أعرب وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، يوم أمس الثلاثاء، في الجلسة التشريعية العامة بمجلس النواب المخصصة للتصويت على مشروع قانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، عن انبهاره بعدد التعديلات التي اقترحتها الفرق النيابية بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، مبرزا أنها سجلت رقما قياسيا.
وقال وهبي إنه "تم، لأول مرة، في تاريخ هذا المجلس، تسجيل أكثر من 1160 تعديلا على نفس مشروع القانون المطروح للمناقشة"، موضحا أن فرق المعارضة لوحدها سجلت 794 تعديلا (الفريق الاتحاد الاشتراكي بـ593 تعديلا، الفريق الحركي بـ114 تعديلا، فريق التقدم والاشتراكية بـ87 تعديلا، المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بـ90 تعديلا، فريق الأغلبية والاتحاد الدستوري بـ238 تعديلا، النواب غير المنتسبين بـ39 تعديلا.
وسجل الوزير أن "الحكومة تفاعلت، إيجابيا، مع مجموع هذه التعديلات، وناقشتها الواحد تلو الآخر، وقبلت 256 تعديلا كليا، و65 تعديلا جزئيا، ولم تقبل الباقي".
وتابع وهبي أن "وزارة العدل حرصت على إعداده باعتماد منهجية تشاركية واسعة استقت، خلالها، آراء ووجهات نظر مجموع المتدخلين في الحقل القضائي، وعملت على ملاءمة مواده مع مقتضيات الوثيقة الدستورية، ومبادئ حقوق الإنسان، وعيا منها بأهمية تنزيل الالتزامات التي يفرضها الدستور، لاسيما فيما يتعلق بالجوانب المرتبطة بضمان الحريات والحقوق".
وأضاف المسؤول الحكومي أن "قانون المسطرة المدنية يجسد، في هذا المضمار، المدخل الأساسي لممارسة حق التقاضي أمام المحاكم، من أجل اقتضاء الحقوق، بما يستدعي تنظيم العلاقة بين المواطن والعدالة، لتحقيق الأمن القانوني للمواطنين أفرادا وجماعات".
واعتبر وهبي قانون المسطرة المدنية "من أهم الضمانات القضائية لحماية الحقوق والحريات، وتأهيل عمل المحاكم، لجعلها قريبة من احتياجاته وانتظاراته"، موضحا أنه "هو الشريعة العامة للقواعد المسطرية التي تطبق على كافة القضايا، باختلاف أنواعها، ما لم يوجد نص خاص يقضي بخلاف ذلك".
كما أبرز أن "هذا المشروع يشكل في أساسه تجسيدا للإرادة الملكية التي عبر عنها الملك محمد السادس، في خطابه التاريخي لـ20 غشت 2009، بمناسبة تخليد ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، في إطار توجيه الحكومة للشروع في تفعيل مشروع إصلاح القضاء في ستة مجالات ذات أسبقية"؛ حيث دعا عاهل البلاد إلى "الرفع من النجاعة القضائية، للتصدي لما يعانيه المتقاضون من هشاشة وتعقيد وبطء العدالة، وهذا ما يقتضي تبسيط وشفافية المساطر، والرفع من جودة الأحكام والخدمات القضائية، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتسريع وتيرة معالجة الملفات، وتنفيذ الأحكام".
وأضاف الوزير أن "المشروع تضمن تنزيلا لتوصيات ميثاق إصلاح العدالة، التي تستهدف فعالية منظومة العدالة وقربها من المتقاضين وتسهيل الولوج إليها، وتوصيات النموذج التنموي الجديد، ولاسيما تلك التي تؤكد على أهمية تحسين أداء المحاكم، والتقليص من بطء العدالة، وتسريع وتيرتها من محكمة تقليدية إلى محكمة إلكترونية، وتحسين آليات التنسيق بين الفاعلين والمتدخلين في منظومة العدالة".
وسجل وهبي أن "المشروع الجديد تضمن مجموعة من المستجدات التشريعية، في إطار قانون جديد متكامل ومندمج، ينسخ قانون المسطرة المدنية الحالي، ويسد الفراغات التي أفرزها الواقع، ويواكب التطور التشريعي الإجرائي الدولي، والتوجهات التي تضمنتها القواعد المعيارية، ويتلاءم مع مبادئ حقوق الإنسان، وفق ما هو مقرر في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية، لاسيما في البنود المتصلة بالعدالة، وحقوق الإنسان عموما؛ كالمساواة، وحق الدفاع، وصدور الأحكام داخل أجل معقول، والمساعدة القضائية، ومجانية التقاضي، ومبدأ عدم التمييز،...، وغيرها من المبادئ المستقر عليها دوليا، في الإعلانات الأممية، والاتفاقيات الدولية، والتوصيات، والتعليقات العامة، وكذا القرارات الصادر عن أجهزة الأمم المتحدة وآلياتها المعنية، باعتبارها المرجع المعياري الأممي المتوافق عليه من طرف المجتمع الدولي، وذلك في إطار الحرص على أن تكون مقتضيات المشروع متلائمة مع الحقوق التي يكفلها الدستور، ومع الالتزامات الدولية للمملكة المغربية، باعتبارها عضوا نشيطا وفعالا في منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان".
وأشار المسؤول الحكومي إلى أن "المسار التشريعي لمشروع هذا القانون عرف عدة مراحل؛ بحيث أنه أحيل بتاريخ 31 يناير 2022، على الأمانة العامة للحكومة، من أجل عرضه على مسطرة المصادقة التشريعية، وعرف خلالها عقد حوالي 31 اجتماعا وقعت مناقشته، بجدية وعمق، ليحال، بعد ذلك، على ثلاث مجالس للحكومة: الأول بتاريخ 23 فبراير 2023، والثاني في 20 يوليوز 2023، والثالث بتاريخ 24 غشت 2023".
وتابع أنه "بعد المصادقة عليه في المجلس الحكومي الثالث، أحيل إلى البرلمان، بتاريخ 09 غشت 2023، وتم تقديمه أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، والتي عقدت بشأنه سبعة عشر (17) اجتماعا، خصصت للمناقشة التفصيلية لكل مادة على حدى. وبتاريخ 19 يوليوز 2024، تم التصويت، بالإجماع، على مشروع هذا القانون، من طرف لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، في مناقشة دامت ما يناهز 15 ساعة، داخل مجلس النواب، ناقش خلالها أعضاء اللجنة مجموع التعديلات المقترحة، بكل مسؤولية ومهنية".
وأوضح وهبي أن التعديلات المدرجة في مشروع هذا القانون، والتي مست مجموعة من المواد، تهدف إلى تحقيق عدد من الأهداف؛ أهمها "إرساء قواعد الاختصاص النوعي على مبدأي وحدة القضاء والتخصص، من خلال ملاءمة قواعد الاختصاص النوعي مع القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، ودمج جميع الأحكام والنصوص القانونية الخاصة بكل من القضاء الإداري والقضاء التجاري وقضاء القرب، بالإضافة إلى نسخ المقتضيات المتعلقة بالغرف الاستئنافية بالمحاكم الابتدائية، تبعا لكونها حذفت بمقتضى قانون التنظيم القضائي"، و"تعزيز دور القضاء في ضمان حسن سير العدالة، والارتقاء بمستوى أدائها، من خلال تبسيط المساطر والإجراءات القضائية، وتيسير سبل الولوج إلى العدالة، وكفالة اللجوء إلى القضاء، وفق أحكام الدستور، بشكل فعال، ومُجابهة التقاضي الكيدي من أطراف الدعوى، وتقليص الآجال، وترشيد الطعون وعقلنتها، لاعتبارات تتعلق بالعدالة وتوسيع مجال الإعفاء من الرسوم القضائية وإلغاء مسطرة القيم، وبتوظيف قاعدة البيانات المتعلقة بعناوين سكنى المتقاضين، المضمنة بالبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية، عند تعذر التوصل في العنوان المدلى به، وتنظيم آلية التصدي بمحكمة النقض بعدما كان قد تراجع عن ذلك في القانون الساري النفاذ".
كما تهدف، وفق نفس المصدر، إلى "إدماج التقاضي الإلكتروني ورقمنة الإجراءات القضائية المدنية، من خلال تسخير وسائل التواصل الإلكتروني في الإجراءات القضائية المدنية، وإحداث مجموعة من المنصات الإلكترونية تهم المحامين، والمفوضين القضائيين، والخبراء القضائيين، والعدول، والموثقين، والتراجمة المحلفين المقبولين أمام المحاكم، واعتماد الحساب والبريد والعنوان والتوقيع الإلكتروني، بالإضافة إلى استخدام الوسائل الإلكترونية في عمليات البيع بالمزاد العلني، وإجراءات التبليغ والإشهار، معتمدا بذلك الإدارة الإلكترونية كخيار إستراتيجي لتقريب القضاء من المتقاضين"، و"ضمان الحماية القانونية الكاملة لحقوق المتقاضين وتحقيق النجاعة، والارتقاء بمستوى الخدمات القضائية، من خلال إعطاء القاضي دورا إيجابيا في تدبير سير الدعوى، وتعزيز صلاحياته تسهيلا لمهمة الفصل، وذلك فيما يتعلق بإنذار الأطراف بتصحيح المسطرة واستكمال البيانات الناقصة، والإدلاء بالوثائق اللازمة من أجل الحد من أحكام عدم القبول، باعتبار أن القاضي هو المسؤول على مباشرة ومراقبة الإجراءات القضائية للدعوى التي يتولى البت فيها، واتخاذ كل التدابير القانونية لتجنب الهدر الإجرائي واختصار الزمن القضائي، وذلك انسجاما مع صلاحياته الدستورية في تولي حماية حقوق الأشخاص والجماعات، وحرياتهم، وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون، تطبيقا للفصل 117 من الدستور".
ومن بين الأهداف أيضا، حسب وهبي، "تقوية حق الدفاع؛ ذلك أن المشروع أكد على دور المحامي على مستوى تمثيل الأطراف أمام القضاء، حتى في حالة الدعاوى التي تطبق فيها المسطرة الشفوية، فقوى من ضمانات الدفاع ومركز المحامي في الدعوى المدنية، فأصبح صلة وصل بين القضاء والمتقاضي؛ بحيث اعتبر أن إجراءات التحقيق من خبرة، ومعاينة، وأداء اليمين، لا تتم، بشكل قانوني، إلا بحضور المحامي، أو بعد استدعائه، بصفة قانونية، كما أنه، وإن اعتبر مكتب المحامي موطنا للمخابرة معه، وتبلغ إليه الإجراءات القضائية المتخذة من طرف المحكمة، إلا أنه استثنى تلك التي تستلزم تحملات مالية، إلا في حالة وجود اتفاق كتابي بين المحامي والمتقاضي"، و"إعادة النظر في مسطرة البت في الدفع بعدم الاختصاص النوعي وتحديد آجاله، من خلال التنصيص على إمكانية إثارة هذا الدفع في جميع مراحل الدعوى أمام محاكم أول درجة، ابتدائية كانت، أو تجارية، أو إدارية، أو أقساما متخصصة في القضاء التجاري أو الإداري بالمحاكم الابتدائية، مع التنصيص على وجوب بت المحكمة في الدفع المثار داخل أجل ثمانية (8) أيام، بحكم مستقل لا يقبل أي طعن. وإذا قضت بعدم اختصاصها النوعي، أحالت القضية دون صائر، وعلى المحكمة المحالة إليها القضية البت فيها، مع عدم جواز إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي، لأول مرة، أمام محاكم ثاني درجة، إلا بالنسبة للأحكام الغيابية، ولا تقبل إثارته أمام محكمة النقض"، فضلا عن "الفعالية والنجاعة في تنفيذ المقررات القضائية، بإحداث مؤسسة قاضي التنفيذ، وتحديد اختصاصاته والمسطرة المتبعة أمامه؛ بحيث منحه اختصاصات الإشراف على إجراءات التنفيذ، وتتبع طلبات تنفيذ الأحكام، والبت في الصعوبات المادية والوقتية المثارة بشأن بالتنفيذ"، و"تنظيم الاختصاص الدولي، اعتبارا للفراغ التشريعي الذي يعرفه قانون المسطرة المدنية في هذا المجال؛ حيت تم تنظيمه وتحديد نطاق ومجالات تطبيقه، وذلك استنادا إلى قواعد القانون الدولي الخاص، وإلى ما تواتر عليه الاجتهاد القضائي في هذا الموضوع"، بالإضافة إلى "عمل المشروع على تنظيم مسطرة الصلح أمام المحكمة الابتدائية - فضلا عن ما هو منظم في المساطر الخاصة بقضايا القرب والأحوال الشخصية والاجتماعية - بقصد حسم النزاع، بصفة نهائية، أمام المحكمة الابتدائية؛ بحيث خول للمحكمة إمكانية عرض الصلح على الأطراف، ولها أن تسند إجراءه إلى من تراه مؤهل لذلك من محامين، أو مساعدين اجتماعيين، أو غيرهم. كما نظم مسطرة الوساطة؛ إذ منح المحكمة إمكانية دعوة الأطراف لسلوكها، لإنهاء النزاع، وإعطائهم أجلا معقولا للإدلاء بنتيجتها"، و"إعادة تنظيم مجال تدخل النيابة العامة في الدعوى المدنية باعتبارها وكيلة المجتمع؛ إذ حدد المشروع الجديد، بشكل موسع، القضايا التي تكون فيها طرفا أصليا، خلافا لما عليه الأمر في القانون الحالي، والقضايا التي تتدخل فيها كطرف منظم، من أجل إبداء الرأي القانوني واجب اتباعه. وبين الدعاوى التي يجب أن تبلغ إليها لتقديم مستنتجاتها، سواء الكتابية، أو الشفوية. وقد أجاز المشروع للنيابة العامة لدى محاكم الموضوع، سواء كانت طرفا في الدعوى، أم لا، حق الطعن من أجل التصريح ببطلان الحكم المخالف للنظام العام، دون التقييد بآجال الطعن".
و"ترجع الصيغة الأصلية لهذا المشروع، الذي ينسخ قانون المسطرة المدنية الساري النفاذ، إلى سنة 1913؛ حيث مر بعدة محطات، عرف خلالها مجموعة من التغييرات؛ من أهمها محطة التعريب والتوحيد والمغربة لسنة 1965، ومحطتا الإصلاح اللتان ترجعان إلى سنتي 1974 و2011، ثم تعديلات سنتي 2019 و2021، تلك التعديلات التي أصبحت متجاوزة بالنظر إلى التغيرات الهيكلية والجوهرية التي عرفها مرفق القضاء والعدالة ببلادنا، بعد دستور 2011؛ بحيث أصبح من الضروري فتح ورش مراجعة قانون المسطرة المدنية، وفق معطيات دستورية وتشريعية لم تكن قائمة من ذي قبل"، حسب وزير العدل.