يعتبر الباحث الأنتروبولوجي أن الجانب الإيجابي في الوضع الحالي "هو التأثير من حيث العلمانية واللائكية، أما من حيث الاقتصاد مثلا فلا أرى ماذا يمكن أن يتغير. ولكن من الأشياء التي أثرت فيّ، مثلا، إغلاق المساجد رغم أنه كان للضرورة ولكنه شيء أساسي. بحكم أن المجتمع المغربي منفتح وفيه نوع من ما أسميه بـ'الشعور العلماني الكامن'، فهو موجود في المعيش اليومي حتى وإن لم يتحدث عنه أحد، فهو لا يقول 'أنا علماني' ولكنه في واقعه يفعل أشياء تسير في هذا الاتجاه".
وأوضح الناجي أنه "إذا أخذنا الأمر من الزاوية الخاصة للحداثة، وصول 'كوفيد19' ليس له فقط آثار سلبية في المغرب. فمنذ إقرار الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية ليست المساجد فارغة، بل مغلقة بالقوة. فما معنى هذا؟ وهل يحمل هذا 'التعليق للزمن الديني'، مهما كان مؤقتا، مشروعا كامنا لمجتمع علماني؟".
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة، يذكر الناجي أنه "قبل القرن العشرين عرف المغرب مجاعات وجائحات صعبة وسمت البلاد والعقليات. والناس الذين كانوا يعانون المرض والجوع، وكثير منهم فقدوا أرواحهم، كانوا لايجدون، في غياب الطب وفي ظل الضعف الكبير للدولة، إلا الدعاء وهم يجثون على ركبهم. كانت الأضرحة تنتشر على طول البلاد والأولياء كانوا 'يتوسطون' لدى الخالق لينقذ الناس والأرواح في يوم الحساب. وظلت هذه الثقافة راسخة، بحيث يتم اللجوء في سنوات الجفاف إلى صلاة الاستسقاء تحت قيادة أمير المؤمنين الملك. ولتبقى الصلاة مسلكا لتدبير المجتمع في مواجهة الأزمات التي تعصف به وليست فقط بحثا عن السلام في الممارسة الإيمانية".
وخارج الأزمات، أوضح أن "الصلاة تبقى عنصرا أساسا للرابط الاجتماعي، فهي فضاء للقاء والقرب والمشاركة والتنظيم، والمسجد يجمع المؤمنين كيفما كان مستواهم المادي، فهو يقنعهم بأنهم متساوون في الإيمان، ويقوم بدور مخفف للصدمات الاجتماعية أفقيا وعموديا، فهو نقطة توحيد للمجال والمجتمع. لكل حي مسجده، والمدينة تتوفر على عدة مساجد لجمع المؤمنين، وخصوصا أيام الجمعة والأعياد الدينية حيث يجتمعون بكثافة".
وأضاف أن "المسجد هو فضاء لممارسة السلطة بامتياز وتوطيد علاقتها بالمجتمع. والخطبة تمتدح منجزات أمير المؤمنين، فالمسجد، بهذا المعنى، فضاء للبيعة المستمرة، حيث تتأكد الطبيعة الإلهية للملكية. والمسجد هو فضاء مراقب حتى لا يستعمله الإسلاميون بنشر خطابهم وعدم تجييش المؤمنين ضد السلطة. لذلك يتم تدبيره بحذر. والمسجد هو بيت الله، ودوره أن يكون مفتوحا، لا مغلقا، وخصوصا في اللحظات الصعبة".
وها قد جاء "كوفيد 19"، يقول المتحدث، "وقرر النظام إغلاق المساجد ومنع صلاة الجماعة، كما في دول إسلامية أخرى. وهذا الإغلاق لم يثر جدلا في المغرب، حيث كانت هناك 'مقاومة سلبية'، حيث تجمع بعض المصلين أمام المساجد المغلقة ليؤدوا الصلاة خارجها، لكن السلطة تدخلت بسرعة لوضع حد لذلك، ثم جاءت إدانة سلفي معروف وتجمعات ليلية للدعاء لإنقاذ البلاد، لكن الأمور وقفت عند هذا الحد وتم قبول القرار من طرف أغلبية الساكنة التي فهمت فائدته لمواجهة الوباء".
وشدد على أن "قرار إغلاق المساجد لا يمكن اختزاله في الحماية من الفيروس رغم أن هذا هو السبب، بل هو اعتراف بشكل غير مباشر بأن الشأن الديني لم يعد وسيلة ملائمة لمحاربة الظواهر التي قد تكون لها أسباب أخرى غير غضب الله والعقاب الذي يستبعه. والخطر الذي يمثله 'كورونا'، خصوصا على الاقتصاد الوطني وعلى الشغل جعل الشأن الديني يتحول إلى درجة ثانية، بعد الشأن الاقتصادي. واللجوء إلى الفتوى لتبرير إغلاق المساجد لم يكن إلا شكليا، فالسياسي هو الذي قرر بالفعل رغم الإحالة على الجانب الديني لتأكيد حضوره في كل ما يتعلق بفضاءات وطقوس المقدس. وقد لعبت المدرسة دورا هاما في هذا التحول"، بحسب الناجي.