قال والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، إنه من أجل الدفع بالنمو والتشغيل يتوجب على كافة الأطراف "تجاوز الاعتبارات الشخصية والحزبية" و"تعبئة جهودها خدمة لمصالح البلاد والساكنة". هكذا جاءت خاتمة الكلمة التي ألقاها الجواهري أمام الملك، عند تقديمه، أمس الاثنين، التقرير السنوي للملك، حيث أكد على أن حكامة السياسة العمومية تعاني من مجموعة من أوجه القصور ترتبط بغياب التنسيق والفعالية في التطبيق والموضوعية في التقييم، معتبرا أنه بسبب ذلك "ليس من الغريب أن يكون الأداء الاقتصادي والاجتماعي دون مستوى الجهود المبذولة".
واعتبر الجواهري أن ما يبعث على المزيد من القلق أن هذا الوضع مقرون بضعف جودة الخدمات العمومية، خاصة منها الصحة والتعليم، ما يؤدي إلى تدني ثقة المواطن في الإدارة العمومية وفي الهيئات الوسيطة، مشيرا إلى أن المواطن "يرى في حالات التردد التي وسمت السياسات العمومية في الأونة الأخيرة، على غرار الجدل الذي أحاط بالقانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية وتدبير ملف الأساتذة المتعاقدين والمماطلات حول هوامش ربح موزعي المنتجات النفطية ومستوى الضريبة لبعض المهن، دليلا على عدم الاهتمام بمصالحه المشروعة".
وسجل أنه بعد ثماني سنويات من الإصلاح الدستوري "بات جليا أن هذه التطورات لا تتوافق مع الدافع الذي كان يحركه، والذي يقوم بالأساس على تعزيز الديمقراطية التشاركية ودعم دور العديد من المؤسسات في الحكامة السياسية".
وعند تشخصيه للوضع الاقتصادي بالمغرب، لاحظ الجواهري أن المغرب يواجه صعوبات في الأعوام الأخيرة، مشيرا إلى أن الضعف الذي تشهده الأنشطة غير الفلاحية منذ 2013، يدعو للقلق، في حين ظل النمو الإجمالي مرهونا بتناوب المواسم الفلاحية الجيدة والضعيفة، حيث لا يتعدى في المتوسط 3,3 في المائة، مؤكدا على أنه في "حال استمرار هذا الوضع، قد يصبح أمل الالتحاق بالاقتصادات الصاعدة صعب التحقق حتى في أبعد الآجال"، مشددا على أن تأثير مستوى النمو كان واضحا على سوق الشغل.
وأشار إلى أن الآفاق المستقبلية تظل محاطة بالشكوك، معتبرا أن "البطء في تنفيذ رؤية 2030 للتربية والتكوين، إلى جانب الخلافات حول سبل تطبيقها، قد يؤديان إلى استمرار ضعف أدام النظام التربوي والتعليمي، الذي بلغ درجة مثيرة للقلق قد تسفر عن الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي لأجيال من الأطفال والشباب"، في الوقت نفسه، الذي تتزايد صعوبة الولوج إلى سوق الشغل، في ظل الثورة الرقمية، والذي يوازيه، عامل آخر مثير للقلق في نظر الجواهري، ويتمثل في، في اجتذاب الاقتصادات المتقدمة لكفاءات البلدان النامية والصاعدة، والذي ينتج عنه كل سنة هجرة أفواج من الخريجين تغريهم شروط أفضل للعمل.
وسجل أن المغرب "لا يستغل بالقدر الكافي الفرص المؤقتة التي يتيحها له الانتقال الديمغرافي، في تعزيز رسماله البشري، مشيرا إلى الإقصاء من سوق الشغل واستمرار مستوى عال من التفاوتات الاجتماعي، التي تزيد مواصل التواصل الاجتماعي من حدتها في منظور الساكنة، يفاقم الإحساس بالتهميش ويضعف التماسك الاجتماعي".
وذهب إلى أن ضعف النمو والتشغيل، هو نتيجة مباشرة لتراجع الاستثمار الخاص، بالرغم من التحفيزات الكثيرة وتطور النظام المالي بصورة، كبيرة مقارنة بالبلدان النامية، مؤكدة على أن "الجهود المبذولة لصالح النظام الإنتاجي، لم تنجح في تجاوز وضعه المثير للقلق"، مشيرا إلى أن "تفشي القطاع غير المهيكل والممارسات غير الشريفة والفساد وتأخر آجال الأداء كلها عوامل تؤدي إلى تقسيم وإضعاف وإنهاك النسيج الاقتصادي".
ويتصور أن العودة بالمغرب إلى "مسار نمو مطرد، يستدعي حتما المضي في الإصلاحات" معتبرا أن ذلك يتطلب رفع مستوى فعاليتها ومردوديتها، وكذا مراعاة أفضل للمحيط الدولي المحفوف بالشكوك، كما يستدعي الأمر القيام بعمليات تقييم موضوعية ومستقلة ومنتظمة من أجل إدخال التعديلات اللازمة وتحسين الاختيارات في المستقبل".
ويوصي باليقظة في ظل ارتفاع المديونية العمومية، وتعبئة الموارد بشكل أكبر، في الوقت نفسه، لا يرى غضاضة في المضي في الخوصصة، داعيا إلى تحضيرها وتتبعها بشكل دقيق، مشددا على ضرورة جعل مساعدة الشركات الخاصة على مواجهة المنافسة الدولية، من أولويات السياسة العمومية، مشيرا إلى أن تعزيز النسيج الإنتاج، يأتي في ظل الوضعية الهشة للتوازن الخارجي، المهدد بتقلبات أسعار المواد الطاقية وارتفاع الوادرات من سلع التجهيز والاستهلاك، وخروج الإيرادات برسم الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وشدد على ضرورة إصلاح السياسة العمومية في المجال الاجتماعي، عبر استهداف الأسر، ما سيسهل عملية إصلاح المقاصة، في تصور الجواهري، الذي يؤكد على صعوبة حصر الساكنة المؤهلة للاستفادة من الدعم المباشر بعد إرساء سجل اجتماعي موحد، مؤكدا في الوقت نفسه، على ضرورة استكمال ورش إصلاح نظام التقاعد، في ظل التفاقم التدريجي للعحز التقني.