نشر موقع جريدة ''لُومُونْدْ'' الفرنسية مقالاً تحليليا، يطرح فيه 5 أسئلة ويجيب عنها، من أجل فهم تفاصيل قضية سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبناني المستقيل.
يتوقع أن يصل سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل، والذي يعتبر اللبنانيون أنه محتجز في السعودية، إلى باريس، حسب قصر "الإليزيه" (الرئاسة الفرنسية)، قادما من السعودية، وقد يحدث ذلك قبل غد (السبت).
ويريد إمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، بتلك الدعوة أن يكرس نفسه وسيطا في الأزمة اللبنانية المفتوحة بعد الاستقالة المفاجئة لسعد الحريري، في 4 نونبر الجاري، والتي يرجح أن الذي فرضها، هو الرجل القوي الجديد في السعودية، محمد بن سلمان، ولي العهد.
وفي وقت لن يعود فيه الحريري إلى بيروت مباشرة، تأمل باريس، على الأقل، تخفيف حدة التوترات في هذه الأزمة، التي تبدو أنها لن تنتهي.
1 - ماهي خلفيات مبادرة باريس؟
''بعد محادثاتي مع محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وسعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، قررت دعوة هذا الأخير وعائلته، لقضاء بضعة أيام في فرنسا''، كانت هذه توضيحات إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، في مدينة بون الألمانية، في 15 نونبر الجاري.
وجاءَ هذا التصريح على هامش مؤتمر منظمة الأمم المتحدة الخاص بالمناخ. وذكر ماكرون أنه يتمنى أن يعم السلام في لبنان، وأن تستقر الأحوال هناك، لأنه معني بمسألة الاستقرار، وتحقيق الوحدة الترابية للبلاد.
وقبل ذهابهِ إلى الهند، توقف جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، مساء الأربعاء بالرياض، لتناول العشاء مع محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، والتقى، بعد ذلك، بسعد الحريري، من أجل مناقشة حيثيات انتقاله المؤقت إلى العاصمة الفرنسية باريس. وكان الهدف من ذلك هو الخروج من النفق المسدود.
واتهم مِيشَالْ عَوْنْ، الرئيس اللبناني، السلطات السعودية باحتجاز رئيس الحكومة اللبناني المستقيل، بحيث ورد في بلاغ صدر، سابقاً، عن الرئاسة اللبنانية ''لا نقبل أن يبقى محتجزا، لسبب نجهلهُ''، مؤكدا أن هذا الأمر يمس استقلالية وشرف لبنان.
ويرفض عون الموافقة على استقالة الحريري، طالما لم يعد بعدُ على بيروت، ويبرر أسباب اتخاذه لهذا القرار.
وفي ما يخص اللقاء الذي جمع بين محمد بن سلمان وماكرون، ليلتي 9 و10 نونبر، فقد طُبِعَ بالتفاهم.
وقال قصر الْإِيلِيزِيهْ إنه ضد كل التدخلات غير المشروعة، وأنه يجب الحفاظ على التعايش اللبناني، إضافة إلى أنه يجب على كل جهة أن تتعامل بمسؤولية في ظل فترة التوتر.
2 - لماذا لا يذهب الحريري مباشرة إلى بيروت؟
كان المهم هو إنقاذ صورةِ السلطات السعودية. وفور استقالته قال الحريري إنه كان يريد محاربة تسلط إيران على لبنان، وأيضا سياسة هدم استقرار المنطقة التي تنهجُهَا إيران وحليفها اللبناني حزب الله، وألقي هذا الخطاب السردي بدا أن السلطات السعودية، هي التي أملته عليه، هي التي تعتبر أن الحريري متسَاهِلٌ مع حزب الله، الذي يعتبر أحد ركائز حكومتهِ.
وجوعهُ المباشر إلى بيروت، حتى لو كان ذلك من أجل تسليم استقالته بشكل رسمي إلى ميشال عون، الرئيس اللبناني، كما ينص على ذلك الدستور، سيشكل إحراجا كبيرا بالنسبة إلى السعودية.
وإذا كانت فرنسا تريد التحدث إلى العالم أجمع عموما، وإلى الشرق الأوسط بشكل خاصٍّ، فإن هذا الأمر أصبح صعباً، نظرا لتصاعد المشاكل بين الرياض وطهران. كمَا أن محاولة إحياء العلاقات تتدهور، في الوقت الذي ينوي فيه الرئيس الفرنسي الذهاب إلى طهران، من أجل تسوية الوضع القائم حول النووي الإيراني، الذي يعتبر موضوع جدل بالنسبة لواشنطن.
وقد تمَّ تأجيل الزيارة التي كان سيقوم بها جان إيف لودريان إلى العاصمة الإيرانية طهران، الذي اعتبر أن الحوار أمر لابد منه، لكي تزدادَ فرص التفاهم، خصوصاً في مثل هذه الظروف.
3 - كيف هي ردود فعل الطبقة السياسية اللبنانية؟
أغلب ردود الفعل إيجابية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل طرفٍ كان له تأويل يلائم مصالحهُ. والصحيفة اليومية "الأخبار"، التابعة للمعسكر المتعاطف مع إيران وحزب الله، نشرت في صفحتها الأولى ''السعوديون خسروا''، وسخرت من "حماقات" محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي. كما هَنَّأَ محمد بلّوط، مراسل "الأخبار" في باريس، ميشال عون، الرئيس اللبناني، ونظيره الفرنسي إمانويل ماكرون، على "تحرير الحريري"، مذكرا بالصرامة التي تَعَامل بها ميشال عون، الرئيس اللبناني، الذي استنكر، في 15 نونبر، الاعتداء السعودي على سعد الحريري وسجنه، وإشارته إلى إمكانية مطالبة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالتدخل.
وإذا كانت الطريقة المذلة التي تعامل بها القادة السعوديون، قد جعلت من الحريري، بين عشية وضحاها، بطل الشارع اللبناني، فإن عون، الذي رفض استقالة الحريري، استفاد، كذلك، من هذا القرار، بحيث ارتفعت نسبة شعبيته، بحيث قال علي مراد، أستاذٌ يدرس القانون العام في الجامعة العربية في بيروت، إن عون من خلال عرقلته للمخطط السعودي، أصبح بمثابة أبِ الأمة.
ومن جهة أخرى، حَيَّت جريدة "النَّهار"، الموالية للسعودية، والتابعة لمعسكر 14 مارس، الذي يوجد على رأسه الحريري، الوساطة الفرنسية في المسألة، لكنها انتقدت نزوع ميشال عون، نحو التصعيد. أما اليومية الفرنسية ''لُرْيُونْ لُوجُورْ''، فقد وصفت الرئيس الفرنسي بـ ''البطل الخارق''، الذي تمكن من إيجاد صيغة سحرية، سمحت لهُ بحل الأزمة بأقل الخسائر.
4 -هل مايزال هناك مستقبلا سياسيٌّ للحريري؟
أكَّد ماكرون أن إرسال الحريري إلى فرنسا، لا يعدُّ بمثابة نفي لهُ. كمَا قال إن زعيم تيار المستقبل يمكن أن يعود إلى بيروت، لكي يقوم بتقديم استقالته، إذا كان هذا، فعلا، قرارهُ، ولكن قدرة الحريري على استغلال موجة التعاطف معهُ، لكي يرجع إلى الساحة السياسية، أمر لا يرجع إليه لوحده فقط. ولاحظت مها يحيي، مديرة مركز التحليل ''كَارْنِيجِي'' في بيروت، أن ''السعوديّين لديهم مشكل مع الحريري، ونحن لا نعرف ما هي نتيجة الاتفاق الذي أبْرَموه مع ماكرون".
وفي الوقت الحاضر، فإنه من الصعب تخيل أن يعطي ولي العهد السعودي فرصةً أخرى للحريري،. كمَا أنه بدون دعمٍ من الرياض، فإن الحريري بإمكانه العودةُ إلى اللعبة السياسية اللبنانية، ولكنه سيلعب أدوارا ثانوية.
ولاحظ علي مراد، أن سعد الحريري كان يتمتعُ بمكانة خاصَّةٍ ومهمة في الساحة الدولية، نظرا لأنه كان يعتبر رجل السعوديين، ولكن الطابع غير المتوقع للإدارة السعودية يترك كل الفرضيات محتملة.
وترى مها يحيى، أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن يرجع الحريري إلى بيروت، ويقدم استقالته، ثم يتم تَعْيِينُهُ لتشكيل حكومة جديدة، لكنه لن يقدر على القيام بهذا الأمر، وسيشغل منصب وزير أول لبناني مؤقت إلى حين حلول موعد الانتخابات المقبلة في الربيع.
5 - أي أفق للمواجهة بين السعودية وإيران؟
المرحلة المقبلة هي عقد اجتماعٍ طارئ لوزراء خارجية جامعة الدول العربية، الأحد المقبل بالقاهرة المصرية. والسعودية هي من طلبت تنظيم هذا الاجتماعِ، بعدما تعرضت لإطلاق صاروخٍ "بَالِيسْتِيٍّ"، في 4 نونبر، من قبل الحوتيّين، الثوار اليمنيين الموالين لإيران.
والسلطة السعودية تريدُ استغلال هذا الاجتماع، من أجل التنديد بتدخل طهران في شؤون الدول العربية. واللهجة التي سيكتب بها البيان النهائي، وعدد الدول التي ستختارُ أن تؤيدهُ، سيعطي فكرةً عن نوايا محمد بن سلمان آل سعود، وعن الدعم الذي يستفيد منه هذا الأمير المُغَامر في المنطقة.