اعترف عدد من الصيادلة في لقاءات مع رؤساء فرق برلمانية، لأول مرة، بأسبابهم التي تجعلهم يترددون في توفير 86 دواء، خاصة بأمراض "خبيثة"، من قبيل السرطان و"السيدا"، وبرروا ذلك بالتضريب المرتفع، إذ في الوقت الذي يحدد هامش الربح فيها في 400 درهم، يجدون أنفسهم يدفعون عنها أكثر من 500 درهم رسوما ضريبية، متكبدين خسارة مالية تتجاوز 100 درهم عن كل علبة يبيعونها، فاقترحوا إجراءات، مع أن يظل هامش الربح ضئيلا، لكي تنهي الخسارات المالية.
المعطيات الجديدة، كشفتها وثيقة تقدم بها محمد الحبابي، رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب إلى فرق برلمانية لتقترح تعديلات في تضريب الأدوية، لمناسبة مناقشة مشروع قانون مالية 2018، وفي نسخة منها حصل عليها "تيلكيل – عربي"، رواية المهنيين، عن أسباب العراقيل التي تواجه عددا من المرضى في الحصول على أدوية الأمراض المزمنة، والتي تجعلهم في أغلبية الأحيان، يتنقلون، بين أكثر من صيدلية ومدينة قبل العثور عليها في رف إحدى محلات بيع الأدوية.
وتنتمي تلك الأدوية، حسب وثيقة الحبابي، إلى الفئتين الثالثة والرابعة في الجدول القانوني للأرباح على الدواء، التي حددها المرسوم رقم 2.13.852 الصادر في 2013، حول "شروط و كيفيات تحديد سعر بيع الأدوية المصنعة محليا أو المستوردة للعموم ، إذ قرر مراجعات في أسعار الدواء وهامش ربح الصيدلاني، فألغى هامش الربح المحدد في %30، وأقر نظاما جديدة من أربعة هوامش مختلفة حسب قيمة الدواء.
وتبعا لذلك، قسم التحصيص الجديد، الأدوية إلى أربع فئات، الأولى هي تلك التي يقل سعرها عن 298 درهما، فحدد لها هامش ربح قيمته 33.93 %، والثانية تلك التي يتراوح سعرها بين 262 درهما و987 درهما، فحدد لها هامش ربح قيمته 29.75 %، أما الفئتين الثالثة والرابعة، فهي التي يتراوح سعرها على التوالي، بين 899 درهما و2100 درهما، بقيمة ربح جزافية قدرها 300 درهما، والتي يفوق سعرها 2201 درهما، وتصل أسعارها أحيانا إلى 30 ألف درهم وأكثر، فحدد ربح الصيدلي فيها في ما قدره 400 درهم.
فما هي الإشكالية إذن، في علاقتها بما أسمته الوثيقة "رفض عدد كبير من الصيادلة للأسف صرف تلك الأدوية"؟ تجيب الوثيقة أن "التضريب الذي تتعرض له تلك الفئتين 3 و4 من الأدوية، هو العائق الأساسي في صرفها للمواطنين على مستوى الصيدليات، سيما ضريبة الحد الأدنى على الشركات وللضريبة على الدخل برسم الدخول المهنية"، والضريبة على القيمة المضافة".
ولفهم تلك المسألة، أوضح محمد الحبابي، رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، في حديث مع "تيلكيل – عربي"، قائلا: "إذا أخذنا مثال دواء سعره 10 آلاف درهم، هامش الربح نظريا هو 400 درهم، ولكن عندما نحتسب الرسوم الضريبية عليه، وهي 0.5 % قيمة الضريبةالدنيوية، و42 % قيمة الضريبة على الدخل، و0.25 % من رسوم التمبر، نجد أن الصيدلي يؤدي مقابلا عنها 550 درهم، وبالتالي لم يربح في الحقيقة 400 درهم، إنما دفع المبلغ لخزينة الدولة، ومعه خسارة بقيمة 150 درهما".
وأمام ذلك الوضع، تعترف الوثيقة التي تسلمتها فرق برلمانية من كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، أنه "نظرا للوضعية الاقتصادية الهشة لعدد كبير من الصيادلة، والعبء المالي المترتب على الصيدليات لاقتناء تلك الأدوية، من أجل صرفها للمرضى باعتبار هامش ربحها الرمزي، فإن عدد كبيرا من الصيادلة للأسف يرفضون صرفها للمرضى".
وأضافت الوثيقة ذاتها، أنه "رغم أن القوانين المنظمة لقطاع الصيدلة، وأخلاقيات ممارسة مهنة الصيدلة، والتي تجبر الصيدلاني المزاول صرف كل الأدوية لمرضاه، إلا أن هذا الأخير يجد نفسه محاصرا بين المسؤولية المهنية التي تلزمه صرف ذلك النوع من الأدوية، والمسؤولية الحساباتية، بصفته مسؤولا في الوقت ذاته على الحفاظ عن استقرار مقاولته، وعدم المغامرة في مقاربات خاسرة قد تزيد من تأزيم أوضاعه الاقتصادية".
ولم تخف الوثيقة أنه حتى المرضى المنخرطين في الصناديق الاجتماعية، يواجهون العراقيل نفسها، إذ بعدما كانت أدوية الأمراض المزمنة، توفرها الصيدلية المركزية للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS)، لكن بعد إلغاء تلك الصيدلية "التي كان يعتبرها الصيادلة غير قانونية"، وقعت اتفاقية بين "كنوبس" والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، مع الهيأة الوطنية للصيادلة وفيدرالية نقابات صيادلة المغرب، تكلفهم بصرف الأدوية على أن تدفع لهم الصناديق قي ما بعد.
ويتعلق الأمر أساسا، وفق الوثيقة ذاتها، بـ"لائحة الأدوية الباهظة الخاصة بالأمراض"، وعددها 86 نوعا، إذ بموجب الاتفاقية تخضع لنظام "الطرف الثالث المؤدي"، أي تكون محل إعفاء لمنخرطي الصندوقين عند اقتنائها من الصيدليات، بنسب تتراوح بين 70 % و90 %، على أن يتم التسديد لفائدة الصيدليات من قبل الصناديق، لكن المشكلة، وفق المصدر نفسه، أن الانخراط في الاتفاقية يظل اختياريا، ومن أصل 12 ألف صيدلي في المغرب، فقط 192 انخرط، تلقائيا وليس باختيارها، لتستفيد من الثالث المؤدي، و"بعد اكتشاف أعباء التضريب صارت الأغلبية ترفض توفيرها".
تلك هي أسباب الصعوبات التي تواجه المواطنين في الحصول على أدوية الأمراض المزمنة، في الرواية التي يقدمها الصيادلة لأول مرة، فماهي الحلول التي يقترحونها؟ حسب الوثيقة ذاتها، يتمثل الحل في "إجراءات موضوعية ومعقولة، إعفاء تلك الشريحة من الأدوية من الضريبة الدنيوية، وجعل الفئتين 3 و4 تخضعان لنظام محاسباتي منفصل، يحتفظ بأداء ضريبة الأرباح، لكن دون إضافة رقم معاملات الفئتين إلى الرقم المعاملاتي العام" .
ويوضح الحبابي، الفكرة الأخيرة، في تصريح لـ"تيلكيل – عربي"، قائلا: "تخضع الصيدليات لنظام ضريبي يعفيها من أداء الضريبة على القيمة المضافة، عن كل رقم معاملات سقفه 2 مليون درهم، أما التي تحقق رقم معاملات يفوق بدرهم واحد، 2 مليون درهم فتءدي الضريبة على القيمة المضافة، ولأن الأدوية الباهظة الثمن، وعلاوة على الأسباب التي ذكرناها للفرق البرلمانية، تؤدي إلى ارتفاع رقم المعاملات، رغم ألا ربح فيها، فيرفض صيادلة توفيرها"، ثم ختم قائلا: "لا مشكلة لدينا في توفير الأدوية الباهظة الثمن بهامش ربحي ضئيل جدا، لكن يجب فقط ألا تتحول إلى خسارة مالية بالنسبة إلينا".