تجريم الاثراء غير المشروع ما بين "الاستعجال والتضليل".. مواجهة بين وزير العدل بن عبد القادر والرميد

أحمد مدياني

اختلفت الآراء حول الصاق تهمة تأخير المصادقة على تعديلات مشروع القانون الجنائي، بالمواد التي تتحدث عن تجريم الإثراء غير المشروع، وغيرها، وتعددت روايات من يشرعون ومن يمسكون بمقاليد السلطة التنفيذية، باختلاف مواقع استوزارهم اليوم وحسب إنتماء كل واحد منهم، ولعل أبز الاختلافات التي أضحى التباين بينها واضحاً، هي تصريحات وزير العدل السابق مصطفى الرميد الذي شغل اليوم وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني من جهة، ووزير العدل الحالي محمد بن عبد القادر من جهة أخرى.

بن عبد القادر أطلق خلال هذه الأيام حملة تواصلية وإعلامية كثيفة، بعنوان واحد لا محيد عنه بالنسبة للرجل، ومضمونه أن "ربط تعثر المصادقة على مشروع القانون الجنائي بمواد تجريم الإثراء غير المشروع ما هو إلا اختزال، بل تضليل للرأي العام وديماغوجية سياسية، وافتعال حالة سياسية مصطنعة لرهانات لا أرغب في الدخول فيها.".

في المقابل يذكر الرميد كل أمسك بميكرفون الإجابة عن أسلئة الصحافيين، وكان السؤال حول تأخر المصادفة عن مشروع القانون الجنائي، بأن "موضوع تجريم الاثراء بلا سبب هو سبب العرقلة". بل عاد يوم الأربعاء الماضي، وضرب مثالاً بسكرتيرة لدى مسؤول قضائي، اكتشف خلال فترة مسكه بحقيبة العدل، أنها "راكمت ثروة من مهمتها"، وقال حرفياً: "تملك ضيعة وسيارة دفع رباعي، تبين أنها جمعت المال من السمسرة بحكم وظيفتها".

وفي معرض حديثه عن السكرتيرة التي لم يكشف هويتها أو هوية المسؤول القضائي الذي كانت تشتغل تحت سلطته، أشار الرميد مباشرة إلى "عدم قدرتهم على الصول إلى دليل يدينها، فجرى التفاوض معها لتستقيل من وظيفتها". وعلق وزير الدولة عن الواقعة بالقول: "بصحة الجميع لي كيشفرو"، بعدما شدد على أنه لو تمت المصادقة على مواد تجريم الإثراء غير المشروع حينها، لجرت محاكمتها.

ومع استمرار الرميد في ربط تعثر المصادقة على مشروع القانون الجنائي بمواد تجريم الإثراء غير المشروع، اعتبر وزير العدل الحالي محمد بن عبد القادر في حوار مع وكالة المغرب للأنباء نشر اليوم الجمعة 21 فبراير، دون أن يشير إلى تصريحات الرميد، أن "القول بأن سبب تأخر أو تعثر مشروع قانون تعديلي، يهم حوالي 80 مادة، راجع إلى مادة الإثراء غير المشروع كلام ليس من شأنه أن يساعد على إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود، وهو ضغط ونوع من التشويش على النقاش الهادئ وتنميط للتعبير عن وجهة النظر".

وتابع بن عبد القادر، أنه "من حق كل الفرق وكل النواب والفاعلين الإدلاء برأيهم في كل المقتضيات من أجل تجويدها وإسنادها إلى الأحكام الدستورية والاجتهادات الممكنة، ولا يمكن اعتبار كل من يريد تحديد سقف معين أو يناقش مسألة الإثراء غير المشروع، هو ضد أو مع الفساد، فهذا النوع من التصنيفات لا تليق بالعمل المؤسساتي المسؤول والهادف".

وبخصوص نقطة مناقشة تعديلات مشروع القانون الجنائي، صرح الراميد أكثر من مرة بأنهم "بدلوا مجهودا من أجل مناقشة مشروع القانون الجنائي في لجنة العدل والتشريع، لكن حينما وصل الأمر لمرحلة التعديلات كانت هناك صعوبات وعراقيل وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام".

وفي خضم هذا التباين في المواقف، عبر وزير العدل بن عبد القادر عن موقف يرفع من سقف الجدال حول مشروع القانون الجنائي، ويفيد بإمكانية سحبه من البرلمان وإعادته إلى ملعب الحكومة من أجل مراجعته، وعبر ذلك في حواره مع وكالة المغربية العربي للأنباء، حين سؤاله عن إمكانية وقوع هذا السيناريو، بالقول: "ما طرحته في جوابي عن سؤال بمجلس المستشارين حول سبب تأخر مشروع القانون الجنائي بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، كان فيه تذكير بأن الحكومة الحالية، التي عينت في 5 أبريل 2017، عرفت في كثير من المحطات عدة تعديلات وأصبحت حكومة متجددة، لم تطلع لحد الآن على هذا المشروع ولم تحط علما به".

وأضاف المتحدث ذاته: "سيكون من باب العبث وعدم احترام المؤسسات، أن يذهب وزير العدل المعني بالموضوع إلى لجنة العدل والتشريع وينخرط في التفاعل بالرفض أو القبول مع التعديلات دون أن يعود إلى الحكومة، فالوزير القطاعي عندما يصل إلى مرحلة إدراج التعديلات والمصادقة، فهو يفعل ذلك باسم الحكومة وما يقرره في الجلسة ملزم للحكومة، والحال أن هذه الحكومة من حقها كما أكدت على ذلك الاطلاع على مضامينه".

وذهب في معرض جوابه، إلى إعطاء تلميح قوي بأن مشروع القانون الجنائي قد يعود إلى الحكومة، ووصف العملية بأنها "لا تتعلق بسحب القانون في هذه المرحلة، بقدر ما تتعلق بإحاطة الحكومة علما بمشروع هذا القانون، لكي تتخذ بشأنه القرار المناسب في إطار العمل المؤسساتي والاستمرارية وتجويد التشريع، فالأمر ينحصر في هذا النطاق، فأنا لايمكن أن أتفاعل مع هذا المشروع بدون أن يكون هناك موقف منسجم ومتوافق بشأنه داخل الأغلبية الحكومية والمجلس الحكومي".