نبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أنه يتعين على الاقتصاد الوطني تجاوز العديد من مكامن الخلل الناجمة عن غياب صناعة سفن قوية وتنافسية بالمغرب، والتي تتمثل في التأثير السلبي على الميزان التجاري والموجودات الخارجية، والارتهان التكنولوجي القوي بالخارج في مجال بناء السفن وإصلاحها، ومشاكل تنافسية العرض الوطني، مضيفا أن غياب حجم كاف من النشاط يؤثر على القدرة على الاحتفاظ برأسمال بشري مؤهل، وعلى تطوير الكفاءات المحلية في هذا القطاع.
وسجل المجلس، في تقريره السنوي 2023، أن المغرب يظل مرتهنا، بشكل كبير، بالخارج، في اقتناء السفن وغيرها من المنتجات ذات الصلة؛ حيث أنفق أزيد من 14 مليار درهم على واردات السفن، خلال الفترة 2002-2022 (ما عدا السفن العسكرية، والمعدات البحرية).
وبالنسبة للواردات في مجال السفن العسكرية، وعلى الرغم من غياب إحصائيات شاملة حول هذا القطاع، يضيف التقرير، فإن مؤشر نقل الأسلحة الذي نشرته قاعدة بيانات نقل الأسلحة (SIPRI Arms Transfers Database) يشير إلى الصبغة غير المنتظمة ولكن المهمة، في بعض الفترات، لحجم واردات المغرب في هذا المجال.
وتابع أنه إجمالا، تساهم نفقات العملة الصعبة نتيجة استيراد السفن، في مفاقمة العجز المسجل، بسبب ضعف تموقع المغرب في أنشطة إصلاح السفن، كما تسهم في عجز الميزان الخارجي لخدمات النقل البحري البالغ 21.1 مليار درهم، مشيرا إلى أن المغرب يعاني في هذا المجال من ارتهان كبير بمجهزي السفن الأجانب، ويظل تحت رحمة تقلبات الأسعار.
وأضاف التقرير أنه من هذا المنطلق، وإذا تمكن المغرب، من خلال صناعة تنافسية للسفن، من تلبية نسبة من الطلب الداخلي على السفن والمنتجات ذات الصلة في بعض القطاعات، سيما قوارب الصيد المصنوعة من الصلب أو البوليستر، وسفن نقل المسافرين أو البضائع وناقلات النفط، وكذا في مجال إصلاح السفن وصيانتها، فإن ذلك من شأنه أن يقلص من درجة ارتهانه بالخارج، وما يستتبع ذلك من خروج للعملة الصعبة، وأن يحفز خلق القيمة المضافة، وإحداث مناصب الشغل على الصعيد المحلي.
من ناحية أخرى، وبالنظر إلى محدودية السوق الوطنية، فإن أكبر إمكانية للنمو بالنسبة للمغرب تكمن في الحصول على حصص في السوق الدولية، سيما على مستوى الواجهة الأطلسية لإفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وفق المصدر نفسه.
وأوضح التقرير أنه إذا ما اقتصرنا على واردات المنطقتين المذكورتين من السفن والمنتجات ذات الصلة (باستثناء المعدات البحرية، والسفن الموجهة للتفكيك)، فإن حجم واردات هذه السوق يقدر بنحو 11 مليار دولار أمريكي سنويا، على مدى السنوات العشر الأخيرة، موزعة بين 2 مليار بالنسبة لسوق الواجهة الأطلسية لإفريقيا، و8.5 مليار بالنسبة لحوض البحر الأبيض المتوسط.
وتابع أنه إذا ما افترضنا أن المغرب نجح في رفع حصته في السوق على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط إلى 1.5 في المائة، وهو مستوى قريب من حصة إسبانيا وتركيا، وفي رفع حصته إلى 3 في المائة في سوق الواجهة الأطلسية لإفريقيا، فإن ذلك سيتيح تحقيق عائدات سنوية للتصدير (دون إدراج السفن العسكرية)، قد تصل في المتوسط إلى قرابة 200 مليون دولار أمريكي، لافتا إلى أن تموقع المغرب في السوقين المشار إليهما ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار نوع السفن المراد بناؤها، ودرجة تعقيد كل فئة من المنتجات المعنية.
وبالإضافة إلى نشاط بناء السفن، أفاد التقرير بأن الصناعة البحرية بمعناها الواسع تشمل العديد من المنتجات التي يمكن للمغرب أن يعمل من خلالها على الرفع من حصصه في السوق. ويتعلق الأمر بالمعدات المهنية للمراكب؛ كشباك الصيد، وسترات النجاة، وأطواق النجاة، ومعدات الملاحة؛ كالتجهيزات الإلكترونية، وأجهزة الاتصالات الملاحية، والمعدات ذات الصلة بأنظمة الدفع؛ كالمحركات الخارجية الصغيرة.
وأضاف المصدر نفسه أن المغرب، في حال اختياره التموقع في هذا النوع من المنتجات التي تغطيها حاليا الواردات، فإن وتيرة هذا التموقع ستكون مشروطة بمستوى التعقيد التكنولوجي الذي يتطلبه كل نوع من هذه المنتجات".
وبالإضافة إلى أنشطة بناء وتحويل السفن، ومعدات الملاحة، سجل التقرير أن المغرب يعاني من نقص كبير في نشاطي الإصلاح والصيانة. وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن معظم مجهزي السفن الذين يعملون في الموانئ الوطنية، أو يمرون عبرها، يفضلون إسناد عمليات صيانة سفنهم وإصلاحها إلى أحواض توجد خارج المغرب، سيما في إسبانيا. أما بالنسبة لأنشطة الإصلاح والصيانة التي تتم بالموانئ الوطنية، فتهم، بالأساس، قوارب ومراكب الصيد المصنوعة أساسا من الخشب.
واعتبر المجلس أنه من المؤكد أن هذا الوضع يشكل مكمن قصور يتعين تجاوزه، إلا أنه يشكل في الآن ذاته فرصة هامة يتعين اغتنامها، موضحا أنه خلال إرساء خدمات تنافسية وذات جودة لصيانة السفن وإصلاحها، يمكن للمغرب أن يحصل على حصة من هذا الطلب.
وفي هذا الصدد، أشار التقرير إلى أنه في السنة الواحدة، تتوقف أكثر من 6500 رحلة بحرية عبر الموانئ الوطنية. ومن شأن الحصول على جزء من الطلب على عمليات إصلاح هذه السفن أن يوفر عائدات هامة للمغرب، ويقلص مما ينتج عن ذلك من تدفق للعملة الصعبة خارج البلاد. وفضلا عن ذلك، فإن الزيادة المستمرة في متوسط عمر السفن التجارية (28 سنة في عام 2023)، وفي متوسط عمر قوارب الصيد (16 سنة)، توفر سوقا كبيرة لأنشطة إصلاح السفن وصيانتها، هذا دون أن ننسى الفرص التي تتيحها سوق صيانة القطع البحرية العسكرية.