شد حفل توقيع كتاب حول التاريخ المغربي المعاصر أنظار العشرات أمس السبت 08 فبراير بالمعرض الدولي للكتاب، ولم تتمكن قاعة شنقيط بالمعرض الدولي للعاصمة الاقتصادية من استقبال كل الحاضرين.
واضطر عشرات الحاضرين إلى الوقوف طيلة ساعتين من الزمن في حضرة عبدالرحمان اليوسفي الذي حضر رفقة زوجته هيلين، وهم ينصتون لحيثيات صدور كتاب إدريس الكراوي، الرئيس الحالي لمجلس المنافسة والأستاذ الجامعي في الاقتصاد، الذي يحتفي بمسار عبدالرحمان اليوسفي المناضل الاتحادي ورئيس أول حكومة تناوب توافقي في تاريخ المغرب السياسي، وهو كتاب "عبدالرحمان اليوسفي: دروس للتاريخ".
جرت العادة أن يختار السياسيون، من عشاق الكتابة، الاعتزال والركون إلى الظل، ثم يصدروا مذكراتهم، وهو الشيء الذي ينتفي في حال الكراوي، ليس لأن الرجل شغل مستشارا مكلفا بالملفات الاجتماعية مع اليوسفي أبان حقبة التناوب، ما بين 1998 و2002، ولكن لأن الرجل خرج ليحكي عن خيارات اجتماعية منها ما جرى تبنيه ومنها ما جرت عرقلته، فهو يشغل رئيسا لمؤسسة دستورية هي مجلس المنافسة.
يقول الكراوي في تصريحه لـ"تيلكيل عربي" إن فكرة إصدار كتاب عن تجربة التناوب التوافقي هي فكرة قديمة، وأن الاشتغال عليه دام لثلاث سنوات، كما أن صدور مذكرات تذهب في هذا الاتجاه، وهي كتب زاغت عن الموضوعية، ما جعله يصر على إصدار شهادته.
ويقول الكراوي "لا يجب أن ننسى أني أواصل ممارسة عملي كاستاذ جامعي، وبالتالي فإن هم وعشق الكتابة أمر واجب، ويدخل في نطاق عملي".
بدا جليا من الحضور الكثيف، خاصة السياسيون الطاعنون في السن أو رموز الرعيل الأول، كمحمد بنسعيد ايت إيدر ونوبير الأموي ومحمد اخليفة ومولاي إسماعيل العلوي، إضافة إلى أسماء كإدريس جطو ومصطفى بكوري، واسماء اتحادية كثيرة كنزهة الشقروني وآخرين، وبدا أن حدث تقديم "كتاب شهادة" حول حقبة تاريخية سياسية معاصرة خلق الحدث الثقافي في الدورة 26 من معرض الكتاب والنشر.
يعتبر الكاتب إدريس الكراوي أن جزءا من الكتاب، الذي طبع وصفف بشكل أنيق وعلى ورق فاخر، ويصل سعره إلى 180 درهما، جاء كشهادة للتاريخ بعدما نسبت كتب أخرى مجموعة من إنجازات حكومة التناوب التوافقي إلى جهات أخرى، ويخص بالتحديد قانون التغطية الصحية الإجبارية الخاصة بالفئات المعوزة.
ووفق الكراوي، فإن الكتاب يعتمد على منهجية تمزج بين ثلاثة مستويات، التحليل المجرد لوقائع عايشها ميدانيا، ثم الرصد الوثائقي لإصلاحات اجتماعية مست جوانب من عمل حكومة التناوب كان مكلفاً بإعداد الملفات بشأنها ومتابعة إجراءاتها، كقضية أعداد وثيقة توحد البرامج الحكومية لأحزاب الأغلبية آنذاك، وهي الوثيقة التي تعرضت لعراقيل كي لا يجري تحقيق توافق بين أحزاب مختلفة إيديولوجيا، وأخيرا الشهادات التي استقاها من خلال معايشته للأستاذ اليوسفي في مرحلة قوية من التاريخ السياسي للمغرب المعاصر.
ويتمحور الكتاب حول عشرة أجزاء تحاول أن تسلط الضوء على عبد الرحمن اليوسفي كما عرفه ادريس الكراوي وتجربة التناوب، وتقييم مقارن لبرامج الأحزاب السياسية في أفق تشكيل حكومة التناوب، والإصلاحات الاجتماعية الكبرى في عهد حكومة التناوب، وحكومة التناوب وقضية التشغيل، والحوار الاجتماعي، خاصة خلال المفاوضات العسيرة مع المركزيتين النقابيتين الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
يرى الشاعر المغربي حسن نجمي، الذي تكلف بإدارة حفل تقديم الكتاب، أن إدريس الكراوي أهدى هبة فكرية وثقافية للمشتغلين على التاريخ المغربي، وأضاف أن مذكرات اليوسفي جاءت في سياق ثورة من السير الذاتية مثل كتاب عبدالرحيم بوعبيد وعبدالواحد الراضي ومذكرات مولاي إسماعيل العلوي مولاي وعباس الورقة.
وحسب نجمي فإن كتاب الكراوي اختار ان يقدم شهادة ثمينة من موقعه كمستشار لليوسفي مكلف بالقطب الاجتماعي، إذ يعرض الكتاب لرؤية اليوسفي حول مجموعة من الإصلاحات الحساسة، التي كان المغرب في حاجة إليها، كما يفصل في الحلول التي كان يفكر فيها، وكيف تعرضت بعض المقترحات إلى النسف أو إلى التجاهل.
يقول نجمي " الكتاب لا يجزي التجربة ولا يكيل اللمز لمن عارض تجربة التناوب، فالكراوي اشتغل بمروءة، محاولا تقديم بروفايل تفصيلي لليوسفي ولخياراته ومساراته، وتقييما لتجربة حكومة التناوب خاصة في الجانب الاجتماعي".