وفيات النساء الحوامل في المغرب.. وقائع صادمة

مستشفى العرائش
أحمد مدياني

تسبب الإهمال الطبي كما أقرت بذلك وزارة الصحة في وفاة سيدة حامل بمدينة العرائش نهاية الأسبوع الماضي، حالة من عشرات الحالات لاتزال تجعل من الحمل مغامرة قد تخطف الحياة، خاصة في القرى والمناطق المهمشة.

الوزارة اختارت منذ أشهر الإعلان عن فتح تحقيقات وفيات النساء الحوامل، فما مصيرهذه التحقيقات؟ وما هي المساطر المتبعة لتحديد المسؤوليات التي تترتب عن حالات الإهمال إذا ثبت؟ وكم هو معدل وفايات الحوامل في المغرب بالنظر إلى كل البرامج التي وعدت وتعد بالحد من وفيات النساء الحوامل؟

معطيات حصرية حصل عليها "تيلكيل عربي" من مفتشية وزارة الصحة، وهي الجهة التي يخول لها القنوان التحقيق الإداري لتحديد المسؤوليات عندما تقع حالات وفاة وسط النساء الحوامل.

القصة الكاملة لمأساة العرائش

في انتظار قرار القضاء الذي ينظر في القضية، انتهى التحقيق الذي فتحته مفتشية وزارة الصحة في ظروف وملابسات وفاة أم حامل وجنينها  في مدينة العرائش، باتخاذ قرارات إدارية في حق طبيب متخصص في توليد النساء ومولدتين كانتا حينها داخل المستشفى حيث لجأت الراحلة للوضع؛ إذ قررت توقيف الثلاثة عن العمل.

وعن تفاصيل ما وقع، يروي مصدر مسؤول رفيع في وزارة الصحة لـ"تيلكيل عربي"، أن الراحلة شعرت بآلام المخاض يوم الأربعاء 18 شتنبر الجاري، ليقرر زوجها نقلها إلى المستشفى المحلي بالقصر الكبير من أجل الولادة، لكن حالتها المستعصية فرضت نقلها على وجه السرعة إلى المستشفى الإقليمي بالعرائش، قبل أن تفارق الحياة صبيحة يوم الخميس 19 شتنبر.

ويقول المصدر ذاته، نقلا عن نتائج التحقيق الذي فتحته وزارة الصحة: "مسؤولية الطبيب والمولدتين ثابتة ولا يمكن إنكارها"، لكن ماذا وقع بالضبط للسيدة؟ الجواب يوضح مصدر "تيلكيل عربي" هو أن "الطبيب لم يكلف نفسه عناء التنقل إلى المستشفى بعد ما تم الاتصال به، وإخباره بأن حالة السيدة لا يمكن أن تتكلف بها المولدتان، وعملية الوضع تستلزم تدخله. ظل الطبيب المولد يتابع الحالة عبر الهاتف فقط، بينما كان من المفروض أن ينتقل على عجل إلى المستشفى ويجري للسيدة عملية قيصرية، لقد أخطأ حين أجل عملية الوضع إلى صبيحة يوم الخميس".

وعن المبررات التي ساقها الطبيب المولد خلال التحقيق معه، قال مصدر "تيلكيل عربي"، إنه تحدث عن "قيامه بعملية قيصرية قبل وصول الراحلة إلى المستشفى، وأنه كان يشعر بالتعب ولا يمكن أن يتدخل في الحالة"، واعتبر المسؤول الرفيع في وزارة الصحة أن مبررات الطبيب "غير مقبولة".

وبخصوص المولدتين، نقل المصدر ذاته، أنهما تركتا السيدة لوحدها في الغرفة حيث وضعت، "لم تقم المولدتان بما هو مفروض، لقد تركتا الراحلة لوحدها دون عناية أو مراقبة، لتكتشف وفاتها صبيحة يوم الخميس".

مسؤولية من؟

منذ الأشهر الأخيرة للعام 2018 وعلى امتداد العام الجاري، تم تسجيل 56 حالة وفاة أمهات عند الولادة، وتم تقديم بشأنها شكايات كتابية أو عن طريق نشرها في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي، وعلى خلفية هذه الشكايات المباشرة أو المنشورة، قامت مصالح الوزارة بالتقصي بخصوصها والبحث حول ظروف وملابسات الوفاة، حسب المعطيات التي حصل عليها "تيل كيل عربي".

وتشير المعطيات ذاتها، إلى أن الأبحاث التي باشرتها وزارة الصحة بخصوص الـ56 حالة مسجلة خلال الفترة المذكورة، أثبتت مسؤولية 9 مهنيين في الوزارة، تم اتخاذ إجراءات إدارية وتأديبية في حقهم.

مصدر "تيلكيل عربي" الرفيع بوزارة الصحة أوضح أن "أسباب وفيات النساء الحوامل بسبب مسؤولية الأطر الصحية، تكون مرتبطة أساساً بالإهمال الطبي، أو التقصير في تقييم الوضع الصحي للحامل، أو التدخل المستعجل كما وقع في حالة السيدة الراحلة بالعرائش".

ويبرط المسؤول ذاته، هذه الأسباب بضعف الموارد البشرية في وزارة الصحة، ويشرح ذلك بالقول: "في المستشفيات من الصنف الثاني وهي المراكز الصحية التي توجد بالعالم القروي أو ضواحي المدن والتي تتوفر على دار للولادة، يجب أن نوفر لها على الأقل أربعة أطباء متخصصين في التوليد ومولدتين، يشتغلون بنظام المداومة، أي أن ثلاثة أطباء يتناوبون على ساعات العمل، وطبيب آخر يقوم بالمداومة للتدخل في الحالات المستعجلة".

لكن واقع الوضع الصحي في المغرب، وما توفر له من موارد بشرية، يضيف المسؤول ذاته، يفرض في عدد من المراكز الصحية،  "الاشتغال بطبيب واحد أو طبيبين، وتفرض على الأطر الصحية الاشتغال بنظام المداومة وإن لم يكونوا متواجدين بالمستشفى، أي أنه يتركون هواتفهم مشتغلة للرد على أي اتصال عاجل للتدخل في حالات الولادة خاصة المستعصية منها".

ويقدم مصدر "تيلكيل عربي" أسبابا أخرى مرتبطة بالرعاية الصحية للنساء الحوامل في المغرب، وتتمثل حسب ما قدمه من معطيات في "ضعف مراقبة الحمل ومعرفة النساء الحوامل خاصة في المناطق القروية والنائية بالأمراض التي يعانين منها، فضلا عن عدم القيام بفحوصات مبكرة لمعرفة مستوى ضغط الدم الذي يعد ارتفاعه خلال الوضع خطيرا على حياة الأم، بالإضافة إلى جهل الوضعية التي يوجد عليها الجنين داخل المشيمة، وهذه الأسباب تقود غالبا إلى وفاة الأم إما داخل المنزل خلال محاولة التوليد أو في الطريق إلى المستشفى أو داخله إذا وصلت وهي في حالة لا يمكن معها التدخل لإنقاذ حياتها وحياة الجنين".

وماذا عن البنى التحتية والوسائل اللوجسيتيكية التي يجب أن توفرها وزارة الصحة لتفادي وفاة النساء الحوامل؟

الجواب دائما على لسان المسؤول الرفيع في وزارة الصحة، وجاء فيه أن "هناك جهوداً لبناء وتجهيز المراكز الصحية والمشتفيات ودور الولادة في كافة مناطق المغرب، لكن هناك مسؤولية لا يمكن أن نتملص منها، مسؤولية توفير الموارد البشرية وأشدد على أنها إكراه حقيقي لدى الوزارة، كما يجب أن نقوي جانب التحسيس بمخاطر الحمل دون إجراء فحوصات دورية ودون مراقبة، فضلا عن تكثيف الجهود لحث النساء الحوامل على عدم تجريب الوضع داخل المنزل. هناك حالات كثيرة بعد التحقيق في ظروف الوفاة، تعترف الأسرة بأنهم حاولوا لساعات طويلة توليد السيدة بطرق تقليدية، وعندما تسوء حالتها يقررون نقلها إلى المستشفى وهنا قد تقع الكارثة".

ويشدد مصدر "تيلكيل عربي" على أن توفير البنى التحتية وسيارات الإسعاف مسؤولية مشتركة بين مجموعة من المتدخلين، بدء من الجماعات المحلية ووصلا إلى وزارة الصحة.

مسار البحث والتحقيق

في ما يخص مراقبة حالات وفيات الأمهات المصرح بها، تقوم وزارة الصحة، عن طريق مصالح الصحة العمومية بالجهات، بإجراء بحث يخص كل حالة وفاة لدى الأمهات في سن الانجاب من  خلال:

-التشريح الشفوي (autopsie verbale) ويهم كل حالة وفاة خارج مؤسسة صحية لكل امرأة في سن الانجاب للبحث حول ما إذا كانت الوفاة لها علاقة مع الحمل أو الولادة،

-التدقيق السري (audit confidentiel) في حالة وفاة نتيجة الحمل أو الولادة داخل مؤسسة استشفائية.

وبالنسبة للشكايات المتعلقة بهذه الوفيات، سواء منها الشكايات الواردة على مصالح الوزارة أو حالات وفيات الأمهات التي تثار في الصحافة أو وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الوزارة تقوم بعمليات البحث حول ملابسات وأسباب هذه الوفيات واتخاذ الإجراءات التأديبية في حق كل من ثبت في حقه تقصير أو إهمال.

ويتم التحقيق في الوفيات من قبل لجنة تضم مسؤولا عن مفتشية الوزارة وممثلاً للهيئة العليا للأطباء، هذه الأخيرة إذا ما ثبتت مسؤولية الأطر الصحية في الوزارة تجاه وفاة الحامل، تخبر بالقرارات الإدارية أو التأديبية التي سوف تتخذ في حقهم.

وبالنسبة للملفات التي يتجه المشتكون فيها إلى القضاء مباشرة، يكشف المسؤول الرفيع في وزارة الصحة، أن الأخيرة قررت إعلان فتح التحقيق ونشر نتائجه عكس ما كانت تقوم به في السابق، ويشرح ذلك بالقول: "في السابق كنا ننتظر صدور قرار المحكمة من منطلق مبدأ عدم التشويش على مسار القضية، وكان هناك تخوف من إدانة الأطر الطبية التي تشتكي من إدانتها ثلاث مرات، أي من طرف الوزارة ومن طرف المحكمة وخلال نشر نتائج التحقيق للرأي العام، لكن هذا المنطق أصبح متجاوزاً".

ويضيف في السياق ذاته: "الوزارة قررت بأن تباشر التحقيق وتعلنه في أي حالة وفاة للنساء الحوامل، وإذا توصلت لنتائج تفيد بشكل قاطع مسؤولية أطرها سوف تعاقبهم وتعلن ذلك للرأي العام، هذه حياة بشر يجب على من يتحمل مسؤولية الحفاظ عليها أن يتحمل عواقب التقصير كيف ما كانت".

تحدي 2030 

خلال السنوات الأخيرة وحسب آخر إحصائيات مفتشية وزارة الصحة التي حصل "تيلكيل عربي" عليه، يقدر عدد وفيات النساء سنويا لكل 100 ألف ولادة حية بـ72,6 حالة وفاة.

وتشير المعطيات ذاتها إلى أن معدل وفيات النساء الحوامل انخفض من 332 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية سنة 1992 إلى 227 لكل 100 ألف ولادة حية سنة 2004 ثم إلى 112 لكل 100 ألف ولادة حية سنة 2011 لتنخفض سنة 2017 إلى 72,6 حالة وفاة، وبالتالي فقد بلغت نسبة انخفاض معدل وفيات الأمهات ما بين 2011 و2017 نسبة 35 في المائة.

ومن خلال هذه المؤشرات ومقارنة مع أهداف التنمية المستدامة (الهدف 3)، التي حثت جميع الدول على تقليص نسبة الوفيات إلى أقل من 70 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، يتجه المغرب نحو الاقتراب من هذا الهدف منذ سنة 2017 أي 13 سنة قبل الأفق المحدد في أهداف التنمية المستدامة (2030). حسب ما ورد في احصائيات مفتشية وزارة الصحة.

ولضمان بلوغ التزامات المغرب تجاه صحة النساء الحوامل وأجنتهن، حسب برنامج وزارة الصحة ، فإن الأخيرة تعمل على "إرساء مجانية العلاجات الخاصة بالولادة الطبيعية والقيصرية ومضاعفات التوليد، ومجانية نقل الحالات الإستعجالية للنساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، خصوصا أثناء الولادة من دور الولادة إلى المستشفى المرجعي وعلاجات الأطفال حديثي الولادة".

كما التزمت الوزارة حسب المصدر ذاته، بـ"تتميم ترميم وبناء عدة مستشفيات، وشراء وتوزيع المعدات والتجهيزات الطبية الخاصة بمستشفيات الولادة، دور الولادة ومراكز مراقبة الحمل بالإضافة إلى تزويد جميع الأقاليم بالأدوية الأساسية ووسائل فحص النساء الحوامل، وتزويد دور الولادة بسيارات الإسعاف".

ولمواجهة الخصاص في الموارد البشرية، قررت وزارة الصحة "تعيين أطباء اختصاصيين في التوليد على صعيد العمالات والأقاليم مع إعطاء الألوية للعالم القروي، بالإضافة إلى إدماج قابلات في الوظيفة العمومية وتعيينهم بالأقاليم والعمالات".

وفي الجوانب المرتبطة بالتحسيس، خاصة وأن ضعفه في مجموعة من المناطق قد يؤدي إلى وقوع وفايات للنساء الحوامل، دشنت وزارة الصحة منذ فترة "قوافل عبر التراب المغربي للتحسيس حول الأمومة السليمة لتوعية السكان في إطار برنامج رعاية، كذا العمل مع القطاعات غير الصحية في مجال الأمومة السليمة، تكوين عدة أطر إقليمية بجمعية الاتحاد النسائي المغربي في مجال الأمومة السليمة والصحة الإنجابية".