32 بالمائة هي نسبة الأمية في صفوف المغاربة التي أقرها الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة2014، بمعدل 8.6 مليون مواطن بعد أن انخفض العدد ب18.7 بالمائة مقارنة مع سنة 2004 التي عرفت 10.2 مليون أمي مغربي، فرغم أن قضية محاربة الأمية أصبحت تستأثر بتتبع كبير توج بإحداث وكالة وطنية لمحاربة الأمية سنة 2013، إلا أن القضاء على الأمية في المغرب مازال حلما بعيد المنال.
المناظرة الوطنية حول محاربة الأمية التي عقدت في 13 من الشهر الجاري، بحضور 500 مشارك، وضعت ضمن أهدافها تقليص نسبة الأمية في المغرب إلى 20 بالمائة في حدود سنة 2021، ثم إلى 10 بالمائة في أفق 2026. أرقام تبدو للمتتبعين متفائلة،أو متفائلة جدا .
20 بالمائة في أفق 2010
الأرقام التي قدمتها الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية ليست بالجديدة في رؤى البلاد. فقبل تأسيس الوكالة، اعتبرت وزارة التربية الوطنية في تصورها للتربية غير النظامية ومحاربة الأمية، خفض نسبة الأمية إلى 20 بالمائة فقط في أفق 2010 إلزاما اجتماعيا للدولة، بعد أن سجلت في سنة 2004 أن عشرة ملايين من المغاربة غارقون في الأمية.
ووضعت الوزارة أرقاما وأهدافا كبيرة من أجل تعليم العاملات والعمال الأميين بقطاعات الإنتاج، وفئة الشباب البالغين أقل من 20 سنة من العمر، والذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة. مسخرة مختلف الإمكانيات المتوافرة من مدارس ومراكز ومعاهد، إضافة إلى وضع كتب ملائمة.
من جهة أخرى جرى تكوين المكونين من طرف الوزارة في مجال البيداغوجية الوظيفية لمحو الأمية. كما وجهت التلفزة المدرسية جزءا من برامجها لمحاربة الأمية وللتربية غير النظامية، وذلك ببرمجة دروس وتداريب تكميلية يعتمد عليها المدرسون والمكونون في تلقين دروسهم. لكن إحصاء سنة 2014، الذي قامت به المندوبية السامية للتخطيط أثبت بالملموس محدودية هذه الرؤى والاستراتيجيات، حيث سجل نسبة مرتفعة للأمية في صفوف المغاربة بلغت 32 بالمائة، بعد أن وعدت الوزارة بتحقيق نسبة 20 بالمائة في أفق سنة 2010.
أرقام المندوبية السامية للتخطيط
سجلت أحدث الإحصائيات، التي أعدتها المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة الأمية في صفوف السكان المغاربة انخفاضا ناهز الثلثين على مدى نصف قرن (54 عاما)، حيث انتقلت من تسعة أشخاص من كل عشرة سنة 1960 إلى ثلاثة أشخاص من كل عشرة سنة 2014، بعد أن كانت في تشمل ستة من كل عشرة أشخاص سنة 1982 وأربعة من كل عشرة أشخاص سنة إلى حدود سنة 2004.
عمل توج بحصول المغرب على اعتراف دولي وأممي في مجال محاربة الأمية، حيث حاز في سنة 2012 على جائزة (كونفوشيوس) لمحو الأمية التي تمنحها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، لكن وعلى الرغم من هذا التقدم تبقى نسبة الأمية، حسب نفس إحصائيات مندوبية التخطيط مرتفعة بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 50 عاما فما فوق لاسيما بين النساء، حيث أن هذه النسبة، التي ناهزت 87 بالمائة سنة 1994، تقدر حتى حدود 2014 بـ 61 بالمائة، ما يشكل تحديا حقيقيا من أجل تدارك معدل الأمية في صفوف هذه الشريحة التي تشكل في الغالب أباء وأمهات الأجيال الناشئة.
وزارة الأوقاف شريك أساسي
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كانت بوابة الدولة الأولى من أجل محاربة الأمية، فأغلب محاولات إيقاف هذا الشبح المخيف تمت من داخل المساجد، فمن سنة 2000 إلى حدود سنة 2017، استفاد أزيد من 2353866 مواطن من دروس محو الأمية تمكن 1927215 منهم من النجاح في الامتحانات، بعد أن وفرت لهم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 3430 مسجدا للدراسة في القرى المغربية و3430 مسجدا في المجال الحضري سنة 2017 وتجاوزها لإشكالية الانطلاقة في بداية الألفية الجديدة التي كانت باهتة حيث لم تتمكن الوزارة من توفير أي مسجد في العالم القروي واكتفت ب100 مسجد في المجال الحضري.
وتمكنت الوزارة من توفير 6617 من المؤطرات و853 من المؤطرين بعدما عرفت بداية باهتة ب59 مؤطرة و141 مؤطرا فقط، إضافة إلى انفتاحها على التواصل مع المواطنين من خلال وسائل الإعلام وقناة محمد السادس للقران بعد إطلاق الملك لمبادرة التعلم عبر التلفزيون في أبريل 2014.
أرقام 2016 – 2017
قدمت الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية لـ" تيل كيل – عربي"، حصيلة اشتغالها سنة 2016-2017، حيث أوضحت الأرقام الصادرة عنها استفادة 38 بالمائة من السكان بين 35 و49 سنة من أنشطة الوكالة، وتوزع المستفيدون، على مستوى المجال بين 48 بالمائة في المدار الحضري، و52 بالمائة بالقرى المغربية، مع طفرة كبيرة للمستفيدات من النساء، حيث بلغت نسبتهن 92 بالمائة، في حين لم تتجاوز نسبة المستفيدين من الذكور 8 بالمائة.
وتصدرت جهة درعة – تافيلالت قائمة الجهات، بمعدل 123 ألف مستفيد، وتليها جهة سوس ماسة ب112 ألف مستفيد، و103 ألف بجهة فاس مكناس، فيما سجلت أقل نسب الاستفادة بالأقاليم الجنوبية ب1497 مستفيد بجهة الداخلة وادي الذهب، و11 ألف بجهة العيون الساقية الحمراء.
المجلس الأعلى للتعليم ينبه
أشار المجلس الأعلى للتعليم، في رأي له حول "واقع برامج التربية غير النظامية ومحاربة الأمية وآفاقها"، إلى أن معاينته لواقع محاربة الأمية بالمغرب، أوضحت بالملموس عددا من الإشكالات تعيق تقدم البرامج على رأسها الحكامة، حيث أكد الرأي غياب استقرار مؤسساتي نتج عنه تأرجح للآلية التدبيرية والتنظيمية لبرامج التربية غير النظامية ومحاربة الأمية، مما أدى إلى تعدد وتعاقب الاستراتيجيات دون أن يكون هذا التغيير مبنيا على تقويم موضوعي ومنظم.
وأضاف الرأي المنشور سنة 2009، إلى تداخل في المسؤوليات والاختصاصات في تدبير البرامج، مع ضعف كبير للهياكل الجهوية والإقليمية وضعف تدبير القرب القائم على الملائمة مع خصوصيات كل منطقة. وسجل الرأي الافتقار إلى أطر تكوين وتعليم ذات تأهيل خاص وكفايات ملائمة لخصوصية الفئة المستهدفة، إضافة إلى موسمية الاشتغال ما يجعل الأثر محدودا في تحفيز المعنيين ودفعهم إلى الإقبال والمواظبة.
لا قضاء على الأمية بدون إرادة سياسية
إسماعيل العلوي، رئيس اللجنة الإستراتيجية والاستثمار ومنسق اللجنة العلمية بالوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، أشار إلى إنه بناء على تجربته الطويلة في ميدان محاربة الأمية، فإنه يتحفظ على الأرقام التي قدمتها الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية بخصوص تقليص نسبة الأمية بالمغرب إلى 10 بالمائة في أفق سنة 2026، على اعتبار أن الكثير من التقارير والوثائق الصادرة عن مختلف الوزارات والهيئات كانت تقول إننا سنقضي على الأمية سنة 2015، لكن آخر الإحصاءات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، تبين بالملموس أن التجارب السابقة لم تأت أكلها.
وأضاف العلوي، في تصريح لـ"تيل كيل – عربي"، أن حل مشكلة الأمية رهين بتوفر إرادة سياسية حقيقية من أجل القطع مع المشكل، وتجاوز كل ما تخبطت فيه المبادرات السابقة من مشاكل، قبل أن يختم كلامه بالقول " انطلاقا مما أعاينه في المشهد السياسي المغربي، يصعب جدا أن أجزم في وجود إرادة سياسية من عدمها".