداً.

وتم تحديد سعر الدواء المذكور، بـ190 درهما، وكان تسعيره موضوع مراسلة لوزير الصحة حينها التهامي الخياري، يتوفر "تيل كيل عربي" على نسخة منها، مؤرخة بـ1 دجنبر 2000، تتحدث عن بيع نفس الدواء في إسبانيا بسعر لا يتجاوز 100 درهم، التأشير على هذا السعر من طرف جمال توفيق مدير مدرية الأدوية والصيدلة حينها، دفع الكاتب العام لوزارة الصحة لاستدعائه، وإبداء ملاحظته على هذا القرار.

ومن بين ما يواجه به جمال توفيق كذلك، ما تضمنته الوثائق التي حصل عليها "تيل كيل عربي"، وتتحدث عن "استفادته من سفريات رفقة عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية. والإقامة في 7 فنادق فاخرة في كل من نيويورك وهاواي وأورلاندو وميامي، في فترات زمنية متقاربة امتدت من يوم 11 يونيو إلى 12 يوليوز صيف 1999.

وتقول إنه "استفاد من هذه العطل المدفوعة التكاليف، لقاء منح مختبر Pfizer رخصة تصنيع حبة فياغرا في المغرب في وقت قياسي دون العودة إلى اللجنة المكلفة بذلك في مديرية الأدوية والصيدلة".

مرافعة جمال توفيق لأجل "براءته" 

اختار جمال توفيق الرد على الاتهامات الموجهة إليه، بالحديث عن المختبرات التي تساهم فيها زوجته. يقول جمال توفيق  إن "زوجته مساهمة اليوم في شركة واحدة لتوزيع الأدوية بالجملة، مقرها في القنيطرة، رفقة أزيد من 100 صيدلاني، ومساهمة بمبلغ قدره 50 ألف درهم منذ عشر سنوات تقريباً، تربح من ورائها قرابة 2500 درهم في العام، وباستثناء هذه المساهمة لا تملك أي سنتيم في أي مكان آخر، ويمكن التأكد من ذلك بالاطلاع على السجل التجاري للشركات التي يتحدثون عنها".

"لكن الوثائق التي نتوفر عليها تتحدث عن مساهمة زوجتك في مختبرات للأدوية خلال الفترة التي كنت فيها مديراً للمديرية؟"  يرد جمال توفيق بالنفي: "لم يكن لديها أي مساهمة.. لا اليوم ولا من قبل".

وبخصوص السفريات و"قضاء العطلة على حساب شركة لتصنيع الأدوية"، أوضح جمال توفيق، حسب رده، أنه "ذهب إلى الولايات المتحدة ثلاث مرات في حياته". وأضاف: "هذاك السفر الذي يتهمونني به، فعلا سافرت إلى أمريكا في تلك الفترة، ولكن كانت مهمة مع الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي، وكان ذلك لحضور ندوة حول المخدرات منظمة من طرف المكسيك. قبل هذه الندوة كانت المكسيك قد اتخذت قرار سحبت اعترافها بجبهة البوليساريو، بعدما أقنع اليوسفي حكومتها، وطلب منا الحسن الثاني السفر إلى الندوة، ورد الجميل للمكسيك، مع وفد رفيع المستوى وكنت من بينهم".

وتابع مدير المديرية الأدوية والصيدلة، أنه "سافر مرة ثانية إلى أمريكا عام 1999 وعام 2000 ولكن ليس بصفته مديراً لمديرية الأدوية والصيدلة، بل ممثلا لنادي كان يرأسه، وفي السفر الثاني اصطحب معه زوجته وأبناءه، على حساب النادي الذي كان يرأسه وليس على حساب مختبر للأدوية".

أما في ما يخص اتهامه بـ"تلقي رشاوي من مختبرات الأدوية، واستلام سائقه لقيمتها عن طريق الشيكات مكانه"، قال جمال توفيق بنبرة غاضبة، بعدما رمى القلم الذي كان بين يديه على الطاولة: "لم يسبق وسمعت بالموضوع. لا يمكن أن آخذ الرشوة بالشيك، هذا غباء، لنفترض أنني كنت أتسلم الرشوة من مختبرات الأدوية، هل سأترك ورائي وثائق تدينني فيما بعد؟ !"

وعن خلافه مع سائقه حينها، وما يروج حول أن الأمر كان له علاقة بشيكات، أوضح جمال توفيق أنه "اختلف مع سائقه فعلاً، وكان الموضوع بسبب شيك، ولكن الأمر ليس كما يروج له".

وفي التفاصيل ، يحكي جمال توفيق أن "سائقاً شاباً كان يعمل معه في المديرية، وكان يحضر معه الأنشطة التي ينظمها النادي الذي كان يرأسه. هذا الأخير نظم يوماً حفلاً خيرياً، كتقليد سنوي يجمع خلاله الهبات والتبرعات للمؤسسات الخيرية التي يدعمها، وقبل الحفل يقوم بجمع هدايا وهبات عينية، تجرى عليها قرعة من بين الحاضرين ويشترونها كنوع من الدعم لأنشطة النادي، وكان من بين ما حصل عليه، شيك موقع باسم "صورياد" (الشركة التي تملك القناة الثانية) وكانت قيمته 3000 درهم، هذا الشيك اختفى خلال الحفل".

وتابع المتحدث روايته عن قصية خلافه مع سائقه السابق بسبب الشيك، بالقول: "خلال الحفل طلبت من السائق مساعدتي، وبعد يومين، دخلت عندي عائشة الكاتبة، ويمكن التوجه عندها لسؤالها، وهي ما تزال موظفة هنا، وقالت لي (الشيفور ديالك راه حشمان منك قال ليك تلك الليلة ساهم بـ100 درهم وربح شيك لكن البنك رفض صرفه له، ولما أمسكت بالشيك وجدت أنه هو نفسه الذي منح للنادي باسم (صورياد) !"

"إذا كنت أتسلم الشيكات عن طريق السائق أو مباشرة من مختبرات الأدوية، أطالبهم بكشفها، يقولون إن السائق سلم نسخ منها لوزير الصحة الأسبق، أين هي؟ كما أطالب بفتح تحقيق لدى جميع الأبناك إن كان هذا السائق صرف يوماً شيكاً تسلمه من مختبر للأدوية". يشدد جمال توفيق.

وعن معالجة ملفات المختبرات "التي كانت زوجته مساهمة فيها"، كرر جمال توفيق رفضه لهذا الأمر، أي "أن زوجته لم تكن شريكا في أي مختبر"، وأضاف: "لم يسبق لي أن قمت بمنح أحدهم امتيازاً، وكانت الأمور تمر بشفافية، ولم أكن أشتغل لوحدي، بل أشتغل ضمن المجموعة، ولم يسبق أن اتخذت قراراً لوحدي، بل لم يسبق أن حضرت لطلبات العروض، أو التقيت أي مصنع للأدوية، كل القرارات التي اتخذت تمت في إطار المسطرة الإدارية".

قبل أن يستدرك بالقول: "مرة وحدة خديت قرار بوحدي"، وهذه قصته: "واحد نهار جا عندي مستثمر في قطاع الأدوية، صاحبه قال إنه يريد الاستثمار في دواء مهم جداً، وهو مرخص في الولايات المتحدة الأمريكية، "فياغرا"، وأضاف أنه يمكن أن يجلب الصناعة إلى المغرب، وسوف نكون ثاني بلد في إفريقيا يقوم بتصنيعه، وسوف ننافس مصر، وسوف أجلب وحدة التصنيع وكانت قيمتها حينها 2 مليون ديال الدرهم، وقرر أن المصنع سوف يتم إنشاءه في الجديدة، حينها اتصلت بوزير الصحة مولاي أحمد العلمي، وطلبت لقاءه".

بخصوص الترخيص الاستثنائي لمصنع "فياغرا"، يقول مصدر خاص ل" تيل كيل عربي" ، رفض الكشف عن هويته، دون أن يتمكن الموقع من التأكد من صحة هذه الرواية إن "الوزير العلمي اتصل بالديوان الملكي حينها، وأخبرهم بالمقترح، وبعد حين جاءه هاتف من القصر يخبره بضرورة التأشير على المشروع في أسرع وقت".

وبالعودة إلى شهادة جمال توفيق وردوده على ما وجه له من تهم، شدد على أنه "لم يسبق له منح أي ترخيص دون اجتماع اللجنة".

أخيراً، اعتبر مدير مديرية الأدوية أن الحديث عن تسعير دواء بأكثر من ضعف قيمته في إسبانيا، بالنسبة إليه مثل الوقوف عند "ويل للمصلين"، وأضاف بنبرة غضب: "باغين يشدوني من حالة وحدة، وهذا الدواء نقاشنا خصوصيته حينها مع المسؤولين في وزارة الصحة، من بينهم الكاتب العام للوزارة".

هنا، قاطعه "تيل كيل عربي" متسائلاً: "يعني استدعاؤك من طرف الكاتب العام بسبب تحديد قيمة هذا الدواء بـ190 درهما صحيح؟" وأجاب: "دائما هناك اتصالات مع الكتاب العامين، ومن بين ما نناقشه التأشير على تسعير الأدوية، المديرية تؤشر سنويا على ما بين 500 و600 دواء، ولا يمكن الحديث عن حالة واحدة معزولة".

موقف وزير الصحة: تجاوزات لا اختلاس وفساد

قال وزير الصحة في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، تعليقاً على المراسلة التي توصل بها، و"الاختلالات التي تم الحديث عنها"، إن "كل ما ورد مردود عليه، وتوفيق جمال كفاءة وطنية وتم اختياره للعودة إلى هذا المنصب من بين عدد من الذين تقدموا له، واجتاز الاختبار وجاء هو الأول من بين الثلاثة الذين تم اختيارهم".

ووصف أنس الدكالي، ما طرح عليه "تيل كيل عربي" من وثائق حصل عليها، بـ"الاتهامات المردود عليها"، وأضاف: "نعم كانت هناك تجاوزات مسطرية فقط على المستوى الإداري في عهد جمال توفيق، لكنها لا ترقى إلى مستوى الفساد أو الاختلاس أو استغلال النفوذ والمنصب".

واعتبر وزير الصحة، أن "تعيين جمال توفيق، يأتي في سياق الإعداد لتحويل مديرية الأدوية والصيدلة إلى وكالة مستقلة، ولأنه أشرف بعد تعيين في نفس المنصب عام 1996 على إنشاء المديرية بشكلها الحالي وإصلاح هرمها الإداري، أرى أنه أهل لمهمة جعلها وكالة مستقلة".

وختم أنس الدكالي حديثه لـ"تيل كيل عربي" بالقول: "حتى البرلمانيين الذين يتحدثون عن هذا التعيين ويوجهون له الانتقادات، لديهم من يدافعون عنه، أدعوهم إلى احترام السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة، لأن التعيين في المناصب العليا من صميم اختصاصها، وإن كانت عندهم ملفات تهم أي شخص، مرحباً بهم، وفي أي وقت يمكنهم تشكيل لجنة استطلاعية للوقوف على كل ما يدفعون به تجاه جمال توفيق".