لا شك أنه أحد أهم وأشهر الكتاب المغاربة، لكن العديد من كنوزه لم يتم اكتشافها بعد.
قبل عشر سنوات غادرنا إدريس الشرايبي (1929-2007). وإعادة إصدار رواياته في نسخ للجيب في السنوات الأخيرة، منح الفرصة للشباب للتعرف أو إعادة اكتشاف أحد أهم الكتاب المغاربة الناطقين بالفرنسية. ورغم أن كتبه تدرس اليوم حول العالم، إلا أن العديد من صفحات شخصيته وعمله لا تزال مجهولة. بمناسبة أول مؤتمر مخصص للكاتب، الذي نظم من 11 إلى 13 أبريل، بالدار البيضاء. تكشف لكم Telquel خمسة أشياء لا تعرفونها عن إدريس الشرايبي.
-
كان يحلم باحتراف الموسيقى
الموسيقى تثير شغفه بكل ألوانها. من العربية الأندلسية، إلى الإيقاعات الكناوية، مرورا بأغاني الأطلس، أو صوت اسمهان الذي شكل طفولته. وتحكي لنا أرملته شينا، أن: "الشرايبي اكتشف الموسيقى الكلاسيكية بباريس، ومن جهتي قمت بتعريفه بالموسيقى السلتية.. وكان يحلم بتأليف معزوفة موسيقية". أحيانا، عندما كانت الظروف تسمح، كان يحب الرقص. كما في إحدى الليالي من دجنبر 2006، بعد يوم طويل حظي فيه بتكريم خاص، في مسقط رأسه بمدينة الجديدة. ويحكي صديقه القديم، الأستاذ الجامعي قاسم باصفاو عن ذلك قائلا: "كنا نستمع للموسيقى، وعندما سمع أغنية 'دور بيها يا الشيباني'، قام فجأة يرقص بمفرده". وفي كتابه "موت في كندا"، كان البطل كاتبا وأصبح موسيقيا، وهو ما تبرره شينا بأن "كتابته شكلت تجسيدا لحلمه باحتراف الموسيقى".
-
ما قام به بالإذاعة
ابتداء من سنة 1956، قام الشرايبي بتنشيط برنامج إذاعي يحمل عنوان "رنين روحي" لإذاعة RTF (التي أصبحت "فرانس الدولية" و"فرانس الثقافية" فيما بعد). ناقش من خلالها الإسلام والصوفية وبعض المفكرين. لقد شيد الشرايبي جسرا بين الثقافات العربية المسلمة والغربية. بعدها، قام بتحويل العديد من الكتب الفنية إلى مسرحيات إذاعية، من بينها كتبه الخاصة، إضافة لكتب مؤلفين آخرين. سنوات بعد ذلك، وخلال سلسلة "المسرح الأسود" التي كانت تذاع على فرانس الثقافية، قام بتكييف بعض النصوص لتلائم كتابا أفارقة.
تضيف رفيقة دربه شينا أن الشرايبي "كان يحب عمله بالإذاعة، فقبل أن يحترف الكتابة، كان إدريس حكواتي عمومي. وكان يعتبر الصوت ذو أهمية كبيرة جدا". وسبق للأستاذة الجامعية ستيفاني ديلاري، أن خصصت أطروحة بعنوان "إدريس الشرايبي.. الكتابة بعمق"، جمعت من خلالها جميع أعماله الإذاعية.
-
كاره للدنيوية
كانت الصالونات الأدبية، الحفلات ووسائل الاعلام تزعج الشرايبي وتصيبه بالملل. مقابل ذلك، كان يفضل الانعزال مع أصدقائه ومقربيه للنقاش. عندما كان ينزعج، كان يحمل نفسه ويغادر فجأة بدون إخبار. ويتذكر قاسم باصفاو: "في أحد الأيام كان إدريس مدعوا من طرف إذاعة فرنسية، بمناسبة إصدار أحد كتبه، ولم يكن منشط الحلقة قد قرأ كتابه. فما كان من الشرايبي إلا أن قام وغادر الإذاعة، قائلا له 'اتصل بي عندما تقرأ الكتاب'".
-
عاشق للطبيعة
لم يجد الضجيج والغضب حيزا في حياة الشرايبي. فبعد إتمامه الدراسة في الدار البيضاء، توجه بعدها إلى باريس. وكان طيلة حياته، يبحث عن الطبيعة، الجبال، الجزر، والقرى.. إذ يفضل الهروب بعيدا عن المدن وجنونها. ولطالما فضل العيش في الأماكن الهادئة، بعيدا عن الصخب، وعن صخب الحياة الأدبية.
تتذكر أرملته: "كان إدريس يخلق عالمه الخاص، الحميمي والداخلي من أجل الكتابة. ويحب القرب من الأرض والضوء، والماء من أجل إلهامه".
عندما قرر الزوجان تسلق الجبال الأسكتلندية، مسقط رأس شينا، دُهش إدريس من روعة الطبيعة. وقال "إنها مدهشة، لا يعيش أي أحد هنا سوى الغنم". ووقتها حكت له زوجته عن تاريخ المنطقة، وأنه "في القرن الثامن عشر، تم تهجير سكان الجبال من منازلهم، من أجل تشييد مزارع للأغنام، التي شكلت ربحا لهم". فيما بعد، كتب إدريس روايتيه "تحقيق في البلد"، و"أم الربيع"، قام فيهما بإعادة التفكير في هذا الشعب. تضيف زوجته: "قام بإهداء 'أم الربيع' إلى جميع الأقليات في العالم: السلتيون، الأوكسيتان، الفلسطينيون... لقد فهم أن قدر هذه الشعوب متقارب. ومن هنا استلهم الرسائل الإنسانية في كتاباته".
-
كان يؤلف كتابا قبل وفاته
كان إدريس قد تلقى منحة من جمعية الأدباء، ثم عاد للمغرب من أجل الكتابة. وترك 3 دفاتر صغيرة تحمل أفكاره، لكن مشاريعه كانت كبيرة. بعدما ألف "رجل الكتاب"، الذي يحكي فيه عن الثلاثة أيام التي سبقت نزول الوحي على الرسول محمد، كان يحضر لكتاب آخر عن الثلاثة أيام قبل وفاة النبي.
في يوليوز 2006، اندلعت حرب لبنان. وتتذكر شينا الشرايبي أن "إدريس كان متابعا لكل الأخبار، وفكر في تأليف كتاب عن طفل ولد خلال تلك الحرب، سيبعث على الأمل". وتضيف أنه "كان يحضر أيضا لمؤلف كان ينوي تسميته بتحقيق في الجنة". وتختم زوجته التي رافقته لآخر أيامه: "أنا متأكدة أنه كان سينجح في تجميع أفكاره في كتاب واحد".